العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وجاء اتفاق روسيا وأوكرانيا هذا الأسبوع على وقف إطلاق النار لثمانية أيام فى البحر الأسود.

هل اقترب السلام بين روسيا وأوكرانيا؟
 

لواء د. سمير فرج

 29 مارس 2025


خلال حملته الانتخابية، وقبل أن يصل إلى كرسى الرئاسة، كان الرئيس الأمريكى ترامب قد وعد خلال حملته الانتخابية بأنه سيحل المشكلة بين روسيا وأوكرانيا بعد ٢٤ ساعة من وصوله. وبعد أن جلس على الكرسى فى المكتب البيضاوى يوم العشرين من يناير، ومن يومها ونحن مازلنا ننتظر متى يحل السلام بين روسيا وأوكرانيا، تلك الحرب التى بدأت فى ٢٢ فبراير من عام ٢٠٢٢، عندما رفضت روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو لما فى ذلك من تهديد لأمن روسيا القومى، باعتبار أوكرانيا دولة حدودية، وعلى أثر ذلك شنت هجومًا عسكريًّا، نجحت من خلاله فى السيطرة على ٢٠٪ من الأراضى الأوكرانية، وأعلنت ضم أربع مقاطعات، وهى لوهانسيك ودونيتسيك وزابوروجيا وخيرسون، لتُجرى بعد ذلك استفتاءً شعبيًّا، قامت بمقتضى نتائجه بضم تلك المقاطعات الأربع إلى روسيا بعد تصديق الدوما (البرلمان الروسى).

وخلال تلك الحرب، التى انتهى عامها الثالث، قامت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها كل دول حلف الناتو ودول الاتحاد الأوروبى بمساعدة أوكرانيا عسكريًّا واقتصاديًّا، إلا أن الدعم العسكرى اقتصر على الأسلحة الدفاعية وليس الهجومية، حيث كان هدف أمريكا فى تلك الفترة إطالة زمن القتال فى تلك الحرب لإنهاك روسيا اقتصاديًّا وعسكريًّا، فلو كانت أمريكا تستهدف نصرة أوكرانيا فى حربها مع روسيا وتمكينها من استعادة أراضيها لأمدتها بالأسلحة الهجومية اللازمة لتنفيذ تلك الخطة الهجومية، لذا جاءت النتيجة الحتمية بفشل الهجوم المضاد الأوكرانى فى الربيع الماضى، واستكمال روسيا لعملياتها الدفاعية عن الأراضى التى ضمتها إليها، وفى المقابل بدأ الدعم الأمريكى والأوروبى إلى أوكرانيا فى التراجع.

ورغم اقتصار العمليات العسكرية على الدولتين الأوروبيتين؛ روسيا وأوكرانيا، بما يمكن وصفه بأنه حرب إقليمية، فإنها تُعتبر حربًا عالمية من حيث التأثير، إذ تأثرت كافة دول العالم سلبًا جراء تلك الحرب، فى ظل كون الدولتين أكبر منتج ومُصدر للغلال والحبوب، خاصة القمح والذرة على مستوى العالم، مما أدى إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية من الحبوب، وارتفعت أسعارها إلى معدلات غير مسبوقة، بالإضافة إلى كون روسيا أكبر مُصدر للغاز إلى أوروبا، حيث تأثرت أسعار الغاز الطبيعى فى العالم كله.

إلا أن أوكرانيا فاجأت الجميع وقامت بالهجوم المضاد ضد روسيا، وقامت باحتلال جزء كبير من مقاطعة كورسيك داخل الأراضى الروسية، وبدا أن روسيا لم تكن قد وضعت خطة متكاملة للدفاع عن إقليم كورسيك، حيث كانت الدفاعات الروسية هناك ضعيفة، الأمر الذى استغلته القوات الأوكرانية واندفعت لاختراق هذه الدفاعات مفاجئة الجميع بدءًا من القوات الروسية وباقى دول العالم، وحققت توغلًا داخل الأراضى الروسية بحوالى ٢٠ كم، واستولت القوات الأوكرانية على المنطقة المخترقة، ونظمت دفاعاتها، حتى إن القوات الروسية وجدت صعوبة فى طرد القوات الأوكرانية واستعادة الأراضى الروسية.

وبدأت إدارة ترامب فى عملية تحقيق السلام، بدءًا بدعوة الرئيس ترامب الرئيس الأوكرانى إلى البيت الأبيض، حيث تم الأمر فى لقاء عاصف، خرج منه الرئيس الأوكرانى، حيث شعر أن الرئيس الأمريكى سوف يُنهى هذه الحرب على حساب أوكرانيا، بعدها بدأ الرئيس ترامب فى قطع المساعدات العسكرية وتبادل المعلومات الاستخباراتية مع أوكرانيا، الأمر الذى وضع أوكرانيا فى موقف صعب للغاية أمام الروس، وهذا بالطبع أدى إلى رفع الروح المعنوية لدى الروس، الذين قاموا بهجوم مضاد على دفاعات كورسيك الأوكرانية، حيث تراجعت القوات الأوكرانية، وتم رفع العَلَم الروسى على مدينة سودجا.

بعد خسارة سودجا، لم تعد أوكرانيا تسيطر إلا على ١٠٪ من مقاطعة كورسيك، ولقد أرسل الرئيس ترامب مندوبين أمريكيين إلى روسيا لعرض مقترح خطة ترامب للسلام. ولم يتضمن هذا الاقتراح سوى وقف إطلاق النار بين الدولتين لمدة ٢٠ يومًا. بالطبع، لم توافق روسيا على وقف إطلاق النار، حيث إن أوكرانيا سوف تحاول استغلال الوقت لإعادة تنظيم دفاعاتها فى كورسيك، بينما تحاول روسيا استعادة كورسيك لتكون فى موقف أفضل عند التفاوض.

على الطرف الآخر، تسلم الوفد الأمريكى فى موسكو شروط السلام من روسيا، والتى تضمنت عدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسى، وكذلك الاتفاق على ضم جزيرة القرم ومقاطعات دونيتسك ولوهانسك وزابروجيا وخيرسون إلى روسيا. وعلى الجانب الآخر، اختار الرئيس ترامب السعودية لتكون مقر مباحثات السلام، حيث يعرض كل جانب وجهة نظره. وإن كانت حتى الآن مجرد مقترحات تنتظر لقاء الزعيمين. وقد انحاز الرئيس ترامب إلى فكرة إجراء انتخابات جديدة فى أوكرانيا حتى يكون الرئيس الجديد هو الذى يوقع على معاهدة السلام.

وخلال الأسابيع الماضية، قامت القوات الروسية بعملية عسكرية مباغتة وغير مسبوقة فى إقليم كورسيك ضد القوات الأوكرانية، حيث تسلل ٨٠٠ جندى روسى من القوات الخاصة عبر أنبوب كان يمر منه الغاز الروسى إلى أوكرانيا فى الماضى. وقد توقف الضخ فيه منذ عامين. ولذلك، بدأ الروس بشفط الغاز المتبقى فى الأنبوب، ثم ضخ أكسجين بدلًا منه، ثم دفع ٨٠٠ جندى روسى من القوات الخاصة عبر هذا الأنبوب، الذى يبلغ قطره ١٤٠ سم، لمسافة ١٧ كيلومترًا خلف القوات الأوكرانية.

وخلال أربعة أيام، اندفعوا بعدها إلى العمق خلف القوات الأوكرانية، مما أدى إلى استسلام ٤٠٠ جندى أوكرانى على الفور، تاركين مُعَداتهم وأسلحتهم الأمريكية والأوروبية. وطبقًا لما ذكرته مجلة فوربس، مازالت باقى القوات الأوكرانية محاصرة فى ذلك الجيب فى كورسيك، تنتظر الرحمة من بوتين، الذى أعلن أنه فى حالة استسلام الجنود الأوكرانيين، سيتم ضمان حياتهم ومعاملتهم طبقًا لمبادئ القانون الدولى.

وقد صرح ديمترى بيسكوف، المتحدث باسم الكرملين، بأن القوات المحاصرة فى كورسيك أصبحت فى حكم الأسرى أو القتلى. هذه العملية أطلق عليها الروس اسم «السيل» (Potok)، والتى قد تصبح مستقبلًا فكرة جديدة فى أنواع القتال لم تُستخدم من قبل. ومن هنا، فإن أوكرانيا أصبحت الآن هى التى تطلب سرعة الوصول إلى اتفاق سلام لإنقاذ جنودها فى كورسيك.

وجاء اتفاق روسيا وأوكرانيا هذا الأسبوع على وقف إطلاق النار لثمانية أيام فى البحر الأسود، كما وافقت واشنطن على ممارسة ضغوط لرفع بعض العقوبات المفروضة على موسكو، حيث يعتبر هذا الاتفاق الخطوة الأولى للوصول إلى اتفاق السلام النهائى بين الدولتين.

ويبدو أن الجانبين اتفقا على المبادئ الرئيسية لاتفاق السلام على أساس تنازل أوكرانيا عن شبه جزيرة القرم والمقاطعات الأربع، وأن تتعهد بعدم الانضمام إلى حلف الناتو، وعدم امتلاك السلاح النووى، أما روسيا فإنها تتعهد بعدم مهاجمة أوكرانيا مرة أخرى، والاشتراك فى عملية إعمار أوكرانيا نتيجة للدمار الذى تسببت فيه جودة هذه الحرب.



Email: sfarag.media@outlook.com