العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

إذ كانت الدول والمنظمات، المهتمة بالشأن الفلسطينى، تتساءل، دوماً، عمن يمثل الشعب الفلسطينى.

إسرائيل... من صديق حماس إلى عدو
 

لواء د. سمير فرج

 14 مارس 2024


وُقعت اتفاقية أوسلو، فى 13 سبتمبر 1993، كأول اتفاقية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، برعاية أمريكية، وقد مثّل إسرائيل،آنذاك، وزير خارجيتها، شيمون بيريز، بينما مثّل منظمة التحرير الفلسطينية، الرئيس الراحل ياسر عرفات، بحضور الرئيس الأمريكى الأسبق بيل كلينتون.سُميت الاتفاقية، أو المعاهدة بهذا الاسم، نسبة إلى مدينة أوسلو النرويجية، التى شهدت المحادثات السرية خلال عام 1990.

وأفرزت تلك الاتفاقية، التى حُرر نصها لاحقاً، عن عدة التزامات وتعهدات من كلا الجانبين، كان من نصيب منظمة التحرير الفلسطينية الالتزام بحق دولة إسرائيل فى العيش بسلام، والوصول لحل جميع القضايا من خلال المفاوضات، كما نص على التزامها بإدانة العنف والإرهاب، وهو ما يتطلب تعديل بنود الميثاق الوطنى الفلسطينى ليتماشى مع ذلك التعهد. أما على الجانب الإسرائيلى، فقد أصدر رئيس وزرائها، حينئذ، إسحق رابين، قرارات منها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثل للشعب الفلسطينى، وبدء المفاوضات معها. ونصت الاتفاقية على إقامة سلطة حكم ذاتى انتقالى فلسطينى، عُرفت باسم السلطة الفلسطينية، مع انتخاب مجلس تشريعى، للضفة الغربية وقطاع غزة، لمدة خمس سنوات. كما نصت كذلك على شمول المفاوضات لجميع المشاكل العالقة، ومنها القدس، واللاجئون، والمستوطنات، فضلاً عن الترتيبات الأمنية، ومشاكل الحدود.

وكالعادة، لاقت الاتفاقية ردود فعل متباينة؛ فبينما اعترفت بها حركة فتح، وتعهدت بتنفيذ بنودها، إذا باليسار واليمين الإسرائيلى يعارضها، مثله فى ذلك وباقى المنظمات الفلسطينية كحماس، والجهاد الإسلامى، والجبهة الشعبية لتحرير الفلسطينيين، وغيرهم، رافضاً كل منهم الاعتراف بوجود الآخر، بل إن حركة حماس اعتبرت اتفاق أوسلو باطلاً، وسمّته المشئوم، كونه أتاح للاحتلال الإسرائيلى اغتصاب 78% من الأراضى الفلسطينية، مما شّكل نواة للصراع بين حركتى فتح من ناحية، وحماس من الناحية الأخرى، بدعم من باقى حركات الجهاد الفلسطينى، حتى احتدم الصراع فى مايو 2007، وانتهى بسيطرة حركة حماس على قطاع غزة منذ يونيو 2007، حتى يومنا هذا، ليزيد المشهد تعقيداً.

واضطلاعاً من مصر بدورها، كحجر زاوية المنطقة، وصمام أمانها، وإيماناً من إداراتها، على مر التاريخ، بالصالح الفلسطينى، وإدراكاً منها لما تمثله الفُرقة الفلسطينية من تحد، أو حجة ينقض عليها الكيان الإسرائيلى، كذريعة للتلكؤ فى الوفاء بالتزاماته وتعهداته، أو حتى إسقاطها كلياً، بدعوى عدم وجود مُمثل للشعب الفلسطينى، وهو ما حدث فى الواقع، إذ كانت الدول والمنظمات، المهتمة بالشأن الفلسطينى، تتساءل، دوماً، عمن يمثل الشعب الفلسطينى، عند التفاوض بشأن أمر ما، هل السلطة فى الضفة الغربية، أم حماس فى غزة، وما الضمانات لتنفيذ ما يتم التوصل إليه من نتائج، فى ظل اعتبار كل طرف منهما ممثلاً عن جزء من الشعب الفلسطينى، وغير معترف بمفاوضات الطرف الآخر.

ولهذا، فقد حاولت مصر، مراراً وتكراراً، خلال السنوات الماضية،رأب الصدع، والوصول إلى مصالحة فلسطينية، سواء بدعوة كل طرف على حدة، أو بجمع الأطراف، فى مرات عديدة، لتوحيد صفها، وإنهاء حالة الخلاف، والاتهامات المتبادلة بينها، وكانت المباحثات تنتهى، عادة، بإعلان الأطراف التوصل إلى اتفاق للمصالحة والاندماج فى سلطة موحدة، ولكن بعد العودة إلى أرضهم، تتبخر الوعود، وتعود الأمور لما كانت عليه،وهو الانشقاق. ولكى تؤجج إسرائيل من الانشقاق داخل الأسرة الفلسطينية، بما يخدم مصالحها، سارعت لمساندة حماس فى معارضتها للسلطة الفلسطينية الكائنة فى رام الله، بالضفة الغربية. ولعل أبسط صور المساندة، كان سماحها بتدفق الأموال الخارجية بملايين الدولارات لحماس التى تستخدمها فى دفع رواتب أفرادها، وفى الإنفاق على أهالى قطاع غزة، لضمان ولائهم لسلطة حماس. علماً بأن عناصر حماس، وتابعيها، فى غزة، لا يزيد عددهم على 60 ألف فلسطينى، من أصل ما يزيد على 2 مليون ونصف المليون نسمة، ممن لا يتبعون حماس، ولكنهم فى حاجة إلى المساعدات المالية، التى تسيطر عليها المنظمة. وظل الدعم الإسرائيلى، الكامل، لمنظمة حماس مستمراً منذ يونيو 2007، وحتى السادس من أكتوبر 2023، أى قبل يوم من الهجوم العسكرى الذى شنته حماس على إسرائيل، وحققت به نجاحاً نوعياً، ضد الجيش الإسرائيلى، والاستخبارات الإسرائيلية بفرعيها؛ الموساد والشاباك، ووضعتهم جميعاً فى موقف ضعف، بأن أفقدت الجيش الإسرائيلى سمعته بأنه الجيش الذى لا يقهر، وأظهرت فشل المخابرات الإسرائيلية فى توقع الهجوم الحمساوى. وعندما تنتهى الحرب، وتبدأ التحقيقات الإسرائيلية للوقوف على جهات، وأسباب القصور، مثلما حدث عندما تشكلت لجنة أجرانات عقب هزيمة إسرائيل فى حرب 73، ستتكشف العديد من الأخطاء، ومواطن العجز، التى وقع فيها الجيش والمخابرات الإسرائيلية.

وفى العموم، يمكننا توثيق يوم السابع من أكتوبر 2023، بأنه بداية نهاية شهر العسل, الطويل، بين إسرائيل وحركة حماس، أو هكذا يبدو لنا، إذ أصبح بنيامين نيتانياهو يُصرح بأن حماس هى العدو الرئيسى لإسرائيل، وبأن القضاء عليها هو الهدف الثانى، بعد استعادة رهائنه لديها، بالقضاء على قياداتها، وأولهم يحيى السنوار، الذى أذاق إسرائيل، خلال الفترة الماضية، مرارة الألم والهوان، وصار مطلوباً، حياً أو ميتاً. وهكذا تحولت حماس من صديق إسرائيل بالأمس إلى عدوها اليوم، وربما غداً.. وسبحان الله.



Email: sfarag.media@outlook.com