العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وعلى الرغم من تأكيد عدد من الدول الأوروبية، خلال اجتماعهم بفيينا، في الأسبوع الماضي، على تمسكهم ببنود الاتفاق النووي مع إيران، وحثها على تنفيذ التزاماتها فيه، إلا أن إيران تتشكك في قدرة تلك الدول الأوروبية على حمايتها من العقوبات.

سيناريوهات الأحداث في منطقة الخليج العربى
 

لواء د. سمير فرج

 3 يوليو 2019


تتسارع وتيرة الأحداث في منطقة الخليج العربي، خاصة بعد احتدام الموقف بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، منذ إعلان الولايات المتحدة انسحابها من الاتفاق الأمريكي-الأوروبي-الإيراني، النووي، المعروف باسم (5+1)، إذ هددت إيران بإغلاق مضيق هرمز، في وجه الملاحة، رداً على القيود، والعقوبات الاقتصادية، التي تفرضها أمريكا عليها.

واشتعل الموقف، أكثر وأكثر، بعد الهجوم على أربع ناقلات للبترول في المنطقة، والذي أعقبه إسقاط إيران لطائرة تجسس أمريكية، بدون طيار، وسط ترقب المجتمع الدولي لرد أمريكا على إسقاط طائرتها، وهو ما تناوله العديد من المحللين؛ سواء العسكريين، أو السياسيين، طارحاً كل منهم رؤيته، وتوقعاته. ومن هذا المنطلق حاولت الاقتراب، ببساطة، متناوله من ناحية كيفية إدارة مثل هذه الأمور، بهدف اتخاذ القرار المناسب، على مستوى الدولة، وأعني بالدولة، كل من أمريكا، وإيران.

بداية أوضح، أنه مع الشرارة الأولى للأزمة بين إيران، والولايات المتحدة، اجتمع، على الفور، مجلس الأمن القومي الأمريكي، برئاسة الرئيس ترامب، لتحديد الهدف من إدارة الأزمة مع إيران، وخلص إلى إجبارها على العودة لطاولة المفاوضات، لتعديل بنود الاتفاق السابق، (5+1)، إلى ثلاث نقاط جديدة، تتمثل في، أولاً، منعها من امتلاك أي سلاح نووي مستقبلاً، ثانياً، توقف برنامجها لتطوير أنظمة الصواريخ البلاسيتية، التي وصل مداها، الآن، حتى حدود اليونان، في أوروبا، وثالثاً، توقف إيران عن دعمها للحركات الإرهابية، في الشرق الأوسط.

يتضح من هدف القيادة الأمريكية في إدارة هذا النزاع، اختلافه الأيديولوجي عن الهدف الذي وضعه الرئيس الأمريكي الأسبق، بوش الابن، أثناء أزمة بلاده مع العراق، تحت حكم الرئيس صدام حسين، إذ تقرر هدف الإدارة الأمريكية، آنذاك، بواسطة مجلسها القومي للأمن، بتدمير القوة العسكرية العراقية، تماماً، وإسقاط نظام صدام حسين، واحتلال العراق، بادعاء امتلاكها للسلاح النووي. وبناء على هذا الهدف، بدأت الخطة الأمريكية بإغراء صدام حسين، بغزو الكويت، وخداعه بموافقتها على ذلك، من خلال مقابلته مع السفيرة الأمريكية إلى بغداد، ليكون لدى أمريكا، بعدها، الشرعية الدولية لمهاجمة العراق، وحشد التحالف الدولي، لتحرير الكويت، ثم غزو العراق.

وبالرغم من كذب ادعاءات الولايات المتحدة بامتلاك العراق لسلاح نووي، إلا استراتيجية الهدف الأمريكي في الحرب ضد العراق، تختلف عن تلك تجاه إيران، لذلك فإن اجتماع مجلس الأمن القومي الأمريكي، قام، بعد تحديد الهدف من إدارة الصراع مع إيران، بوضع السيناريوهات المحتملة لإدارة هذا الصراع، وتمثل، السيناريو الأول، في فرض العقوبات الاقتصادية عليها لخنق اقتصادها، وإجبارها على إعادة التفاوض، على أن يتم تطبيق العقوبات تصاعدياً لإعطائها الفرصة للتراجع، بدلاً من صدمة تطبيق عقوبات اقتصادية مرة واحدة.

أما السيناريو الأمريكي الثاني، في حال تصاعد الأزمة عسكرياً، فإن أمريكا ستؤجل خيار الاشتباك العسكري، لعلمها بأن حرباً في هذه المنطقة، من شأنها توقف تصدير البترول، ولو مؤقتاً، بما يترتب عليه حدوث أزمة اقتصادية عالمية، سيكون لأمريكا من آثارها السلبية نصيباً. وعليه، واتساقاً مع أهدافها، فإن أمريكا لم تنجرف، برد عسكري، وراء محاولات إيران لجرها إليه، بإسقاط الطائرة الأمريكية، وأحبطت، بذكاء، محاولات التصعيد الإيراني.

ولعلم مدير الأمن القومي الأمريكي، بأن إيران لن تتوقف عن ممارساتها الاستفزازية، فقد وضع عدة سيناريوهات وبدائل، في حالة تكرار التصعيد العسكري الإيراني، وهو ما لن تقف أمامه، أمريكا، مكتوفة الأيدي، بل سيتغير هدفها من إعادة إيران للمفاوضات، إلى هدف الجديد، وهو ردع قوتها العسكرية، من خلال تنفيذ عملية “ردع عسكري”، أو “Military Deterrence”، تشمل القيام بضرب جميع قواعد الصواريخ الإيرانية، الأرض-جو، في مواقع الدفاع الجوي، والمطارات، وضرب الرادارات، ثم مراكز القيادة والسيطرة الإيرانية، على المستوى الاستراتيجي، والتعبوي، بحيث تصبح سماء إيران مفتوحة للجانب الأمريكي، وهو ما من شأنه إرباك أسلوب السيطرة الإيرانية. وستحرص الولايات المتحدة الأمريكية خلال تلك العمليات، على البعد، قدر الإمكان، عن الأهداف المدنية، لتفادي أي خسائر، من شأنها إثارة الشارع الإيراني، والمجتمع الدولي، كما ستتجنب استهداف نقاط التمركز العسكري الإيراني، على مضيق هرمز، للحفاظ على استمرار تدفق البترول، من منطقة الخليج إلى أوروبا، واليابان، والصين.

ولا أشك في حسن تقدير، واستعداد، الولايات المتحدة لرد الفعل الإيراني، الذي سيرتكز على محورين؛ أولهما، باستهداف القوات العسكرية الإيرانية للقطع البحرية الأمريكية في الخليج العربي، وللقواعد الأمريكية في منطقة الخليج، خاصة تلك التي تستخدمها أمريكا في شن عملياتها العسكرية، وكذلك استهداف السفارات الأمريكية في المنطقة. أما المحور الثاني، فسيكون أذرعها بالخارج، مثل عناصر حزب الله في لبنان وسوريا والعراق، أو الحوثيون في اليمن، أو عناصر الجماعات الإرهابية المختلفة، ليوجه كل منهم ضربات، ضد المصالح الأمريكية، في دول تواجدهم. وبالرغم من ثقتي في وجود خطة عسكرية متكاملة، إلا أنني أتوقع التزام مجلس الأمن القومي الأمريكي، بأقصى درجات ضبط النفس، حتى لا يصبح من دون الخيار العسكري بد.

وعلى الرغم من تأكيد عدد من الدول الأوروبية، خلال اجتماعهم بفيينا، في الأسبوع الماضي، على تمسكهم ببنود الاتفاق النووي مع إيران، وحثها على تنفيذ التزاماتها فيه، إلا أن إيران تتشكك في قدرة تلك الدول الأوروبية على حمايتها من العقوبات، التي أعادت أمريكا فرضها عليها، وهو ما قد يدفعها لأحد خيارين؛ إما الاندفاع بعمل عسكري، ضد أمريكا، في المنطقة؛ أو استغلال التطمينات الأوروبية، لكسب الوقت، حتى موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، بعد عام ونصف العام، على أمل عدم إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي ترامب، لفترة ثانية.

ويبقى السؤال، هل سيحتمل الاقتصاد الإيراني تبعات العقوبات الاقتصادية، في ظل الغليان السياسي؟ على أية حال كان ذلك عرضاً، بسيطاً، لأفكار وتحليلات بشأن الموقف في أهم المناطق اشتعالاً، وهي منطقة الخليج العربي، وأهم السلع الاقتصادية في العالم، وهو البترول.



Email: sfarag.media@outlook.com