العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

واليوم ونحن على بُعد أيام من بدء الشهر الرابع للقتال، فإن إسرائيل لم تنجح فى تحقيق أى من تلك الأهداف التى حددتها.

العالم إلى أين فى عام 2024؟ «حرب غزة»

 

لواء د. سمير فرج

 4 يناير 2024


استعرضت فى مقالى، فى الأسبوع الماضى، موقف الحرب الروسية الأوكرانية، التى أوشكت أن تبدأ عامها الثالث، بعد بضعة أيام، موضحا تأثيرها على مختلف دول العالم، وذلك ضمن سلسلة من المقالات، سأتناول فيها ما يمر بالعالم من أحداث، بدأت من قبل، مع استقراء لتوقعاتها خلال عام 2024.

لمقال اليوم، قررت تناول الوضع فى غزة، الذى تغير، عما كان عليه، بعد الهجوم الذى شنته حركة حماس، على قوات الاحتلال الإسرائيلى، يوم 7 أكتوبر 2023. إذ لم يتوقع أحد، حينئذ، أن تدوم تلك الحرب لأكثر من أسابيع قليلة، كما لم يتوقع أحد، أن تبلى المقاومة الفلسطينية ذلك البلاء العسكرى المتميز، الذى تابعناه، حيث نجحت حركة حماس، فى الأيام الأولى من الحرب، فى الاستيلاء على ثلاث مستوطنات، وأسر نحو 250 رهينة من المدنيين الإسرائيليين، فضلاً عن أسر عدد من قوات الجيش الإسرائيلي. ونجحت حماس كذلك، فى تخطى منظومة القبة الحديدية والسور الحديدى، ووصلت صواريخها إلى العاصمة الإسرائيلية، تل أبيب، ومطار بن جوريون، الذى توقفت فيه الملاحة الجوية عدة أيام.

وكما أعلنت إسرائيل، فإن حربها على غزة، تستهدف تحقيق ثلاثة أهداف، واليوم ونحن على بُعد أيام من بدء الشهر الرابع للقتال، فإن إسرائيل لم تنجح فى تحقيق أى من تلك الأهداف التى حددتها، وكان أولها تحرير الرهائن بقوة السلاح، وثانيها القضاء على حماس، أما ثالث الأهداف المعلنة فكان احتلال غزة. ومن الواضح فشلها فى تحقيق الهدفين الثانى والثالث، بدليل استمرار الحرب حتى يومنا هذا، أما الهدف الأول، فلم يتحقق إلا جزئياً، ومن خلال هدنة، وصفقة لتبادل عدد من الرهائن، مقابل إطلاق سراح فلسطينيين فى السجون الإسرائيلية.

والحقيقة أن تلك الحرب قد كشفت معاناة القوات الإسرائيلية، خاصة فى حرب المدن، التى تعتبر أسوأ وأصعب أنواع الحروب، مع وجود الأنفاق التى أعدتها حماس خلال الأعوام السابقة، بأطوال تصل إلى 500 كيلومتر، شكلت عائقاً أمام القوات الإسرائيلية، وكبدتها أكبر خسائر بشرية فى تاريخ حروبها. كما أثبتت الحرب ضعف عناصر الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة؛ الموساد والشاباك والمخابرات الحربية، التى فشلت، جميعها، فى الحصول على معلومات عن شبكة الأنفاق، أو توقيت هجوم حماس، أو معلومات عن شراء حماس للطائرات الشراعية، التى هاجمت بها المستوطنات، ولا عن التدريبات التى تمت قبل الهجوم يوم 7 أكتوبر الماضى.

وأمام كل ذلك، فمن المتوقع، والمنتظر، بعد نهاية الحرب، أن يستدعى رئيس أركان الجيش الإسرائيلى، وقادة الاستخبارات الإسرائيلية الثلاثة، للمساءلة، والتحقيق، الذى سيؤدى لعزلهم جميعاً، فضلاً عما سيواجه بنيامين نيتانياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلى، وحكومته، من محاسبة، عن التقصير فى تلك الحرب من ناحية، وعن قضايا الفساد التى تنتظره فى المحاكم الإسرائيلية المدنية، من ناحية أخرى.

ورغم تدمير إسرائيل لنحو 60% من مساكن قطاع غزة، علاوة على تدمير بنيتها الأساسية، سواء محطات الكهرباء، أو المدارس والمستشفيات، بدعوى وجود قيادات حماس فى تلك المناطق، فإنها فشلت فى القبض على أى منهم. كما فشلت القوات الإسرائيلية فى الاستيلاء على غزة، رغم الضغط على مواطنى شمال القطاع للنزوح جنوباً، باتجاه رفح، على أمل أن يتم نقلهم إلى سيناء. الأمر الذى رفضه، بوضوح، الرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى، وأيدته أمريكا، مثلما أيدته فى ضرورة حل المشكلة الفلسطينية من خلال حل الدولتين، وهو ما يرفضه نيتانياهو، لتبدأ سلسلة من المشكلات بين أمريكا وإسرائيل، منها رفض أمريكا سيطرة إسرائيل على قطاع غزة بعد انتهاء العملية.

والحقيقة أن تلك الحرب، قد كشفت وحشية الاحتلال الإسرائيلى، ومعاناة الشعب الفلسطينى، على مدى عقود طويلة، فانطلقت المظاهرات، فى كل مدن العالم، تعاطفاً مع أهالى غزة، وتصدرت القضية الفلسطينية المشهد، خاصة مع تعنت القوات الإسرائيلية فى دخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، مما دفع جهات عدة للعمل على سرعة إنهاء الحرب، خاصة أن أمريكا ستخوض معركة الانتخابات الرئاسية، بدءاً من الشهر الحالى، فى ظل فقدان جو بايدن الكثير من شعبيته، بسبب دعمه، غير المشروط، لإسرائيل، فيما اعتبرته شعوب العالم، دعماً للإبادة الجماعية، التى تشنها إسرائيل على فلسطين المحتلة، وهو ما يهدد فرص بايدن فى الفوز بكرسى الرئاسة الأمريكية.

واتسعت دائرة الحرب، عند قيام الحوثيين، فى اليمن، بإغلاق باب المندب، واعتراض واستهداف السفن الإسرائيلية، أو المتجهة إلى إسرائيل، مما اضطر الخطوط الملاحية، أياً كانت وجهتها، إما لتعليق رحلاتها، أو تغيير مسارها من خلال طريق رأس الرجاء الصالح، وهو ما من شأنه اضطراب سلاسل الإمداد العالمية، بسبب ارتفاع تكلفة الشحن وبالتالى أسعار المنتجات، مما اضطر الولايات المتحدة لتكوين تحالف، يضم 20 دولة، للتصدى للحوثيين فى باب المندب، وكذلك لتأمين الملاحة فى البحر المتوسط ومضيق جبل طارق.

وأكدت الحرب مكانة مصر، وقوتها المؤثرة، فى المنطقة العربية والشرق الأوسط، بإدارتها الحكيمة، وقراراتها الحاسمة، ومبادراتها المتزنة، لجمع شمل الفرقاء والوصول إلى وقف الحرب، من خلال هدنة دائمة، على أساس تبادل أسرى الحرب، مقابل السجناء الفلسطينيين فى السجون الإسرائيلية، مع إعادة حكم قطاع غزة للسلطة الفلسطينية فى رام الله، وهو ما تتفق معه الإدارة الأمريكية، التى تدعو لتوحيد الحكم الفلسطينى، وإجراء استفتاء فى غزة ورام الله. وإلى لقاء فى الأسبوع المقبل، نناقش فيه الوضع فى ليبيا والسودان، واتجاهاتهما فى عام 2024.



Email: sfarag.media@outlook.com