العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

كان الدور الذى لعبه الرئيس الراحل حسنى مبارك محل تقدير واحترام من الدول العربية والمجتمع الدولى.

ملحمة تحرير الكويت.. قصة وفاء شعب مصر
 

لواء د. سمير فرج

 1 مارس 2025


تحتفل هذا الأسبوع الكويت وشعبها، ومعها شعب مصر، بأغلى ذكرياتهم فى العصر الحديث، وهو يوم عيد تحرير الكويت من احتلال جيش صدام حسين، فشعب الكويت كغيره من الشعوب العربية، له مكانة خاصة فى قلوب الشعب المصرى، وهو ما تجلى بوضوح عندما غزا صدام حسين الكويت، وأعلن ضمها للعراق، فإذا بالشعب المصرى ينتفض معلناً غضبه ورفضه لهذا الاعتداء، وإذا بأبناء الشعب الكويتى يتدفقون إلى مصر، هرباً من بطش صدام حسين، يقيناً منهم أن مصر وطنهم الثانى.

ترجع المأساة ليوم 2 أغسطس من عام 1990، عندما تقدمت فرق الحرس الجمهورى العراقى بأوامر من صدام حسين، مخترقة الحدود الكويتية، وقامت بالسيطرة على مراكز البلاد والعاصمة الكويتية، وقام الجيش العراقى بالسيطرة على الإذاعة والتليفزيون الكويتى، وبعدها بيومين فى يوم 4 أغسطس قامت السلطات الموالية لصدام بتعيين حكومة صورية فى الكويت، تحت مسمى جمهورية الكويت، بزعامة علاء حسين، أحد عملاء صدام، فى محاولة لإقناع العالم بأن ما يحدث فى الكويت هو انقلاب عسكرى، قاده الضابط الكويتى علاء حسين، الذى طلب دعم العراق للإطاحة بأمير الكويت، وبعدها أصدر صدام حسين قراراً بتبعية الكويت للعراق واعتبارها المحافظة رقم 19، ضمن محافظاته.

وبالطبع، لم يصدق المجتمع الدولى تلك المزاعم، وتباينت ردود أفعال الدول العربية حول ذلك الحدث بين رفض الغزو العراقى لدولة عربية، ومساندة للموقف الكويتى من مصر والسعودية والإمارات والبحرين وقطر وعمان وسوريا والمغرب، وبين تحفظ من دول عربية أخرى مثل الجزائر وتونس ومنظمة التحرير الفلسطينية، مما دعا السيد الشاذلى القليبى، أمين عام جامعة الدول العربية، حينئذ، والتونسى الجنسية، لإعلان استقالته.

وعلى مستوى مصر، فلا يخف على أحد الموقف الراسخ للرئيس محمد حسنى مبارك وجهوده منذ الدقيقة الأولى، فى إقناع صدام حسين بالعدول عن قراره، والانسحاب فوراً من الكويت، ولما لم ينصع صدام حسين، دعا الرئيس مبارك لعقد قمة عربية طارئة بالقاهرة فى اليوم التالى للغزو يوم 3 أغسطس، لبحث العدوان العراقى على دولة الكويت العربية المستقلة، وأعلنت القمة العربية شجب الاجتياح العراقى للكويت، وطالبت صدام حسين بالانسحاب الفورى غير المشروط.

كان الدور الذى لعبه الرئيس الراحل حسنى مبارك محل تقدير واحترام من الدول العربية والمجتمع الدولى، والحقيقة أنه ارتكز فيه على الرأى العام المصرى الرافض لغزو صدام حسين للكويت واحتلالها. ولم تكتف مصر بذلك، بل دفعت بفرق مصرية، إلى منطقة حفر الباطن فى السعودية، لتكون ثانى أكبر القوى العربية، المشاركة فى التحالف الدولى لتحرير الكويت، والمكون من أمريكا، والسعودية، وبريطانيا، وفرنسا، ومصر، والمغرب، والكويت، وسوريا، وعمان، وباكستان، وكندا، والإمارات، وقطر، وبنجلاديش، وكوريا الجنوبية، وأفغانستان، والأرجنتين، والنرويج، وتشكوسلوفاكيا، واليونان وبولندا، والفلبين، والدنمارك، والمجر.

ضمت القوات المصرية عناصر من الدعم النيرانى واللوجستى، وقادها الفريق صلاح الحلبى، رحمه الله، والذى تولى بعد حرب الكويت منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، وعُين اللواء كمال عامر، رحمه الله، نائبا له، والذى عُين فيما بعد رئيساً للجنة الدفاع والأمن القومى فى البرلمان المصرى. وقد جاء قرار دفع القوات المسلحة المصرية فى حرب الكويت بعد موافقة وإجماع من مجلس الشعب المصرى، طبقاً لما قرره الدستور، وهو ما كان تعبيراً عن إرادة شعب مصر، ومشاعره تجاه شعب الكويت الشقيق.

وفى مذكراته ذكر الرئيس حسنى مبارك أن فترة غزو صدام للكويت كانت أقسى فترات حكمه، لما رآه من اعتداء دولة عربية على استقلال دولة عربية شقيقة ذات سيادة، مضيفاً أنه حمّل نفسه بمسؤولية بذل كل الجهود الممكنة حتى عودة الكويت إلى شعبها وحكومتها، وطرد صدام حسين وقواته الغازية.

وفى الفترة من 17 يناير إلى 28 فبراير 1991، بدأت عملية «عاصفة الصحراء»، وهى الحرب التى شنتها قوات التحالف، المكونة من 34 دولة، بقيادة الولايات المتحدة ضد العراق، بعد أن منح مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة تفويضاً للولايات المتحدة بتحرير الكويت، ومعها قوات التحالف.

قامت استراتيجية قوات التحالف على الاستنزاف، بهدف إضعاف الجيش العراقى، من خلال تنفيذ ضربات جوية لمدة 43 يوما، وفى يوم 24 فبراير شكلت قوات التحالف ثلاث مجموعات برية للتوغل فى الأراضى الكويتية والعراقية؛ تكونت المجموعة الأولى من القوات المصرية فقط، وكانت مهمتها التقدم باتجاه الكويت لتحريرها، وهو ما تحقق بالفعل، أما المجموعتان الثانية والثالثة، فتكونتا من باقى قوات التحالف لمهاجمة العراق.

جدير بالذكر أن القوات السورية كان لها فرقة مدرعة فى حفر الباطن بجوار الفرق المصرية، إلا أن الرئيس السورى، آنذاك، حافظ الأسد، رفض اشتراك تلك الفرقة السورية المدرعة فى تحرير الكويت، معللاً موقفه بأنه لا يريد أن يصبح هناك ثأر بين العراقيين والسوريين، إذا ما شاركت قواته فى الهجوم على القوات العراقية الموجودة فى الكويت.

وفى يوم 27 فبراير 1991، أعلن الرئيس الأمريكى جورج بوش، الأب، تحرير الكويت بعد 100 ساعة من الحملة بالقوات البرية، وعاد للكويت سيادتها واستقلالها، وأثبتت مصر أنها الدعم والسند للأمة العربية عبر التاريخ، وكانت تلك الحرب وبالاً على العراق وشعبه، الذى مازال يعانى حتى يومنا هذا من عواقب وويلات، تلك المغامرة غير المحسوبة التى قام بها صدام حسين.

وبعد ذلك، ما يبقى فى الذاكرة بعد مرور هذه الأيام هو الدور المصرى المحورى فى دعم الأمة العربية، حيث تظل مصر دائمًا الأم والأب لكل الوطن العربى، خاصة فى ظل الأحداث التى تشهدها الساحة العربية الآن. وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، نجد أن مصر تقف بقوة ضد أى محاولات للقضاء على الهوية الفلسطينية والدولة الفلسطينية، فقد رفضت مصر بشدة نقل أبناء غزة إلى سيناء أو الأردن. وجاء رفضها كذلك لسفر الرئيس المصرى إلى الولايات المتحدة لمقابلة الرئيس ترامب، تأكيدًا على موقفها القاطع برفض حل المشكلة عن طريق تهجير أهالى غزة، أو استيلاء الولايات المتحدة على أراضيهم.

كما رفضت مصر بشكل قاطع المقترح الذى أيّده زعيم المعارضة الإسرائيلى، والذى ينص على أن تتولى مصر إدارة غزة لمدة تصل إلى 15 عامًا مقابل تعويضات مالية تقدر بـ 155 مليار دولار، وهى قيمة الديون الخارجية لمصر، إلا أن مصر أكدت أنها لا تبيع قرارها ولا أرضها بالمال، وأن الجهة الوحيدة التى يجب أن تدير غزة هى السلطة الفلسطينية، كما شددت على رفضها القاطع لأى وجود لقوات أجنبية أو عناصر أخرى فى غزة، نظرًا لكونها تمثل حدودًا مباشرة لمصر.

وهكذا، تثبت الأيام دائمًا أن مصر هى المدافع الأول عن الأمة العربية، فمنذ بداية العصر الحديث، كما حدث فى العراق واحتلال الكويت، أثبت الشعب المصرى موقفه الواضح حين قرر الرئيس مبارك التدخل لطرد الغزاة من الكويت. واليوم، يظهر نفس الموقف من خلال وقوف الشعب المصرى بكل طوائفه خلف الرئيس السيسى فى رفضه ترحيل سكان غزة إلى سيناء، مؤكدًا أن سيناء خط أحمر.

وهكذا، يقدّم الشعب المصرى للعالم كل يوم مثالًا حيًا على دوره فى حماية الأمة العربية، ليظل دائمًا السند والدرع الحامية لها.



Email: sfarag.media@outlook.com