العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

كما أظهرت الحرب الجارية فشل المخابرات الإسرائيلية، بأفرعها الثلاثة الموساد والشاباك والمخابرات الحربية (أمان).

دروس إسرائيل من حرب غزة 2023
 

لواء د. سمير فرج

 18 يناير 2024


ما إن مرت أيام على انتصار مصر فى حرب أكتوبر 73، حتى شرعت مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية والعالمية، فى بحث الدروس المستفادة من تلك الحرب، التى غيرت، خمسة مفاهيم من أساليب القتال العسكرى، كان أهمها تغيير مفهوم «الدفاع المتحرك»، أو «Mobile Defense»، المعمول به فى العقيدة الغربية، إلى «الدفاع المرن»، أو «Active Defense»، اعتماداً على نجاح القوات المصرية فى عبور قناة السويس، وفشل الدفاع المتحرك الإسرائيلى فى صدهاأوإيقافها، حتى تمكنت من إنشاء رأس كوبرى للعبور لمسافة 15 كيلومترا شرق القناة.أما ثانى المفاهيم التى غيرتها قواتنا المسلحة، فتمثل فى قدرتها على تحييد القوات الجوية المعادية من التدخل فى المعركة، وشل قدرتها على التدخل لمنع القوات المصرية من عبور قناة السويس، رغم التفوق الكمى والنوعى لسلاح الجو الإسرائيلى، حينئذ.

لم تكتف القوات المسلحة المصرية بذلك، بل رسخت لمفاهيم أخرى كان ثالثها قدرة المشاة على القتال دون دبابات، لأول مرة فى تاريخ الحروب، إذ اعتمدت قوات المشاة المصرية، فى قتالها ضد المدرعات الإسرائيلية، فى رأس الكوبرى، على الأسلحة المضادة للدبابات، حتى تم فتح الكبارى، وعبور الدبابات المصرية. أما الدرس الرابع، فركز على تحقيق المفاجأة، على كل المستويات، فى تلك الحرب، فلم يتوقع العدو الهجوم المصرى فى ذلك التوقيت، أو بتلك الخطة التى ضمنت لنا النصر. واستُخلص الدرس الخامس مما قامت به مصر من تنسيق لإغلاق مضيق باب المندب، لتنجح فى الحصار البحرى للعدو عن بُعد، بمنع الملاحة الإسرائيلية، وتعطيل موانئ العدو، وهو نفس الأسلوب الذى يتبعه الحوثيون، الآن، ضد إسرائيل.

وإذا ما نظرنا إلى حرب غزة 2023، نجدها لم تغير شيئاً فى مفاهيم الفكر العسكرى العالمى، وإنما كانت سبباً فى تغيير جوهرى فى المفاهيم الاستراتيجية، للجيش الإسرائيلى، فى القتال، خاصة على المستوى التكتيكى. فكما استعرضت، فى أحد مقالاتى الأسبوعية، مؤخراً، فقد ارتفعت خسائر إسرائيل، من الضباط، فى هذه الحرب، عن المعدلات المقبولة، فى كل جيوش العالم، مما دفع إسرائيل لاتخاذ قرار بإنشاء كلية حربية، لتخريج ضباط الجيش الإسرائيلى، بعدما كانت مقتصرة على اختيار الضباط من التشكيلات المقاتلة، وتدريبهم من خلال دورات متخصصة، مثل المشاة أو المدفعية أو الإشارة وغيرهم.

كما أظهرت الحرب الجارية فشل المخابرات الإسرائيلية، بأفرعها الثلاثة الموساد والشاباك والمخابرات الحربية (أمان)، فى القيام بدورها الرئيسى فى الكشف المبكر عن هجوم فصائل المقاومة الفلسطينية، فضلاً عن الفشل فى الكشف عن الأسلحة الجديدة، التى استخدمتها المقاومة الفلسطينية، كالطائرات الشراعية، وما استلزمها من تدريبات مسبقة، بالإضافة إلى الفشل فى تحديد مواقع ومسارات الأنفاق فى غزة، حتى بعدما أكملت الحرب المائة يوم، منذ اندلاعها. وفى سياق مدة الحرب، فقد اعتادت إسرائيل، اتباع نظام الحرب الخاطفة، التى لا تطول لأكثر من ثلاثة أسابيع، نظراً لاعتماد جيشها على عناصر الاحتياط، العاملين بمختلف قطاعات الدولة. أما وقد دخلت الحرب شهرها الرابع، فقد تعرضت إسرائيل إلى أضرار اقتصادية بالغة، فضلاً عن استهلاك الذخائر بمعدلات تفوق المفترض عالمياً، ولولا الإمدادات الأمريكية لما استمرت فى الحرب، حتى أنها سرحت خمسة لواءات، بعد الشهر الثالث من الحرب، ليعودوا للحياة المدنية.

أما النقطة الرابعة، فكانت فى اعتمادإسرائيل على استراتيجية نقل الحرب لأرض الخصم، أما اليوم، فقد دوت صفارات الإنذار فى كل المدن الإسرائيلية، وتوقفت رحلات الطيران فى مطار بن جوريون، وتم تهجير سكان المستعمرات السبع، فى غلاف غزة، وسكان المستعمرات الشمالية، لتتذوق إسرائيل طعم الحرب، لأول مرة، داخل أراضيها. أما النقطة الخامسة، أن إسرائيل عاشت أكذوبة جيشها الذى لا يقهر، فإذا بها تُمنى بخسائر من الضباط والجنود، فضلاً عن فشل القوات فى تحقيق أهدافها،على مدى ثلاثة أشهر، لذا سيتعين على الجيش الإسرائيلى تغيير أساليبه القتالية، متخلياًعن غروره، وظنه بأن التكنولوجيا المتطورة، المحتمى وراءها، هى سبب انتصاره.

أما سادس النقاط التى كشفتها الحرب فى غزة، فهى ضعف الروح المعنوية بين صفوف الجيش الإسرائيلى، والتى تمثلت فى رفض الجنود المصابين، لزيارة رئيس الوزراء، نيتانياهو، لهم بالمستشفيات، وتجلت أكبر صور انخفاض الروح المعنوية، فى احتفال جنود وضباط لواء الجولانى، أو «لواء النخبة» فى الجيش الإسرائيلى، وهم يرقصون فرحاً عند مغادرة ميدان القتال، فى حى الشجاعية، عائدون للخلف، بعدما تكبد لواؤهم العسكرى خسائر كبيرة فى الأرواح والمعدات.

وما يؤكد كلامى هو تشكيل لجنة، قبل انتهاء الحرب، بتوجيه من وزارة الدفاع الإسرائيلية، للتحقيق فى أسباب القصور فى تلك الحرب، منذ 7 أكتوبر 2023، حيث صدر قرار تشكيل اللجنة برئاسة وزير الأمن ورئيس أركان الجيش الإسرائيلى السابق شاؤول موفاز، وعضوية الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية زئيفى فركش، والقائد السابق لقيادة الجيش الجنوبية سامى ترجمان، للوقوف على أوجه القصور، وتحديد المسئوليةعنها، وعلى رأسهم نيتانياهو، وقادة المؤسسات الاستخباراتية الإسرائيلية الثلاثة.

وكأن حرب غزة 2023 قد جاءت لتثبت للعالم كله حقيقة ضعف الجيش الإسرائيلى، واعتماده على آلة الحرب الأمريكية، وهو ما يتوقع معه أن يبذل هذا الجيش الكثير من الجهد، فى السنوات القادمة، لرفع مستواه، بعد اعتبار ما ألم به هزيمة نكراء، باعتباره جيشا نظاميا، يواجه فصائل مقاومة، ذات إمكانات عسكرية متواضعة، لكنها تتمتع بروح قتالية عالية، لإيمانها بالحق فى استرداد الأرض.



Email: sfarag.media@outlook.com