العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومن هذا المنطلق، جاءت فكرة التجميد، التى طرحتها مجموعة من بعض الدول فى الاتحاد الأوروبى، والتى تقول إننا نبدأ بتجميد الأوضاع على الأرض.

هل سيصبح التجميد بداية السلام فى الحرب الروسية الأوكرانية؟
 

لواء د. سمير فرج

 24 ديسمبر 2022


مع بداية دخول الشتاء، وظهور تأثير حرب الغاز التى تشنها روسيا حاليًا ضد الدول الأوروبية وأوكرانيا، وتأثر دول العالم كلها بالصعوبات والمشاكل الاقتصادية، بدأت تلوح آراء وأفكار فى الأفق بهدف ضرورة الوصول إلى حل سلمى لإنهاء تلك الحرب المريرة بين روسيا وأوكرانيا، خاصة الوضع المتردى فى أوكرانيا، التى فقدت 20% من أراضيها، وقيام روسيا بإعلان ضم المقاطعات الأربع: لوهانسك ودونتسك وزابوريجيا وخيرسون، وتدمير جزء كبير من البنية الأساسية الأوكرانية، خاصة محطات الكهرباء، التى جعلت الملايين من الأوكرانيين يقاسون مرارة الشتاء، وحتى بعد تدعيم الاتحاد الأوروبى لأوكرانيا بمحطات توليد الكهرباء المتنقلة، فإن ذلك لم يُجْدِ كثيرًا لأن الروس قاموا بتدمير محطات الكهرباء والشبكات الموزعة لها، وبالتالى أثرت على عمل محطات المياه هناك، من هنا كانت الضربة المؤلمة للشعب الأوكرانى.

لذلك، بدأ الجميع فى التفكير فى إنهاء هذه الحرب، التى لن يخرج فيها أحد منتصرًا أو مهزومًا، وأعجبتنى كلمة الرئيس الفرنسى ماكرون عندما قال إن روسيا لن تسمح لنفسها بأن تخرج من هذه الحرب مهزومة، ونحن أيضًا فى الغرب لا نفكر لها فى ذلك لأن الأمر سيزداد تعقيدًا وسوءًا. ومن هذا المنطلق أصبح الجميع يفكر أليست هناك نهاية لهذه الحرب، التى تأثرت بها جميع الدول الغنية والفقيرة؟. ولأن أفكار الطرفين متباعدة تمامًا للوصول إلى حل لهذه المشكلة، حيث تصاعدت مطالب روسيا التى بدأت مع بداية الحرب، أولًا بأن تعلن أوكرانيا أنها ستصبح دولة محايدة مثل سويسرا، وثانيًا أنها ستعلن رفضها الانضمام إلى حلف الناتو أو أى حلف آخر عسكرى مع أوروبا، كذلك تعلن أوكرانيا أنها لن تقوم بامتلاك أسلحة نووية، وهى مطالب وافقت عليها أوكرانيا.

ولكن، جاء المطلب الروسى الأخير بأن تعترف أوكرانيا بأحقية روسيا فى ضم شبه جزيرة القرم، وهذا الأمر رفضته أوكرانيا تمامًا، وأكدت أنها لن تقبل بضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا مهما كانت الظروف، وتلك كانت أعقد النقاط للوصول إلى تسوية فى البداية، حتى إن السياسى المخضرم، هنرى كسنجر، عندما أعلن، فى كلماته فى مؤتمر دافوس، أن أوكرانيا يجب أن توافق على ضم شبه جزيرة القرم إلى روسيا لإنهاء هذه الحرب، كان الرد عنيفًا من الرئيس زيلينسكى الأوكرانى، حيث اتهمه بأنه أصبح كبيرًا فى السن ولا يعِى ما يقول.

وبعد تطور القتال، استولت روسيا على 20% من الأراضى الأوكرانية، وتم ضم المقاطعات الأربع إلى روسيا، وزاد الطلب الأخير من روسيا لوقف القتال أن تعترف أوكرانيا بضم هذه المقاطعات الأربع إلى روسيا، وهذا بالطبع أمر كان مرفوضًا تمامًا من الجانب الأوكرانى، حيث جاءت شروط أوكرانيا، هى الأخرى، لوقف القتال هى الانسحاب الكامل للقوات الروسية من أراضى أوكرانيا التى احتلتها، ثم تقديم ضمانات دولية بعدم قيام روسيا بمثل هذه العمليات الهجومية ضد أوكرانيا مستقبلًا، وأخيرًا، يجب أن تقوم روسيا بدفع التعويضات إلى أوكرانيا عن الخسائر التى لحقت بها جراء هذه الحرب.

وبنظرة عامة لمطالب الطرفين نجد كليهما بعيدًا تمامًا عن الآخر، مما يُصعب فى البداية الوصول إلى حل سلمى لهذه القضية، أو حتى الجلوس على مائدة المفاوضات، ومن هذا المنطلق، جاءت فكرة التجميد، التى طرحتها مجموعة من بعض الدول فى الاتحاد الأوروبى، والتى تقول إننا نبدأ بتجميد الأوضاع على الأرض، وإيقاف أعمال القتال بين كلا الطرفين، أى بمعنى آخر، وقف إطلاق النار. ولكن هذا المصطلح يعنى لكلا الطرفين أنه لم يُهزم فى هذه المعركة، وعلى الجانب الآخر، يتوقف إطلاق النار، وتبدأ الحياة فى العودة إلى الشعب الأوكرانى، ويتم إصلاح البنية الأساسية، ويعود الدفء إلى حياة الملايين من شعب أوكرانيا، وتتوقف عمليات الهجمات العسكرية، وبالتالى يتوقف قتل الجنود والمدنيين من كلا الطرفين.

ورغم أن تلك الفكرة سوف تعطى كلا الجانبين الروسى والأوكرانى الوقت لإعادة تنظيم صفوفه فى ميدان القتال، واستكمال الذخائر والأسلحة والمُعَدات، أى أنها فرصة لالتقاط الأنفاس لكلا الطرفين فى الميدان العسكرى، لذلك فإن هذه الفكرة ستكون لها ميزة كبيرة، وهى عدم تطور عمليات القتال إلى الأسوأ مستقبلًا، والتى قد تتحول إلى تنفيذ ضربات نووية تكتيكية، تتصاعد لأكثر من ذلك، حيث إن أوكرانيا بدأت مهاجمة العمق الروسى بالطائرات المُسيَّرة والمدفعية، الأمر الذى لا تُحفزه الولايات المتحدة الأمريكية، حيث إن ذلك يعطى الروس الذريعة لاستخدام السلاح النووى التكتيكى فى حالة مهاجمة عمق الدولة الروسية، طبقًا لاستراتيجية الاستخدام النووى فى العقيدة الروسية.

ومن هنا أعتقد أن ذلك كان أكبر مكسب من فكرة التجميد، حيث يعنى التجميد فى مفهوم القتال العادى وقف القتال بين الطرفين، ولكن فى مفهومى الخاص هو تجميد تصاعد القتال بين الطرفين، وضرب العمق الروسى، وبذلك يكون التجميد هو عدم تصاعد القتال مستقبلًا، ليصل إلى استخدام السلاح النووى التكتيكى. وأعتقد أن الجانب الروسى سيتقبل فكرة التجميد لأنه بلا شك قد تم إنهاك الاقتصاد الروسى فى الفترة السابقة لأنها تمر باقتصاد حرب، كما أنها فرصة للبحث عن أسواق جديدة لتسويق الغاز، بعد القيود التى تفرضها أمريكا والاتحاد الأوروبى، وآخرها وضع سقف لسعر برميل النفط الروسى بقيمة 60 دولارًا.

وعلى الطرف الآخر، فإن الولايات المتحدة تدخل عامها الجديد، وهى فى مشكلة البطة العرجاء، حيث إن الغالبية فى الكونجرس الأمريكى، اعتبارًا من أول يناير، أصبحت للجمهوريين، حيث ستعوق أى قرارات للرئيس جو بايدن الديمقراطى، لذلك سيقل الدعم المطلق العسكرى والمادى، الذى كان ممنوحًا لأوكرانيا فى الفترة السابقة، كذلك فإن جو بايدن سيبدأ حملته الانتخابية هذا العام، ويريد أن يبدأ هذه الفترة بلا انتقادات بسبب تشجيعه المطلق لاستمرار هذه الحرب ونتائجها الاقتصادية على المجتمع الأمريكى.

وعلى الطرف الآخر، فإن الدول الأوروبية تريد أن يتوقف هذا الصراع، الذى أضَرَّ اقتصاديًّا بدول وشعوب هذه المنطقة، التى تريد أن تبدأ مرحلة جديدة من أوضاع اقتصادية، يقل فيها التضخم والبطالة، وتبحث فيها الشعوب عن مصادر طاقة آمنة، بعيدًا عن التحكم الروسى.

وعلى مستوى دول العالم، فإن العالم أيضًا سيرحب بتلك المبادرة أملًا فى أن يعود الاستقرار الاقتصادى لهذه الدول، وتقل أسعار البترول والحبوب، ومشاكل الزيوت والأسمدة، وتبدأ الشعوب فى تنظيم حياة اقتصادية جديدة، تحقق الرفاهية للجميع، وبعد أن تبدأ عملية التجميد، يبدأ المجتمع الدولى فى إيجاد حلول لهذه المشكلة الروسية الأوكرانية تُرضى روسيا وأوكرانيا فى بداية جديدة مستقرة لأوروبا وباقى دول العالم.



Email: sfarag.media@outlook.com