العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وفور بدء ضربات المقاومة الفلسطينية، قامت إسرائيل بإنذار سكان المستوطنات التى تمثل الغلاف الخارجى لقطاع غزة.

حرب غزة السادسة مايو 2023
 

لواء د. سمير فرج

 20 مايو 2023


انطلقت حرب غزة السادسة، يوم التاسع من مايو والتى أطلقت عليها إسرائيل عملية السهم الواقى، عندما بدأت من خلال مجموعة من الغارات الجوية بقوة 40 طائرة ضد مناطق متفرقة فى قطاع غزة، ولقد بدأت إسرائيل التخطيط المسبق لهذه العملية عندما زادت الاشتباكات مع بداية عام 2023 بين جيش الاحتلال والمقاومة الفلسطينية حماس والجهاد الإسلامى.

وزاد التوتر عقب اقتحام متطرفين إسرائيليين المسجد الأقصى بمدينة القدس فى إبريل. ومع بداية الهجوم قامت إسرائيل باستهداف وقتل 3 قادة بارزين من سرايا القدس من حركة الجهاد الإسلامى، هم جهاد شاكر الغنام وخليل صلاح وطارق بن عز الدين، ومعهم بالطبع عدد من أسرهم من النساء والأطفال، حيث ركز جيش الدفاع الإسرائيلى قذائفه على مدينة غزة وخان يونس، كما قامت إسرائيل فى نفس الوقت باقتحام بلدات فى الضفة الغربية.

وعلى الطرف الآخر قامت المقاومة الفلسطينية بالرد على إسرائيل بعملية مضادة أطلقت عليها اسم ثأر الأحرار، حيث قامت بتوجيه ضربات صاروخية بالقذائف والصواريخ ضد المستوطنات والمدن الإسرائيلية، وصلت حتى العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، ردا على الاغتيالات الإسرائيلية لقادة سرايا القدس.

وفور بدء ضربات المقاومة الفلسطينية، قامت إسرائيل بإنذار سكان المستوطنات التى تمثل الغلاف الخارجى لقطاع غزة، وطلبت منهم الدخول فى الملاجئ، كما أغلقت الطرق المحاذية للسياج الحدودى لقطاع غزة مع إيقاف حركة القطارات من عسقلان وسديروت، كذلك تم إعلان حالة التأهب فى مدن أشدود، وبئر سبع وعسقلان.

وجاء الرد من حركة الجهاد الإسلامى من خلال ذراعها العسكرية (سرايا القدس) بإطلاق عشرات من القذائف والصواريخ، صوب عدة بلدات منها سديروت وعسقلان ثم تل أبيب العاصمة. ولقد قامت إسرائيل باستخدام نظام القبة الحديدية لاعتراض الصواريخ الفلسطينية وفى تل أبيب سمعت أصوات الانفجارات نتيجة اعتراض صواريخ الدفاع الجوى الإسرائيلية لصواريخ المقاومة، وبالتالى أثار ذلك ذعر الإسرائيليين خاصة فى العاصمة الإسرائيلية.

حيث استخدمت إسرائيل لأول مرة منظومة دفاعية جديدة ضد الصواريخ الفلسطينية اسمها مقلاع داود المضادة للصواريخ البالستية، وهو نظام إسرائيلى حديث مصمم لإسقاط الصواريخ البالستية التى يتم إطلاقها من مسافة 100 إلى 200 كم. وتنتجها شركة رافائيل لأنظمة الدفاع الإسرائيلى المتطورة. وتبلغ تكلفة الصاروخ الواحد من منظومة مقلاع داود مليون دولار.

وقد لجأت إسرائيل لاستخدام هذا النظام لأول مرة فى هذه الحرب ضد صواريخ المقاومة الفلسطينية بعد عدم نجاح تجربة القبة الحديدية فى إيقاف صواريخ المقاومة، وخاصة وصولها إلى العاصمة تل أبيب، وكانت إسرائيل قد بدأت فى التفكير لإنتاج مثل هذا النوع من الصواريخ بسبب تهديدات الصواريخ البالستية الإيرانية التى تطال إسرائيل.

حيث سبق لإسرائيل أن استخدمت هذا النظام فى 2018 عندما أطلق منها صاروخان لاعتراض صواريخ أطلقت من سوريا ضد جنوب إسرائيل، ونجحت فى هذا التوقيت فى إسقاط هذين الصاروخين داخل الأراضى السورية.

ولاستكمال أعمال القتال، قامت إسرائيل بتصفية أحمد أبودقة وبهاء على غالى، المسؤولين عن نظام الصواريخ فى المقاومة الفلسطينية، وبذلك ارتفع عدد القادة من حركة الجهاد الذين تم اغتيالهم إلى خمسة وبعدها أصبحوا ستة، وطبقا للتقارير الإسرائيلية، فلقد نجح نظام القبة الحديدية فى اعتراض 95% من صواريخ المقاومة الفلسطينية، ولكنى أعتقد أن هذا الرقم مبالغ فيه، وطبقا لتقديرى الشخصى، فإن نجاح منظومة القبة الحديدية هذه المرة فى التصدى لصواريخ المقاومة لن يزيد على 75% فقط.

وقد أعلنت إسرائيل أن صاروخا من المقاومة أصاب مبنى سكنيا، فى رحوفوت جنوب تل أبيب أدى إلى مقتل رجل وإصابة خمسة إسرائيليين، ومع بداية هذه الحرب نحو قطاع غزة قامت إسرائيل بإغلاق كافة المعابر بين إسرائيل وقطاع غزة، وبذلك تقيدت حركة نقل البضائع ومنع دخول الفلسطينيين العاملين من قطاع غزة إلى إسرائيل.

كما منعت إسرائيل دخول مواد السولار التى يستغلها قطاع غزة فى أعمال الكهرباء، كذلك منعت إسرائيل سفن الصيد فى غزة من ممارسة أعمالها وبذلك تم حصار غزة اقتصاديا.

وبنظرة تحليلية لأحداث هذه الحرب، أعتقد أن منظومة القبة الحديدية لم تنجح حتى الآن فى التصدى بالكامل، لصواريخ المقاومة الفلسطينية، لذلك اضطرت إسرائيل لاستخدام صواريخ نظام قلاع داود ذات التكلفة العالية، حيث إن الصاروخ تكلفته مليون دولار، وهذا يعنى أنه فى حالة استمرار إسرائيل فى خوض حرب لفترة طويلة سوف يتم استنزافها اقتصاديا، كما أن إسرائيل ستعمل فى الفترة القادمة على تطوير نظام القبة الحديدية، مستفيدة من نتائج هذه الحرب.

وبالنسبة للمقاومة الفلسطينية فلقد استخدمت لأول مرة أسلوب التشويش على نظام القبة الحديدية الإسرائيلى بإطلاق صواريخ بهدف التشويش، وهذا بالطبع قد أضعف من قدرة نظام القبة الحديدية.

كذلك استخدمت المقاومة الفلسطينية أسلوب الضرب المكثف بالصواريخ بعدد أكبر من قدرة القبة الحديدية فى اتجاه محدد، لذلك نجح عدد من هذه الصواريخ الفلسطينية فى الوصول إلى أهدافها، بل وصلت إلى تل أبيب، وبالتالى هذا سوف يدفع إسرائيل إلى أن تقوم بتغيير خطة استخدامها لصواريخ القبة الحديدية فى الفترة القادمة، خاصة أن صواريخ المقاومة الفلسطينية «SH90» و«A120» ثمن الواحد منها من 300 إلى 1000 دولار، بينما صاروخ القبة الحديدية 50 ألف دولار.

ولقد كانت أكبر استفادة لإسرائيل من هذه الحرب هى نجاح نتنياهو فى إقناع الشعب الإسرائيلى بأن خطر المقاومة الفلسطينية كبير وخصوصا حول حدودها، حتى إن الصواريخ وصلت إلى تل أبيب، وهذا بالطبع يجعل المواطن الإسرائيلى يؤيد بقاء هذه الحكومة اليمينية الدينية المتطرفة برئاسة نتنياهو الذى يحقق لها الأمان.

كما نجح نتنياهو فى هذه المعركة فى أن يصرف وجهة نظر الشعب الإسرائيلى، ولو مؤقتا، عن المظاهرات التى كانت تطالبه بإيقاف ما سماه بالإصلاح القضائى الذى كان يحق للكنيست بموجبه تعيين القضاة وإلغاء أحكام المحكمة العليا الإسرائيلية، وبالتالى يضمن نجاته من التهم الثلاث الموجهة إليه بالفساد. ولكن هذا الأمر لم يتضح بعد إمكانية تحقيقه أم لا.

وعلى المستوى الاقتصادى خسرت إسرائيل فى هذه الحرب مليار دولار، والذى بلا شك سيؤثر على زيادة مشاكلها الاقتصادية، ونحب أن نؤكد على أن الدور المصرى لا يزال هو القوة السياسية الوحيدة فى المنطقة، كما قال الرئيس الأمريكى جو بايدن، إن مصر قادرة على تحقيق الاستقرار، وذلك بعد نجاح مصر فى إيقاف إطلاق النار فى معركة غزة الرابعة والخامسة، وها هى المرة السادسة، ليعود الاستقرار فى المنطقة بجهود الوساطة المصرية بين الفلسطينيين وإسرائيل.

حيث بدأ بوجود رئيس الدائرة السياسية فى حركة الجهاد الإسلامى محمد الهندى فى القاهرة، والتقى مع جهاز المخابرات المصرية، مع توجه وفد أمنى إلى إسرائيل لبحث ومناقشة الهدنة المقترحة، حيث كان الجانب الفلسطينى طلب أن تتعهد إسرائيل بوقف سياسة اغتيال قادة المقاومة، كما طالبت إسرائيل بوقف إطلاق الصواريخ الموجهة إلى إسرائيل.

وبعد ماراثون طويل من المفاوضات نجحت مصر فى التوصل لإيقاف إطلاق النار، وهكذا ستظل مصر دائما هى القوة التى تضمن استقرار وأمن منطقة الشرق الأوسط.



Email: sfarag.media@outlook.com