العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وهنا وجد الدب الروسى نفسه فى موقف صعب، فبدأ التحرك من خلال محورين؛ أولهما التقارب مع العدو الأول، حالياً، للولايات المتحدة، وهى الصين، وثانيهما العدو اللدود كوريا الشمالية، بطموحها النووي.

هل تُغير الحرب الأوكرانية شكل التحالف الدولى؟
 

لواء د. سمير فرج

 14 سبتمبر 2023


كانت سياسة واستراتيجية الرئيس الأمريكى السابق دونالد ترامب، خلال فترة حكمه، ترى أن حلف شمال الأطلسى، أو حلف الناتو، لم يعد قادراً على تحقيق الأهداف التى أنشئ لأجلها، خاصة أن معظم أعضائه لم يلتزموا بتنفيذ الاتفاقيات العسكرية، أوتنفيذ تعهداتهم، وأهمها سداد المقررات المالية المطلوبة منهم. ولم يقتصر الأمر على ترامب، بل ساد نفس الانطباع بين عدد من دول الحلف، حتى إن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون صرح بأن الحلف يمر بمرحلة الموت السريرى، بل وذهب لأبعد من ذلك، بدعوته لإنشاء جيش أوروبى موحد، وبدا للجميع أن نهاية حلف الناتو صارت وشيكة.

إلا أن رحيل الرئيس ترامب، وتولى الرئيس جو بايدن، فرضت وجهات مختلفة، نتيجة لتغير الاستراتيجيات، منها ضرورة تعزيز قدرات حلف الناتو، للتصدى لطموحات الدب الروسى. وهو التوجه الذى أيده الحدث الجلل، المتمثل فى الحرب الروسية الأوكرانية، التى اندلعت يوم 24 فبراير 2022، إذ أفاق أعضاء الحلف على الخطر الروسى، وشرعوا فى إعادة حساباتهم نحو تقوية حلف شمال الأطلسي. قاد ذلك التوجه الجديد، الرئيس الأمريكى، بايدن، وبدأت بعض الدول غير النووية، وعلى رأسها ألمانيا، بتقوية قوتها العسكرية، حتى وصل الأمر لزيادة إنفاقها العسكرى،لهذا العام بمقدار 100مليار دولار. وبدأت اجتماعات حلف شمال الأطلسى تسير نحو تقوية وزيادة قواتها العسكرية وزيادة الإنفاق العسكرى، خاصة مع انضمام كل من فنلندا والسويد، ليرتفع عدد أعضاء الحلف إلى 31 عضواً. بل واتجه الحلف إلى تضييق الخناق على روسيا من ناحية القطب الشمالى، الذى أصبح، إلى حد كبير، تحت سيطرة حلف الناتو.

وهنا وجد الدب الروسى نفسه فى موقف صعب، فبدأ التحرك من خلال محورين؛ أولهما التقارب مع العدو الأول، حالياً، للولايات المتحدة، وهى الصين، وثانيهما العدو اللدود كوريا الشمالية، بطموحها النووي. وقد ساعد روسيا الاستفزازات الأمريكية، العديدة،تجاه الصين، بدعم تايوان اقتصادياً وعسكرياً وسياسياً، والتى كان منها زيارة نانسى بيلوسى، الرئيس السابق لمجلس النواب الأمريكى إلى تايوان، وزيارة العديد من المسئولين الأمريكيين لتايوان، محققين قفزة سريعة فى التقارب الأمريكى التايوانى، وما تلاه من زيارة رئيسة تايوان للولايات المتحدة، علاوة على العقوبات الاقتصادية، التى فرضتها الولايات المتحدة على العديد من الشركات الصينية، بهدف إضعاف اقتصاد الصين.

ورغم كل تلك الاستفزازات، فإن الصين استقبلتها ببرود كبير، ولم تُقدم على أى عمل إيجابى ضد أمريكا، اللهم إلا من بعض التحركات والمناورات العسكرية،فى بحر الصين، وإطلاق تجارب الصواريخ الباليستية، يقيناً منها بأن أمريكا تستهدف دفعها لعمل عسكرى، من شأنه تعطيل مسيرتها فى النمو والتقدم الاقتصادى، فلم تنجرف لأى استفزازات لتستكمل مسيرتها الاقتصادية، خاصة أن مشروع الحزام والطريق سينتهى العمل به، خلال العام الحالى، وتتوقع الصين البدء فى جنى ثماره اعتباراً من العام المقبل.

ورغم تحذيرات الولايات المتحدة للصين بعدم دعم روسيا بالأسلحة والمعدات التكميلية والذخائر فى الحرب الدائرة مع أوكرانيا، وهو ما قد يبدو للبعض انصياع الصين له، إلا أن آخرين يرون أن الصين تدعم روسيا، حالياً، فى اتجاهات أخرى أكثر قوة، مدللين على ذلك بالزيارات الرسمية المتبادلة بين البلدين، فضلاً عن التقارب بين القوات العسكرية الروسية والصينية فى منطقة بحر الصين، لتكون أبلغ رد على الولايات المتحدة، التى بدأت فى التفكير فى إنشاء «الناتو الآسيوي»فى تلك المنطقة، يمثله الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، بهدف محاصرة الصين سياسياً واقتصادياً وعسكرياً.

كان الرئيس الأمريكى، ورئيس كوريا الجنوبية، ورئيس الوزراء اليابانى، قد عقدوا اجتماعاً لبحث وضع أسلحة استراتيجية قرب حدود الصين، اعتماداً على وجود قواعد عسكرية أمريكية بكل من اليابان وكوريا الجنوبية، وهو الأمر الذى أعلنت الصين اعتباره إعلان حرب عليها، حال حدوثه. ورغم عدم نجاح ذلك الاجتماع فى الوصول إلى أى صيغة لتأسيس ذلك الناتو الآسيوى الجديد، فإن الصين لم تقف مكتوفة اليدين، بل تحركت، فوراً، فى الاتجاه المضاد، بالتقارب مع كل من روسيا وكوريا الشمالية، للتصدى للتحركات الأمريكية حولها، الأمر الذى وجدته روسيا فرصة سانحة لعقد تحالفات جديدة.

ورغم ما أدت إليه تلك الحرب الروسية الأوكرانية، من إعادة توحيد الصف، بين الدول الأعضاء فى حلف شمال الأطلسى، وراء التوجه بتعزيز قدرات قوات الحلف، ورفع كفاءتها، خاصة فى أوروبا، فإنها، وعلى الطرف الآخر، دفعت قوى مختلفة لإعلان تقاربها، وإن لم تصل، بعد،إلى مرتبة تشكيل حلف عسكرى، مثلما هو الحال بين الصين وروسيا وكوريا الشمالية، بما من شأنه تغيير موازين القوى فى العالم، خاصة أن تلك الدول الثلاث تملك قوة نووية، تزيد من قدراتها وأهميتها الاستراتيجية، فى حال ترجمة ذلك التقارب إلى كيان رسمي. وعليه فإن الولايات المتحدة تكرس مساعيها، حالياً، فى الحيلولة دون وصول ذلك التقارب لمرحلة التحالف، وإلا عاد العالم، مرة أخرى، إلى عهد الحرب الباردة، بين القوتين الأعظم، التى سيمثل طرفيها، فى هذه المرة، الولايات المتحدة ودول حلف الناتو من ناحية، مقابل الصين وروسيا وكوريا الشمالية من ناحية أخرى، كنتيجة للحرب الروسية الأوكرانية، التى يأمل شعوب العالم، أن تنتهى بسلام، تفادياً للدخول فى حرب باردة جديدة، بين تلك المحاور التى ستفرزها هذه الحرب.



Email: sfarag.media@outlook.com