العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبموجب هذا القانون تتمكن وزارة الداخلية البريطانية، من تحديد الأرض الأجنبية، التي تُعد مجرد زيارتها جرماً، طبقاً للوضع الخاص لكل حالة من الحالات، باستثناء أولئك ممن لديهم سبب وجية وقانوني للتواجد بها.

بريطانيا وقانون الإرهاب
 

لواء د. سمير فرج

 18 إبريل 2019


وأخيراً أصدرت بريطانيا قانوناً جديداً للإرهاب، ينص على الحكم بالسجن، لمدة عشر سنوات، على أي مواطن بريطاني أقام في سوريا أو العراق، من دون سبب وجية، وشارك في العمليات الإرهابية هناك، أو انضم للتنظيمات الإرهابية، أو ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية. جاء ذلك القانون كخطوة جادة في مواجهة الأزمة المعضلة، لعودة الإرهابيين الأجانب، أو ما يطلق عليهم، مؤخراً، مصطلح “العائدون من سوريا”، بعدما انضموا للمنظمات الدينية الإرهابية هناك.

وبموجب هذا القانون تتمكن وزارة الداخلية البريطانية، من تحديد الأرض الأجنبية، التي تُعد مجرد زيارتها جرماً، طبقاً للوضع الخاص لكل حالة من الحالات، باستثناء أولئك ممن لديهم سبب وجية وقانوني للتواجد بها، مثل العاملين في المجال الإنساني، أو منظمات الأمم المتحدة والإغاثة، أو الصحفيين، أو حتى الذين ذهبوا إلى هناك لحضور مراسم دفن أحد أقاربهم. ووفقاً لهذا القانون، سيكون لدى البريطانيين المقيمين بتلك المناطق، مهلة شهر لمغادرتها، بعد دخول هذا القانون حيز التنفيذ. وقد علق وزير الداخلية البريطاني، “ساجد جاويد”، وهو أول وزير داخلية بريطاني مسلم، من أصول باكستانية، علق على هذا القانون قائلاً أنه سوف يسهل معاقبة هؤلاء الذين يسعون إلى إيذائنا.

ولقد جاء إصدار هذا القانون، بعد خسارة تنظيم داعش الإرهابي، مواقعه في سوريا والعراق، وظهور القصة الشهيرة للفتاتين، البريطانية والأمريكية، اللتان رغبتا في العودة إلى بلادهما، بعد رحلة انضمامهما لصفوف التنظيم الإرهابي داعش، فأشعلتا فتيل النقاش الحكومي، والرأي العام، في أوروبا وأمريكا، حول كيفية التعامل مع أولئك العائدين من صفوف داعش، الذين تم أسرهم بعد تصفية آخر جيوب التنظيم.

الحالة الأولى التي أثارت النقاش للطالبة البريطانية، ذات الأصول البنغالية، “شميمة بيجوم”، ١٩ عاماً، والتي كانت قد غادرت بريطانيا في ٢٠١٥، وانضمت إلى صفوف داعش، بشرق سوريا، وتطلب الآن العودة إلى منزلها، بلندن، لوضع مولودها، والاعتناء به، بعدما فقدت طفلين سابقين، أثناء وجودها بين صفوف التنظيم الإرهابي، بسبب سوء التغذية، وسوء أو انعدام الرعاية الصحية. انتشرت قصة الفتاة، بعد تسليط الأضواء الإعلامية عليها، إلا أن وزير الداخلية البريطاني أصدر قراراً بتجريدها من جنسيتها، فانقسمت آراء الشعب البريطاني حول مدى قانونية القرار.

أما الحالة الثانية فهي لسيدة أمريكية، من أصول يمنية، تدعى “هدى مثني”، تبلغ من العمر ٢٤ عاماً، ولقبها الإعلام الأمريكية باسم “عروس داعش”، حيث غادرت الولايات المتحدة في ٢٠١٤، وانضمت إلى صفوف داعش، وتزوجت ثلاث من عناصره وأنجبت طفلاً. واليوم تناشد أسرتها بالسماح لها بالعودة إليهم، في ولاية ألاباما الأمريكية، معلنة عن أسفها الشديد، وندمها، على الانضمام لتلك الجماعة الإرهابية. والغريب في الأمر، أن الولايات المتحدة التي حثت الدول الأوروبية على تسلم مواطنيها العائدين من صفوف داعش، هي من رفضت عودة هدى، وغرد الرئيس الأمريكي، ترامب، على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي، تويتر، “لقد أصدرت تعليمات لوزير الخارجية بومبيو بنزع جنسية هدى مثني، وعدم السماح لها بالعودة لأمريكا”.

تشير الإحصاءات إلى أن حوالي ٥٠٠٠ شخص، من أمريكا ودول أوروبية، كانوا قد توجهوا إلى كل من سوريا والعراق، للالتحاق بصفوف داعش، ولقد عاد منهم، طبقاً للإحصاءات، ما يقرب من ١٨٠٠ شخص، فيما يزال الباقون منهم عالقين في معسكرات على الحدود، أو غادروا إلى دول أخرى، مثل ليبيا أو أفغانستان. ويعتبر مخيم الهول، بشمال سوريا، الملاذ الآمن، الوحيد، للفارين من تنظيم داعش، من سوريا والعراق، والذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية، وهو واحد من أقدم، وأكبر، المخيمات، وكانت المفوضية السامية لشئون اللاجئين بالأمم المتحدة قد أقامته، عام ١٩٩١، لاستقبال اللاجئين العراقيين إبان انتهاء حرب الخليج. زادت أهمية المعسكر بعد سقوط تنظيم داعش، في سوريا، ليضم، حالياً، أكثر من ٣٧ ألف شخص، أغلبهم من نساء وأطفال التنظيم، ومن ضمنهم شميمة بيجوم، وهدى مثني، اللتان ذاع صيتهما إعلامياً مؤخراً.

تنقسم العناصر العالقة، في هذا المعسكر، إلى قسمين؛ الأول، من يرى نفسه ضحية هذا الفكر المتطرف، النادمون على تلك الفترة، التي أمضوها في القتال مع داعش، ويريدون العودة إلى وطنهم الأم، بالدول الغربية، ليضمنوا حياة كريمة لأولادهم مستقبلاً. أما القسم الآخر، وهم الأقلية، فمازالوا يؤمنون بأفكار تنظيم الدولة، ويأملون في العودة إلى بلادهم الغربية، حاملين ذات الأفكار والمفاهيم، التي لا يرون فيها أي تطرف، وهو ما ترفضه بالطبع دولة مثل فرنسا، التي أصرت أنها ستدرس موقف المنتمين إلى القسم الأول، كل على حدى، أما أولئك المصرون على مفاهيم ما يسمى بالدولة الإسلامية، فترى فرنسا ضرورة محاكمتهم في سوريا أو العراق، وعدم السماح لهم بالعودة إليها. في حين لازالت بعض الدول الأوروبية الأخرى، مثل ألمانيا وبلجيكا، تدرس هذه الأزمة، ولم تتخذ قراراً حاسماً حتى الآن.

على أية حال فإن معظم الجهات الأمنية، بمختلف دول العالم، خاصة المهتمة بنشاط الجماعات الإرهابية، ومنهم مصر، تتابع عن كثب، وبدقة متناهية، تحركات هذه العناصر الإرهابية، الموجودة في مناطق الحدود السورية العراقية، في ظل بعض المحاولات لنقلها من هناك، إلى دولة ليبيا، عن طريق تركيا، وهو ما يمس الأمن القومي المصري، بصورة مباشرة.

وختاماً، أعتقد أن صدور القانون البريطاني، الجديد، سيفتح الباب أمام باقي دول أوروبا، لاتباع هذا النهج الرادع، لإنهاء أزمة العائدين من سوريا والعراق، حالياً، ولتفادي تكرار مثل هذه الأزمات، مستقبلاً، في أماكن مختلفة من العالم.



Email: sfarag.media@outlook.com