العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

أما ثانى الرابحين فهم أصحاب الصناعات العسكرية، الذين ازدهرت أعمالهم، نتيجة الاشتباكات على أرض المعركة.

الرابح والخاسر فى الحرب الأوكرانية
 

لواء د. سمير فرج

 27 يوليو 2023


مضت أكثر من 500 ليلة منذ بدء الحرب الروسية - الأوكرانية، التى طال لهيبها كل دول العالم، بما جعل مؤيديها ومعارضيها، على حد السواء، يتطلعون لوقفها، والحد من آثارها السلبية، وهو ما دفعنى لتحليل نتائجها على الأرض، حتى يومنا هذا، بمقاييس الربح والخسارة، علماً بأن الرابح والخاسر يتعدى الأطراف المباشرين للحرب، وهما روسيا وأوكرانيا فى هذه الحالة، وإنما تشمل كل طائفة أطرافا عدة، حققت أرباحاً أو خسائر غير مباشرة.

واعتماداً على تلك المعطيات، تكون الولايات المتحدة الأمريكية أول الرابحين من تلك الحرب بما تحقق لها من تكبيد روسيا، عدوها التاريخى، خسائر هائلة، سواء بإنهاكها عسكرياً، باستنزاف ترسانتها من الأسلحة والمعدات الحربية، أو بإضعافها اقتصاديا، بما يجعل روسيا غير قادرة على استكمال مسيرة النمو والتنمية. وقد يتشكك البعض فى حقيقة إضعاف الاقتصاد الروسى، بينما الروبل، مازال محتفظاً بقوته، والحقيقة أنه رغم كون قوة العملة أحد مقاييس قوة الاقتصاد، فإنها ليست المؤشر الرئيسى، خاصة عندما تكون قوة الروبل مدعومة بقرار حظر تصدير الغاز الروسى إلا باستخدام الروبل، وهو ما خلق طلبا على العملة، أكسبها قوة لم تنعكس إيجابيا على المؤشرات المالية والاقتصادية للدولة، والدليل على ذلك أنه منذ اندلاع الحرب فى فبراير من عام 2022، لم تستثمر الحكومة الروسية فى أى مشروعات تعليمية، أو صحية، أو مشروعات بنية أساسية، وإنما وجهت اقتصادها لخدمة الحرب.

أما ثانى الرابحين فهم أصحاب الصناعات العسكرية، الذين ازدهرت أعمالهم، نتيجة الاشتباكات على أرض المعركة، والتى أظهرت مواطن القوة فى بعض الأسلحة، بما خلق طلبا إضافيا عليها، أو أظهرت أوجه القصور فى البعض الآخر، بما أفسح المجال لتطويره، ولعل من أمثلة ذلك عند نجاح روسيا فى إصابة بطارية الباتريوت الأمريكية، على أرض كييف، أن هبطت، فى صباح اليوم التالى، طائرة سى 120 أمريكية، على متنها 70 فردا، يتبع 20 منهم مراكز الأبحاث، و50 من مصنع إنتاج البطارية الباتريوت، لتحديد أوجه الضعف بها، وبدء العمل على تلافيها. وهو ما سيتكرر، حتماً، مع كل الأسلحة التى اُختبرت فى تلك الحرب، سواء الأمريكية، أو الروسية، أو الأوروبية، وحتى الطائرات المسيرة الإيرانية والتركية.ودون اجتهاد فى البحث، فإن ثالث الرابحين، هى الدول النفطية، التى يشهد إنتاجها، من النفط والغاز، فى مثل تلك الظروف، طفرة رهيبة فى الأسعار، نتيجة زيادة الطلب عليه، لتأمين احتياجات الطاقة فى الدول الاستهلاكية التى تعانى نقص الموارد الطبيعية فى هذا القطاع الحيوى. وإذا ما انتقلنا للكفة المقابلة، فإن أوكرانيا، ولا شك، أعظم الخاسرين فى تلك الحرب، بداية من خسائرها السيادية، بسيطرة روسيا على معظم إقليم دونباس، الذى يمثل نحو 20% من الأراضى الأوكرانية، بالإضافة لما أصاب معظم بنيتها الأساسية من دمار، فضلاً عن تدمير قواتها العسكرية؛ الجوية والدفاع الجوى ومعظم أسلحتها، واضطرارها للاعتماد على الأسلحة التى تصلها من الولايات المتحدة، ودول الناتو.يضاف لذلك الخسائر الناجمة عن عدم قدرتها على تصدير القمح، فى ظل الحرب الجارية، وهو أهم سلعها التصديرية، وركيزة اقتصادها، والذى لم يعتد مزارعوه على تخزينه، أمام زيادة الطلب العالمى عليه.

ورغم ما حققته روسيا من مكتسبات على الأرض، فإن ذلك لا ينفى كونها أحد الخاسرين، بما تحملته موازنتها من أعباء طائلة، لتمويل تلك الحرب، ومثلها فى ذلك دول حلف الناتو، الذين تتحمل موازناتهم بنفقات إضافية لدعم أوكرانيا عسكريا واقتصاديا، وهو ما اضطر حكومات تلك الدول إلى تقليص إنفاقها العام على مشروعاتها التنموية، مما أثار شعوبها، المطالبين بوقف الدعم لأوكرانيا، باعتبارهم الأولى بالانتفاع من حصيلة ضرائبهم، خاصة فى ظل موجة التضخم التى يشهدها العالم، والتى أدت إلى ارتفاعات مضطردة، ومتتالية، فى أسعار كل السلع، فضلاً عن أن اصطفاف دولهم وراء أوكرانيا، أكسبهم عداوة روسيا، التى قطعت عنهم صادراتها من الغاز الطبيعى، وهو ما تعتمد عليه أوروبا كمصدر رئيسى لاحتياجاتها من الطاقة. وتعد ألمانيا أكبر الخاسرين، بين دول حلف الناتو، فبالإضافة لتأثرها بنقص إمدادات الغاز، فقد نبهتها الحرب الجارية، للتهديد العسكرى الروسى، مما أصابها بالخوف من احتمالات الهجوم عليها، مما دفعها لتعزيز قدراتها العسكرية التقليدية، فى ظل عدم امتلاكها لسلاحا نوويا، وذلك بمضاعفة ميزانيتها الدفاعية من 50 مليار يورو فى العام الماضى، إلى 100 مليار يورو فى العام الحالى، لشراء أسلحة ومعدات عسكرية جديدة، وتطوير الصناعات الحربية الألمانية، وهو ما سيقلص من الإنفاق العام على شتى المجالات التنموية كالتعليم والصحة والبنية الأساسية، وغيره. كما خسر فى تلك الحرب دول العالم الثالث، نتيجة لارتفاع أسعار النفط والغاز، والارتفاع القياسى فى أسعار الحبوب والغلال، كالقمح والذرة، وارتفاع أسعار زيت الطعام، بل واضطراب سلسلة الإمداد العالمى، ونقص إمدادات السلع الضرورية، مصحوبة بموجة عالمية من التضخم، وارتفاع الأسعار، وزيادة معدلات البطالة، مع تقليص الإنفاق العام بكثير من الدول لصالح ميزانيات الدفاع لتوفير الأسلحة والمعدات، استعدادا لصد أى عدوان خارجى محتمل. كما ظهر ضعف منظمة الأمم المتحدة، فى وقف الحرب، أو فى تمديد العمل باتفاقية مرور الحبوب الأوكرانية عبر مضيق البسفور والدردنيل إلى باقى دول العالم. وأصبح العالم متعلقا بأمل الوصول لما كان عليه قبل 24 فبراير 2022، عن طريق اتفاقية سلام، عاجلا ليس آجلا.



Email: sfarag.media@outlook.com