العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

حيث كان إمداد أمريكا ودول حلف الناتو لأوكرانيا بأسلحة دفاعية لتحقيق الهدف الرئيسى الأمريكى من هذه الحرب، وهو إطالة مدة الحرب لاستنزاف الاقتصاد الروسى.

التحليلات والدروس المستفادة من الحرب الروسية الأوكرانية
 

لواء د. سمير فرج

 14 يناير 2023


خلال الأسبوع الماضى، تمت دعوتى في إحدى المحطات الإخبارية العالمية، على مائدة مستديرة، خلال ساعتين، مع خبراء عسكريين من روسيا والولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا، وكان محور النقاش، ونحن على أبواب العام الثانى من الحرب الروسية الأوكرانية، كيف نحلل هذه العملية العسكرية وما الدروس المستفادة من هذه الحرب؟. ولقد وجدت أنه من المناسب أن أعرض في مقالة اليوم ما تم عرضه في هذه الحلقة.

خاصة أننى كنت البادئ في الحوار، وقدمت تصورى الشخصى حول هذه الحرب، وبالتالى كان تحليلى هو أساس حوار الحلقة كاملة لهذه الحرب، والدروس المستفادة منها وتأثيرها في الفكر العسكرى العالمى. ورغم أن ما سيتم عرضه اليوم هو فكر عسكرى فقط، فإننى أتعشم أن تصل أفكارى العسكرية إلى المواطن المدنى بأسلوب مبسط قدر الإمكان.

وقد كان أول تحليلاتى أن روسيا في هذه الحرب قد قدمت، لأول مرة، فكرًا جديدًا، وهو استخدام الصواريخ الباليستية في تنفيذ ضربة صاروخية لتبدأ بها القتال، بدلًا من الضربة الجوية، التي كانت أساس بدء العمليات، في المفهوم العسكرى القديم سواء في العقيدة العسكرية الشرقية (الروسية) أو العقيدة الغربية (حلف الناتو)، وكان استخدام هذه الفكرة يعتمد على أن الصواريخ الباليستية أكثر دقة في الوصول إلى الهدف، وبتكلفة أقل بكثير.

يكفى أن نقول إن سعر الطائرة F16 والسوخوى 35 يقارب الآن مائة مليون دولار، علاوة على الطيار الذي سيتم تدريبه على الطيران عليها، لمدة لا تقل عن ست سنوات، أربعة منها بالكلية الجوية واثنتان للتدريب على الطائرة. كذلك الاحتياج إلى مطارات متطورة، ورادارات، وذخائر، عكس الصاروخ الباليستى، الذي يصل سعره الآن إلى بضعة آلاف من الدولارات، ولا يحتاج إلى طيارين مقاتلين مدربين.

كما أن الأنواع الجديدة من الصواريخ الروسية سرعتها حوالى تسعة أضعاف سرعة الصوت، وذات دقة عالية، ومن الصعب متابعتها وتدميرها.

أما التحليل الثانى، فإن روسيا كانت قد ركزت خلال الـ20 سنة الماضية على الساحة العسكرية في تطوير أنظمة الصواريخ البلاستيكية، لذلك فاجأت العالم كله في هذه الحرب بهذه القوة الصاروخية الجديدة، التي لم تنجح المخابرات الأمريكية ودول حلف الناتو في الحصول على أي معلومات عنها مسبقًا.

كان تحليلى الثالث أن روسيا لم تضع في حساباتها في الـ20 سنة الماضية أهمية الطائرات المُسيَّرة بدون طيار Drones، ودورها المهم في المعارك القادمة، الأمر الذي أدى إلى أن الطائرات المُسيَّرة الروسية في هذه الحرب لم تكن على المستوى المطلوب، ولم تُطور بالشكل المناسب للحرب الحديثة، لذلك استعانت روسيا بالطائرات المُسيَّرة الإيرانية لتدخل بها الحرب، ولذلك أعتقد أن روسيا خلال السنوات القادمة ستركز كل جهدها في تطوير صناعتها في مجال الطائرات المُسيَّرة بدون طيار.

التحليل الرابع هو فشل القوات الروسية البرية في اقتحام المدن الأوكرانية، حيث فشلت في الأيام الأولى من اقتحام العاصمة الأوكرانية كييف، واضطرت القيادة الروسية إلى تغيير اتجاهاتها إلى شرق أوكرانيا للاستيلاء على إقليم دونباس.

وجاء التحليل الخامس بأن طول خطوط الإمداد للقوات الرئيسية المنفذة للعمليات الهجومية قد أعاق سرعة تنفيذ العمليات الهجومية والاستيلاء على مساحات أكبر من الأراضى الأوكرانية لأنه خلال تسعة شهور فقط استولت القوات الروسية على 20% من أراضى أوكرانيا بسبب طول خطوط مواصلات الإمداد والإخلاء عبر شبه جزيرة القرم.

ويجىء التحليل السادس بأنه لم يتم استخدام القوات الخاصة الروسية وقوات المظلات في هذه الحرب، خصوصًا أن حرب المدن تحتاج إلى القوات الخاصة بتوسع، وللأسف اعتمدت روسيا على قوات فاجنر الروسية، وكان من الممكن استخدام قوات المظليين لإسقاطها في العمق خلال تطوير القوات الأوكرانية، والاستيلاء على الكبارى، ومحاور التقدم على نهر دنيبرو.

وكان التحليل السابع بأن روسيا نجحت في تعديل استراتيجية الهجوم، بمعنى مرونة الخطة في تعديل اتجاه للهجوم ليكون شرق أوكرانيا إلى إقليم دونباس بدلًا من الاستيلاء على كييف العاصمة لتعثر هجوم القوات الروسية عليها في الأسابيع الأولى من القتال، وهذا القرار يُحسب للقيادة الروسية، وهو المرونة في اتخاذ القرارات أثناء سير العمليات العسكرية على المستوى الاستراتيجى.

أما التحليل الثامن، فلقد جاء من الاستخدام المحدود للقوات الجوية الروسية في هذه الحرب رغم التطور الكبير، الذي تم في القوات الجوية الروسية في الأعوام الماضية، لكن ربما جاء هذا الاستخدام المحدود بسبب تغيير شكل الضربات الجوية بالتركيز على الصواريخ الباليستية والطائرات المُسيَّرة بدون طيار، بدلًا من الطيارات المقاتلة.

أما التحليل التاسع، فكان عدم استخدام القوات الروسية لعناصر مشاة الأسطول والقوات البحرية في هذه الحرب، حيث يجىء التحليل العاشر ليكمل هذه الفكرة بأن روسيا فشلت في الاستيلاء على ميناء أوديسا، وأعتقد أنه كان من أهم الأهداف الاستراتيجية لروسيا، في المرحلة الأولى من الحرب، لأنه بالاستيلاء على أوديسا كانت أوكرانيا ستُحرم من أن تكون لها أي موانئ على البحر الأسود، خصوصًا أنها فقدت موانيها على بحر أزوف.

ولو كانت هذه العملية قد تمت لوضعت أوكرانيا في أسوأ موقف لها، لذلك كان لابد للقوات الروسية الاستيلاء على مدينة أوديسا، وهذا خطأ جسيم للقيادة الروسية العسكرية خلال المرحلة الأولى من الحرب.

وبالنسبة للقوات الأوكرانية، فيمكن القول إنها نجحت في استدراج القوات الروسية إلى حرب المدن، حيث نعتبر أيضًا أن المدن هي مقبرة الجيوش العسكرية، لذلك نجحت القوات الأوكرانية في منع روسيا من الاستيلاء على كييف العاصمة وأدارت معركة قوية، فيها كانت خسائر القوات الروسية كبيرة.

لذلك اتجهت لاحتلال إقليم دونباس، ولكن افتقرت القوات الأوكرانية خلال هذه الحرب للأسلحة الهجومية، حيث كان إمداد أمريكا ودول حلف الناتو لأوكرانيا بأسلحة دفاعية لتحقيق الهدف الرئيسى الأمريكى من هذه الحرب، وهو إطالة مدة الحرب لاستنزاف الاقتصاد الروسى، وبالتالى إضعاف روسيا، العدو الثانى للولايات المتحدة، حتى عندما دعمت أمريكا أوكرانيا بصواريخ الباتريوت، فإن ذلك السلاح كان سلاحًا دفاعيًّا، لا يحقق لأوكرانيا استعادة 20% من الأراضى الأوكرانية التي استولت عليها روسيا. وحتى عندما أعلنت فرنسا منح أوكرانيا دبابات القتال خفيفة الحركة AMX، وهى دبابات استطلاع.

وكان المفروض دعم أوكرانيا بالدبابات الأمريكية M1A1، وهى دبابات تُستخدم للعمليات الهجومية لاستعادة الأراضى التي احتلتها القوات الروسية، وحتى عندما دعمت أمريكا أوكرانيا بالصواريخ الهيمارس، فإن أمريكا فرضت قيودًا على أوكرانيا عند استخدامها لأن مداها هو من 70 إلى 80 كم، لذلك كانت الأوامر لأوكرانيا بألّا تستخدم هذه المدافع لضرب العمق الروسى لتجنب قيام روسيا باستخدام الأسلحة النووية التكتيكية.

وهكذا، فإن أوكرانيا تحارب الآن بأسلحة دفاعية، مكتوفة الأيدى، أمام ثانى أكبر قوة عسكرية في العالم، لذلك نحن ننتظر الجزء الثالث من العملية العسكرية في الربيع القادم، وقد تنجح مفاوضات السلام القادمة، في شهر فبراير، في إيقاف نزيف هذه الحرب، التي لم تَطُل روسيا أوكرانيا فقط، ولكنها أثرت على العالم كله.



Email: sfarag.media@outlook.com