العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وأمام تلك التصاعدات المتلاحقة، لا أرى طريقا آخر لحل الأزمة، سوى بقبول روسيا وأوكرانيا اللجوء للحل السياسى.

العالم إلى أين فى عام 2024؟ - روسيا
 

لواء د. سمير فرج

 28 ديسمبر 2023


أيام قليلة، وخطوات قصيرة، تفصلنا عن عام 2024، وسط تضرعات الجميع، فى مختلف بقاع الأرض، بأن يكون عام خير ورخاء، ووسط ترقبهم لما ستسفر عنه أيام ذلك العام الجديد، وإلى أين ستقودنا مجرياته، وعما إن كانت أحداث 2023 ستستمر فيه، بعدما نالت منا الكثير. والحقيقة أننى مازلت مؤمنا، بما سبق أن سطرته فى مثل هذا المكان، فى مطلع عام 2022، وتحديدا عند اندلاع الحرب بين روسيا أوكرانيا، عندما قلت إننا نعيش، الآن، زمن الأوانى المستطرقة، بمعنى أن أى حدث، أيا كان موقعه على الكرة الأرضية، تنعكس آثاره على باقى دول العالم، بصرف النظر عن اتجاهاتها وأيديولوجيتها السياسية، أوقوتها العسكرية.

واليوم اسمحوا لى بأن أبدأ سلسلة من المقالات المبسطة، لنتعرف على مناطق الحروب، أو الأحداث الساخنة، التى يمر بها العالم،حاليا، وتأثير كل منها سواء علينا، أو على باقى دول العالم، والتى سأبدأها أولا بالحرب الروسية الأوكرانية، تليها أحداث حرب غزة بين حماس وإسرائيل، ثم صراع التنين النائم، وأقصد به تحركات الصين لاسترداد تايوان من ناحية، ومن ناحية أخرى تلك المعركة الاقتصادية المستمرة بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، بما فيها الأزمة الناجمة عن العقوبات الاقتصادية التى فرضتها عليها الولايات المتحدة الأمريكية، وتأثير ذلك على اتجاهات الاقتصاد العالمى.

ومع الأسف، فإن الأمر لا يقتصر على تلك الحروب والأزمات، فحسب، لذا سنتناول، معا، تصاعد مجريات الأحداث فى ليبيا، فضلا عن أزمة السودان التى وصلت إلى نفق مظلم وطريق مسدود. على أن يلى ذلك الانقلابات التى شهدها العديد من الدول الإفريقية، مؤخرا، ثم المشكلة الإيرانية ومحاولاتها الحثيثة لامتلاك السلاح النووى، تلك المشكلة التى قد يبدو، للبعض، أنها دخلت ثلاجة الأحداث، إلا أنها، فى الحقيقة، مازالت تسيطر على مجريات الأمور فى الشرق الأوسط.

وأخيرا، وليس آخرا، سأستعرض، مع حضراتكم، نبذة عن الصراع الخفى، حول الغاز والبترول، فى منطقة الشرق الأوسط، والذى لا أظنه سيظل خفيا لمدد طويلة، وإنما قد يتحول إلى صراع حقيقى، فى المستقبل القريب، خاصة بعدما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، أنها تمتلك دراسات وأبحاثا، تفيد بأن احتياطى النفط، فى منطقة الخليج، سينضب فى غضون الخمسة عشر عاما المقبلة، على عكس احتياطى الغاز فى المتوسط، والمتوقع تدفقه لنحو خمسين عاما تالية. كل هذه الحروب والصراعات سوف أتناولها فى كتاباتى، خلال الأسابيع المقبلة، داعيا المولى ألا يزيد عددها فى ذلك الوقت.

ولنبدأ بالحرب الروسية الأوكرانية التى بدأت فى 22 فبراير من عام 2022، عندما رفضت روسيا انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، لما فى ذلك من تهديد لأمن روسيا القومى، باعتبار أوكرانيا دولة حدودية، وعلى أثر ذلك، شنت هجوما عسكريا، نجحت من خلاله فى السيطرة على 20% من الأراضى الأوكرانية، وأعلنتها كأربع مقاطعات مستقلة، وهى لوجانسك ودنيتسك وزابوريجيا وخيرسون، لتجرى، بعد ذلك، استفتاء شعبيا، قامت بمقتضى نتائجه، بضم تلك المقاطعات الأربعة إلى روسيا.

وخلال تلك الحرب، التى أوشكت أن تتم عامها الثانى، قامت الولايات المتحدة الأمريكية، ومعها كل دول حلف الناتو، ودول الاتحاد الأوروبى، بمساعدة أوكرانيا عسكريا واقتصاديا، إلا أن الدعم العسكرى اقتصر على الأسلحة الدفاعية، وليس الهجومية، حيث كان هدف أمريكا، إطالة زمن القتال،فى تلك الحرب، لإنهاك روسيا اقتصاديا وعسكريا.فلو كانت أمريكا تستهدف نصرة أوكرانيا، فى حربها مع روسيا، وتمكينها من استعادة أراضيها، لأمدتها بالأسلحة الهجومية اللازمة لتنفيذ تلك الخطة النوعية، لذا جاءت النتيجة الحتمية، بفشل الهجوم المضاد الأوكرانى، فى الربيع الماضى، واستكمال روسيا عملياتها الدفاعية عن الأراضى التى ضمتها إليها، وفى المقابل بدأ الدعم الأمريكى والأوروبى، إلى أوكرانيا، فى التراجع.

ورغم اقتصار العمليات العسكرية على الدولتين الأوروبيتين؛ روسيا وأوكرانيا، بما يمكن وصفها بأنها حرب إقليمية،إلا أنها تعتبر حربا عالمية من حيث التأثير، إذ تأثرت مختلف دول العالم سلبيا، جراء تلك الحرب، فى ظل كون الدولتين أكبر منتج، ومُصدر، للغلال أو الحبوب، خاصة القمح والذرة، على مستوى العالم، مما أدى إلى اضطراب سلاسل الإمداد العالمية من الحبوب، وارتفعت أسعارها لمعدلات غير مسبوقة، بالإضافة إلى كون روسيا أكبر مُصدر للغاز إلى أوروبا، والتى شهدناها تسعى لتغطية نقص إمدادات الطاقة إليها، بعدما قررت روسيا إجراء صيانة لخط الغاز الرئيسى الواصل إلى أوروبا.

وأمام تلك التصاعدات المتلاحقة، لا أرى طريقا آخر لحل الأزمة، سوى بقبول روسيا وأوكرانيا اللجوء للحل السياسى، والجلوس على مائدة المفاوضات، والتى سيكون لروسيا فيها اليد العليا، اعتمادا على أوضاع قواتها على الأرض. وأظن أنه سيتم الوصول إلى حل سياسى، يتم بمقتضاه اعتراف أوكرانيا بحق روسيا فى شبه جزيرة القرم، وتعهدها بعدم الانضمام إلى حلف الناتو،بالإضافة إلى تعهدها بعدم امتلاك سلاح نووى، وفى المقابل ستسمح لها روسيا بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، على أن تقدم روسيا تعهدا للأمم المتحدة بعدم تكرار الهجوم على أوكرانيا، مرة أخرى.

ورغم أن تلك النهاية، لن ترضى الولايات المتحدة الأمريكية ودول حلف الناتو، فإننى أظن أن توقيع معاهدة سلام، بين روسيا وأوكرانيا، لن يشمل شروطا إضافية، على الأقل من جانب الأخيرة. مع توقعاتى بأن تقوم الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبى بصياغة مشروع، يشبه مشروع مارشال لإعادة إعمار أوكرانيا، فور توقف القتال، لتنتهى الحرب الروسية الأوكرانية، فى العام الجديد، لمصلحة روسيا.

وإلى لقاء فى الأسبوع المقبل نتناول فيه مجريات حرب غزة.



Email: sfarag.media@outlook.com