العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومع قرب انتهاء فصل الشتاء، بدأت روسيا الاستعداد للقيام بعملية هجومية شاملة ضد أوكرانيا.

عام جديد للحرب الروسية - الأوكرانية
 

لواء د. سمير فرج

 23 فبراير 2023


مر عام منذ بدء الحرب الروسية الأوكرانية، تمكنت روسيا، خلاله، من ضم أربع مقاطعات من أوكرانيا إلى أراضيها، وهى لوجانسك، ودونيتسك، وزابوريجيا، وخيرسون، التى تمثل نحو 20% من الأراضى الأوكرانية. ومع دخول تلك الحرب عامها الثانى، مازال العالم منشغلا بتحليل، ودراسة، وتوقع، ما ستسفر عنه أحداثها، فى الأيام المقبلة، ففى ظل محدودية تلك الحرب، من الناحية العسكرية، كونها بين دولتين فقط، إلا أن آثارها طالت العالم، بأسره، من الناحية الاقتصادية، وانعكست سلبا على جميع مؤشراته، سواء بتراجع معدلات النمو، وارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، فى ظل ارتفاع أسعار الحبوب، وأسعار النفط، واضطراب سلاسل الإمداد العالمى.

ومع قرب انتهاء فصل الشتاء، بدأت روسيا الاستعداد للقيام بعملية هجومية شاملة ضد أوكرانيا، فى حين يأمل العالم كله فى الإسراع بالدخول فى مفاوضات سلام، لوقف نزيف خسائر تلك الحرب.تلك المفاوضات التى وضع الطرفان شروطا مسبقة للدخول فيها، ركزت روسيا على أربعة منهما، أولها إعلان أوكرانيا حيادها، مثل سويسرا، مع نزع سلاحها بالكامل، ثانيا، إعلان أوكرانيا عدم الانضمام إلى حلف الناتو أو أى أحلاف عسكرية أخرى، ثالثا، تعهد أوكرانيا بألا تصبح دولة نووية فى المستقبل، وأخيرا اعتراف أوكرانيا بحق روسيا فى ضم شبه جزيرة القرم، وباقى المقاطعات الأربع.

ومن ناحيتها، اشترطت أوكرانيا أربعة شروط أخرى للدخول فى مفاوضات سلام، وهى انسحاب القوات الروسية من جميع الأراضى الأوكرانية التى احتلتها، بعد يوم 24 فبراير2022، ثانياً تقديم روسيا تعهدا، إلى الأمم المتحدة، بعدم مهاجمة أوكرانيا مستقبلا، وثالثااعتراف روسيا بالخطأ فى هجومها على أوكرانيا، وبالتالى كان شرطها الرابع أن تتحمل روسيا جميع تكاليف إعادة الإعمار فى أوكرانيا، نتيجة خسائرها فى هذه الحرب. ورغم ما قد يبدو للبعض من استحالة التوصل إلى اتفاق، فى ظل تلك الشروط المتناقضة، فإنه فى الحقيقة، وبالرجوع إلى الممارسات التاريخية، فإن جميع الخلافات يمكن حلها، إذا ما توافرت الرغبة لدى الأطراف، بالجلوس على طاولة المفاوضات.

وإذا ما عدنا إلى التحليلات الصادرة عند بدء القتال يوم 24 فبراير 2022، نجدها تشير لفلسفة الولايات المتحدة الأمريكية، فى إطالة زمن الحرب، بهدف استنزاف روسيا اقتصاديا، باعتبارها العدو الثانى لأمريكا. واتساقا مع تلك الفلسفة، فقد أمدت الولايات المتحدة، والدول الأوروبية، أوكرانيا، خلال العام الأول من هذه الحرب، بأسلحة دفاعية، إلا أن التوجه تغير فجأة، منذ عدة أسابيع، بعدما قررت أمريكا وحلف الناتو إمداد أوكرانيا بأسلحة هجومية، والمقصود بها هنا الدبابات، إذ قررت أمريكا دعم أوكرانيا بدبابات من نوع ابرامز (M1A1)، وأمدتها ألمانيا بدبابات ليوبارد، أما إنجلترا فدعمتها بدبابات تشالنجر. ورغم أن تلك الدبابات هى الأحدث فى الترسانة العالمية، إلا أن الأعداد المقدمة لأوكرانيا لا تتعدى 150 دبابة، وهو ما لا يمكن معه القيام بعمليات هجومية لاستعادة الأراضى التى احتلتها روسيا منها.

ورغم إدارة الولايات المتحدة دفة الأمور، فإن قرب الانتخابات الرئاسية التى من المقرر أن يخوضها جو بايدن المنتمى للحزب الديمقراطى، أمام غريمه دونالد ترامب عن الحزب الجمهورى، تضع قيودا على قرارات جو بايدن، فيما يخص الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، خاصة بعد دخول الإدارة الأمريكية فى وضع البطة العرجاء، الناتج عن حصول الحزب الجمهورى على أغلبية مقاعد الكونجرس الأمريكى، الأمر الذى سيحد من قدرة الرئيس الأمريكى على دعم أوكرانيا بالأسلحة والأموال، فى ظل اعتراض الحزب الجمهورى وعلى رأسه ترامب ـ على الدعم العسكرى الأمريكى لأوكرانيا، لما يرون فيه من إخلال بالاحتياطيات الاستراتيجية للجيش الأمريكى. وهو نفس الاعتراض الذى بدأت حكومات دول حلف الناتو فى مواجهته، بدعوى التأثير السلبى على الأمن القومى لبلادهم، خاصة أن الأسلحة المقدمة لأوكرانيا لن يتم إحلالها قبل عامين، على أحسن تقدير.

وعلى الصعيد الروسى، فقد نقلت مختلف وسائل الإعلام اجتماع بوتين مع مجلس الأمن القومى الروسى، الذى أعلن خلاله التخطيط لعملية شاملة ضد أوكرانيا، مع بدء الربيع المقبل، بعدما ينقشع برد الشتاء، ويذوب الجليد. وفى تقديرى الشخصى فإن ذلك الهجوم الروسى، سيستهدف سرعة الاستيلاء على مدينة أوديسا، التى تعد الميناء الرئيسى لأوكرانيا، على البحر الأسود، ويتم من خلالها تصدير معظم المنتجات الأوكرانية للعالم كله. وفى حال نجاح روسيا فى ذلك، ستحرم أوكرانيا من أى وجود على البحار الخارجية، وتصبح دولة لا شاطئية، بعد أن فقدت موانئها على بحر أزوف، وهو ما يُمثل ضربة موجعة لأوكرانيا. وقد تمتد الخطط الروسية للاستيلاء على العاصمة الأوكرانية، كييف، وإسقاط النظام الحالى، وهو ما سيعرضها لانتقادات واسعة من العالم كله، أمام حجم الخسائر التى ستنتج عن اتباعها الأسلوب الأراضى المحروقة، باعتباره أسلوب الوحيد الذى يضمن عدم تكرار فشلها فى حرب المدن.

وأمام احتمالات الزيادة الباهظة للأعباء الاقتصادية العالمية، عما هى عليه الآن، إذا ما طال أمد تلك الحرب، تجد الجميع يأملون، والبعض يعملون، على أن ينتهى هذا الشتاء، وقد اتفقت الأطراف على وقف العمليات العسكرية، والجلوس على طاولة المفاوضات، للوصول إلى حل سلمى فيه خير وصلاح البشرية كلها.



Email: sfarag.media@outlook.com