العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وهذه الطريقة بالذات أزعجت الولايات المتحدة، حيث جاء هذا الأسلوب الجديد من الروس بتفريغ الوقود التكتيكى الإضافى للطائرة الروسية على مروحة الطائرة الأمريكية فأدى إلى تعطلها.

التحرش العسكرى الروسى الأمريكى فوق البحر الأسود
 

لواء د. سمير فرج

 25 مارس 2023


هناك العديد من المصطلحات العسكرية فى القاموس العسكرى، مثل الضربات الوقائية والضربات الاستباقية والهجوم المضاد والهجوم غير المباشر The Indirect Approach والضربات الجوية، وغيرها من المصطلحات العديدة، لكن ما حدث هذه المرة فوق سماء البحر الأسود جعلنى أطلق عليه مصطلحًا عسكريًّا جديدًا.

وهو التحرش العسكرى لأنه لم يكن نوعًا من أنواع القتال المعروفة عندما قامت طائرتان روسيتان من طراز سوخوى 27، يوم الثلاثاء 14 مارس الجارى، بالتحرش بطائرة مسيرة أمريكية طراز MQ9 Reaper، كانت فى مهمة استطلاعية، حيث قامت الطائرتان الروسيتان بإلقاء الوقود على الطائرة المسيرة الأمريكية عدة مرات، ثم اصطدمت الطائرة الثانية بمروحة الطائرة المسيرة الأمريكية، مما دفع قيادة القوات الأمريكية إلى إعطاء الأمر للطائرة المسيرة بسقوطها فى المياه الدولية فى البحر الأسود.

وهذه الطريقة بالذات أزعجت الولايات المتحدة، حيث جاء هذا الأسلوب الجديد من الروس بتفريغ الوقود التكتيكى الإضافى للطائرة الروسية على مروحة الطائرة الأمريكية فأدى إلى تعطلها، خاصة أن هذه المسيرة الأمريكية MQ9 هى أغلى المسيرات فى العالم، حيث يبلغ ثمنها 30 مليون دولار، بل أغلى من المروحية الأمريكية الهجومية الأباتشى، خاصة أن باقى الطائرات المسيرة فى الترسانة العسكرية فى العالم سواء كانت الإيرانية أو التركية لا يتعدى ثمنها بضعة آلاف من الدولارات، وحتى النوع الصينى المتطور حاليًا لا يتعدى أكثر من 2 مليون دولار.

ويرجع سر ارتفاع سعر هذه الطائرة المسيرة الأمريكية إلى أنها مزودة بقدرات فريدة تجعلها طائرة المهام الخاصة المتعددة، فهى قادرة على تنفيذ ضربات ورصد الأهداف المعادية، كذلك قدرتها على الاستطلاع، حيث إنها مزودة بكاميرات ومستشعرات فائقة الحساسية، تستطيع التصوير فى الأجواء الليلية.

كما أنها مزودة بأجهزة حرب إلكترونية ويمكنها القيام بأعمال التجسس والتشويش بإمكانيات عالية الدقة، كما أن لديها القدرة على حمل 16 صاروخًا من طراز هيل فاير قادرة على التصويب بدقة عالية، ومدى هذه الطائرة 1860 ميلًا، ويمكنها التحليق على ارتفاعات تصل إلى 50 ألف قدم.

كما أنها اعتُبرت طائرة الاغتيالات لدى الأمريكان، حيث نفذت اغتيال قاسم سليمانى، قائد فيلق القدس بالحرس الثورى الإيرانى، وأيمن الظواهرى، قائد تنظيم القاعدة، فى العام الماضى فى كابول فى أفغانستان.

وقد رفضت أمريكا تزويد أوكرانيا بهذا النوع من الطائرات خوفًا من أن تسقط فى يد الروس، حيث إنها حاليًا تطلق هذه الطائرات من القواعد الأمريكية فى بولندا ورومانيا، وكانت حجتهم دائمًا أن هذه الطائرات تحتاج وقتًا طويلًا للتدريب.

وقد حاول البنتاجون التقليل من أثر هذه الحادثة، حيث أعلنوا أنه قبل إصدار الأمر بسقوط الطائرة تمت إزالة جميع البيانات التى كانت على أجهزة الطائرة، والتى كانت مستخرجة من المعلومات عن الجانب الروسى فى شبه جزيرة القرم. وبتحليل الأحداث نجد أن الإدارة الأمريكية تعاملت مع الحدث بمنتهى العقلانية، فهى لم تقم بأى رد عسكرى فورى كان سيتحول إلى صراع عسكرى من الصعب السيطرة عليه بين أمريكا وروسيا.

كذلك جاء اتصال وزير الدفاع الأمريكى أوستن مع نظيره الروسى شويجو فى اليوم التالى للحادث ليؤكد أن هناك اتجاهًا يهدف إلى عدم التصعيد لأى أعمال قتالية مستقبلًا.

رغم أن كل طرف أعلن استياءه من تصرف الطرف الآخر، حيث أعلن الوزير الروسى أن هذه الطائرة كانت تهدف إلى الحصول على معلومات عن القوات الروسية فى شبه جزيرة القرم والمواقع الروسية فى أوكرانيا لكى ترسلها إلى الجانب الأوكرانى، الأمر الذى يُعتبر أمرًا استفزازيًّا، وعلى الجانب الأمريكى جاء رد وزير الدفاع بأن هذه الطائرة كانت تعمل فى الأجواء الدولية ولم تخترق المجال الجوى الروسى.

على أى حال جاء القرار الأمريكى فى اليوم التالى بإيقاف عمل المسيرات الأمريكية فوق منطقة البحر الأسود، والاكتفاء بالحصول على المعلومات فى هذه المنطقة من الأقمار الصناعية الأمريكية، وهو قرار حكيم بالطبع حتى لا تتزايد حدة التوتر مرة أخرى. وأعتقد أن التصرف الأمريكى هو نفس ما حدث بالضبط منذ عدة سنوات عندما أسقطت إيران طائرة أمريكية مسيرة فوق الخليج العربى، ويومها أعلن ترامب أن الطائرة ليست عليها طيار أمريكى، لذلك لم تتصاعد الأمور فى هذه الحادثة مع الجانب الإيرانى.

وكان تعليق البنتاجون على حادث البحر الأسود أن سببه عدم كفاءة الطيارين الروس، لذلك قام فى اليوم التالى الرئيس بوتن بتكريم طيارى هذه المهمة بنفسه تقديرًا لهما، وردًّا على الادعاء الأمريكى.

عمومًا، أكدت هذه الحادثة أن الخط الساخن الذى يعمل بين روسيا وأمريكا مازال يعمل حتى الآن لحل الأزمات الطارئة لتجنب أى توتر فى الحالات الطارئة، وبعد سقوط هذه الطائرة بدأ صراع آخر بين الروس والأمريكان، وهو سرعة التحرك لانتشال حطام الطائرة من قاع البحر الأسود، حيث أعلن الأمين العام لمجلس الأمن الروسى، إنكلاى باتروشيف.

أن روسيا ستحاول الحصول على حطام هذه الطائرة، وأنه لا يعلم ما إذا كانت روسيا ستنجح فى ذلك أم لا، بينما جاء تعليق مدير الاستخبارات الروسية، سيرغى ناريشكين، بأن روسيا لديها إمكانيات تقنية عالية لانتشال حطام الطائرة، أما «كيربى»، المتحدث باسم البيت الأبيض، فقد أعلن أن الولايات المتحدة تتجنب وقوع المسيرة فى يد خاطئة، ويقصد بها الروس طبعًا، لذلك بدأ السباق.

حيث تهدف الولايات المتحدة إلى سرعة انتشال الطائرة قبل الروس، حيث إن المُعَدات الموجودة على الطائرة هى من أحدث الوسائل التى تُستخدم فى عمليات الحصول على المعلومات والتجسس، خاصة فى مجال الإلكترونيات وتحديد الأهداف وعمليات السيطرة على هذه الطائرة وأسلوب التحكم فيها عن بُعد.

وفى حالة وقوع الطائرة فى يد الروس سيُعتبر ذلك كنزًا كبيرًا نظرًا لأن المستوى التكنولوجى للروس فى هذا المجال ضعيف للغاية بالمقارنة بالجانب الأمريكى، ومن هنا ستتحقق للجانب الروسى الاستفادة من مدى تطور هذه المُعَدات والتكنولوجيا فى هذه الطائرة لتطوير الأنظمة الخاصة بالطائرات المسيرة فى روسيا مستقبلًا.

وقد قامت أمريكا فور سقوط الطائرة بتغيير كافة الترددات والشفرات التى تعمل عليها هذه الطائرة وكل الأنظمة والاتصالات الإلكترونية فى أمريكا، كما أنها قامت بمسح كل المعلومات التى حصلت عليها الطائرة طبقًا لبرنامج Self-Distraction، الموجود فى كل الطائرات فى حالة سقوطها فى الجو، وهكذا سيظل السباق مفتوحًا حتى نعرف مَن الذى سيصل إلى هذه الطائرة أولًا فى أعماق البحر الأسود.



Email: sfarag.media@outlook.com