العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وخلال زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ويليام بيرنز إلى مصر، للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، عرض عليه مدير الوكالة سيناريو جديد، وهو أن تتولى مصر إدارة قطاع غزة.

وماذا بعد حرب غزة؟
 

لواء د. سمير فرج

 16 نوفمبر 2023


مازالت رائحة البارود، وسحب الدخان، وقذائف الطائرات، والمدفعية، تغطى قطاع غزة، ومازالت إسرائيل تحصد أرواح الآلاف من المدنيين؛ أطفالاً ونساءً وشيوخاً ورجالاً، من أبناء الشعب الفلسطينى، يومياً، ومازالت إسرائيل تدمر أحياء غزة، وشوارعها، وبنيتها الأساسية، الواحدة تلو الأخرى، بدعوى البحث عن رجال حماس، ومازالت إسرائيل تحرم أبناء الشعب الفلسطينى من أبسط حقوقهم فى الحصول على المساعدات الإنسانية من الماء والطعام والدواء، ومازالت إسرائيل تتمادى فى عدوانها الغاشم بقصف المستشفيات ودور العبادة ومخيمات اللاجئين التى فر إليها الأبرياء احتماءً بالقانون الدولى، الذى يصنف تلك الأفعال ضمن جرائم الحرب.

ورغم تلك المأساة، وبدلاً من الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار، فوراً، علت بعض الأصوات داعية للتفكير فيما بعد انتهاء الحرب فى غزة؟ ويبدو أنها لم تكن دعوة حقيقية للتفكير، بقدر ما كانت مدخلاً لطرح عدد من البدائل والسيناريوهات، التى وضعها أطراف مختلفة؛ انطوى السيناريو الأول على اقتراح تولى مصر الإشراف على قطاع غزة، مثلما كان متبعا منذ حرب عام 48 وحتى بعد حرب يونيو 67. وبالطبع، رفضت مصر والسلطة الفلسطينية وباقى الدول العربية هذا السيناريو رفضاً باتاً.

فطُرح السيناريو الثانى بعودة السيطرة على قطاع غزة للسلطة الفلسطينية، كما كان فى السابق، قبل تولى حماس زمام الأمور بها، وهو السيناريو الذى لاقى قبولاً لدى السلطة الفلسطينية والدول العربية، إلا أن إسرائيل رفضته بدعوى عدم وجود ضمانات لعدم ظهور فصيل جديد ليكرر ما قامت به حماس، من قبل، بالاستيلاء على قطاع غزة.

فلحقنا السيناريو الثالث بوضع قطاع غزة تحت إدارة وسيطرة الأمم المتحدة، ووضع قوات أممية على حدوده لحمايته، فرفضت مصر، وباقى الدول العربية، ذلك السيناريو لما يحتويه من تفريغ للقضية الفلسطينية من مضمونها. فتم تعديله بالسيناريو الرابع الرامى لتكوين إدارة دولية تضم الولايات المتحدة، وعددا من دول حلف الناتو، وبعض الدول العربية، من بينها مصر، للقيام بإدارة قطاع غزة، فرفضت مصر والدول العربية هذا السيناريو لنفس الأسباب.

وخلال زيارة مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (CIA)، ويليام بيرنز إلى مصر، للقاء الرئيس عبدالفتاح السيسى، عرض عليه مدير الوكالة سيناريو جديد، وهو أن تتولى مصر إدارة قطاع غزة، بصورة مؤقتة، بعد انتهاء الحرب، مباشرة، للسيطرة على أوضاعها، لحين هدوء واستقرار الأوضاع فى القطاع، على أن تعتبر تلك فترة انتقالية يتم الاتفاق على مدتها، يتم بعدها تسليم القطاع للسلطة الفلسطينية، على أن تتكفل الولايات المتحدة مصر بالدعم الفنى والمالى والمعدات العسكرية، اللازمة لإعادة تنظيم القطاع، معرباً عن استعداد بلاده للمساهمة فى استصدار قرار من الأمم المتحدة، لتفعيل وتنظيم ذلك المقترح.

وقد رفضت مصر هذا السيناريو، وهو ما اتضح من الرد القاطع للرئيس عبدالفتاح السيسى، بأن المقترح يعنى مصادرة حق الفلسطينيين فى إدارة بلادهم، فضلاً عن تفريغه القضية الفلسطينية من مضمونها ومفهومها، مؤكداً رفض مصر الاشتراك فى أى قوة دولية للسيطرة على القطاع، أوخروج أى جندى خارج الأراضى المصرية، للتدخل فى شأن دولة أخرى. كما أن مصر ترفض، تماماً محاولات التهجير القسرى لأبناء فلسطين، سواء من غزة إلى مصر، أو من الضفة الغربية للأردن، لأن كيان أى دولة أساسه شعب ثم وطن ثم إدارة، مؤكداً أن حدود مصر خط أحمر، غير مسموح، لأى جهة، بتجاوزه.

ورغم ما عرضه مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية من إغراءات، فإن الرئيس السيسى كان واضحاً وقاطعاً وحاسماً، فى رده. وخلال استكماله جولته فى منطقة الشرق الأوسط، للحصول على تأييد للمقترح الأمريكى الجديد، سمع ويليام بيرنز نفس وجهة النظر المصرية من قطر. وعلى أى حال فإن موضوع تهجير الفلسطينيين، قسراً، من قطاع غزة إلى مصر، كان قد حُسم فى أثناء زيارة وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، لمنطقة الشرق الأوسط، مؤخراً، ولقائه الرئيس السيسى فى مصر، إذ كتب، بعد اللقاء، على حسابه الرسمى على منصة التواصل الاجتماعى تويتر، أو إكس، أن الولايات المتحدة الأمريكية، تتفق مع عدم التهجير القسرى للفلسطينيين من غزة إلى مصر.

ورغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلى، بنيامين نيتانياهو، منذ اندلاع الحرب فى غزة، بإقناع الدول الغربية، خاصة رؤساء دول حلف الناتو، بجدوى ذلك المقترح، إلا أن أحلامه تحطمت أمام الإصرار المصرى على عدم الانصياع للمحاولات الرامية لتوطين الفلسطينيين فى سيناء، بما يمكننا من تأكيد إغلاق الأمر برمته، وعدم طرحه مرة أخرى، مع تأكيد إبقاء حكم غزة تحت إدارة فلسطينية، والعودة إلى حل الدولتين، الذى تمتد فيه الدولة الفلسطينية لحدود يونيو 67، وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الحل الممكن فى ظل إدارة الرئيس الأمريكى الحالى، جو بايدن، المنتمى للحزب الديمقراطى، المؤيد لحل الدولتين، على عكس الرئيس السابق، ومرشح الحزب الجمهورى الحالى، دونالد ترامب، الذى لا يؤمن بحل الدولتين، ويؤمن بفكرة الدولة الواحدة، التى يعيش فيها اليهود والمسلمون والمسيحيون على أرض واحدة، وهى أرض إسرائيل الكبرى.

وفى كل الأحوال، فجميعنا يترقب وقفاً، عاجلاً، لإطلاق النار، حقناً لدماء الأبرياء، وانتهاءً لتلك الحرب الغاشمة، حتى يعود السلام للمنطقة، فى إطار دولة فلسطينية، ذات سيادة كاملة، وعاصمتها القدس الشرقية.



Email: sfarag.media@outlook.com