العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبدا جلياً أن الرئيس السيسي يعمل علي إعادة مصر إلي أفريقيا مرة أخري. وأري أن التحول المصري إلي أفريقيا، في الفترة القادمة، لابد أن يسير في عدة اتجاهات.

الاستراتيجية المصرية نحودول قارة أفريقيا
 

لواء د. سمير فرج

 22 سبتمبر 2017

تناولنا، عزيزي القارئ، في مقال سابق، الاستراتيجية المصرية نحودول القوي العظمي، المؤثرة في أمن مصر القومي. والتي تمثلت في استراتيجياتها نحوالولايات المتحدة الأمريكية، واستراتيجيتها نحوالدول الأوروبية، عدا روسيا، والتي أفردت مصر لها استراتيجية مستقلة بصرف النظر عن موقعها الجغرافي، ثم تناولنا استراتيجية مصر نحودول آسيا، وأخري نحودول جنوب غرب آسيا.

وفي مقال لاحق تناولنا الاستراتيجية المصرية نحوالدول العربية، كواحدة من خمس استراتيجيات مختلفة حددتها مصر في تعاملاتها، واتخاذ قراراتها الاستراتيجية مع الدول العربية، والدول الأفريقية، ودول حوض النيل، يليها دول حوض البحر الأحمر، ثم خامساً، وأخيراً، تأتي استراتيجية مصر نحودول حوض البحر المتوسط ... لما لكل منها من تأثير قريب ومباشر علي أمنها القومي.

نتحدث اليوم عن ثاني تلك الاستراتيجيات، وهي الاستراتيجية المصرية نحودول قارة أفريقيا ... التي زادت أهميتها، الآن، بالنسبة لمصر، عن أي وقت مضي. فمصر، التي تعتبر أكبر دولة في قارة أفريقيا، تأمل في المستقبل القريب أن تحصل علي العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ممثلة عن قارة أفريقيا، وهوما يستلزم جهداً كبيراً، يرقي إلي حد »المعركة السياسية»‬ في كواليس الأمم المتحدة. ولن نقول إن مصر، كدولة في أفريقيا، ترتكز علي قوتها النابعة من المكانة السياسية .. والاجتماعية .. والاقتصادية .. والسكانية .. والتاريخ والحضارة ... بل إن عليها استعادة قوتها، في أفريقيا، التي كانت لها منذ أكثر من خمسين عاماً، في عهد الرئيس عبد الناصر، الذي أنشأ »‬منظمة الوحدة الأفريقية» منذ ثلاثة وخمسين عاماً ... وساند جميع  حركات التحرر في أفريقيا ... وجمع حوله كل القادة الأفارقة ... فكانت مصر، بالنسبة لهم، »‬الأب الكبير» الذي يحتضن كل هذه الدول. بل امتدت مساعدات مصر، لتلك الدول، لتشمل المساعدات العسكرية؛ فعندما تعرضت نيجيريا، علي سبيل المثال، إلي حركات انفصالية في منطقة بيافرا، أرسل عبد الناصر، آنذاك، الطائرات المصرية لتدعم الحكومة النيجيرية في القضاء علي الانفصاليين ... ومن يومها تدين نيجيريا، باستقرارها، إلي مصر وزعامتها. واستقبلت مصر، أيامها، جميع حركات التحرير في القاهرة، وقدمت الدعم لجميع  تلك الحركات ... سياسياً .. واقتصادياً .. وعسكرياً. فضلاً عما قدمه عبد الناصر من مساعدات فنية واقتصادية لجميع  الدول الأفريقية، فقد كان التعاون الاقتصادي بين مصر وهذه الدول في أحسن صوره؛ فكان لشركة »‬مصر للتصدير والاستيراد» فروع  في لجميع  العواصم الأفريقية. وأرسلت مصر خبراءها من المدرسين، ورجال الدين، وخبراء الري والزراعة، إلي الدول الأفريقية. واستقبلت العديد من الطلاب الأفارقة في معاهدها وجامعاتها ... وعندما نمر اليوم علي »‬مدينة البعوث» في شارع صلاح سالم، يجب أن نتذكر أن هذه المدينة تم بناؤها، بالكامل، لاستقبال الطلبة الأفارقة، الوافدين للدراسة في المنشآت التعليمية المصرية. كل هذه الأعمال زادت من تقارب المصريين والأفارقة؛ فكانت زيارة القاهرة، يوماً، حلماً يراود الجميع في أفريقيا، باعتبارها عاصمة التنوير والثقافة.

وفي المجال العسكري ساعدت مصر العديد من الدول الأفريقية في بناء قواتهم المسلحة ... بل وشاركت القوات المصرية، ضمن قوات حفظ السلام، في مناطق التوتر في أفريقيا، مثلما حدث في الكونغو، عندما شاركت القوات العربية، آنذاك، بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي.. وفجأة حدث انهيار في التواجد المصري في أفريقيا ... ويمكن القول إن مصر ابتعدت، تماماً، عن أفريقيا ... بل ويمكن القول إن أفريقيا ابتعدت، هي الأخري عن مصر ... في جميع  المجالات. . فكانت المشاركة في مؤتمر القمة الأفريقية، أول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس السيسي بعد توليه رئاسة الجمهورية. وتتابعت زيارات الرئيس السيسي إلي أثيوبيا، والسودان، وجنوب أفريقيا ... إضافة إلي الزيارات الأفريقية التي قام بها المهندس إبراهيم محلب، إبان رئاسته لمجلس الوزراء. وبدا جلياً أن الرئيس السيسي يعمل علي إعادة مصر إلي أفريقيا مرة أخري. وأري أن التحول المصري إلي أفريقيا، في الفترة القادمة، لابد أن يسير في عدة اتجاهات:، الاتجاه السياسي من خلال وزارة الخارجية المصرية ... وأري أن أول إجراءاتها يجب أن يتمثل في عودة منصب وزير الدولة للشئون الأفريقية ... تلك الحقيبة التي حملها الدكتور بطرس غالي ... وأدارها باقتدار ... مؤدياً إلي زيادة التواجد المصري السياسي في دول أفريقيا، دونما أدني مساس بسيادة تلك الدول. ويكفي التدليل علي أهمية دوره، بما قدمته الدول الأفريقية من عون له، خلال معركته لتولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة. فبتعيين وزير دولة لأفريقيا، ستزيد الاتصالات مع الدول والحكومات الأفريقية ... وسيتم دعم أوجه الاستثمار والتعاون المشترك مع الدول الأفريقية ... كما يجب أن تستفيد الخارجية المصرية من وجود مصر كعضوغير دائم في مجلس الأمن، لتقف بجانب الدول الأفريقية عند عرض مشكلاتها علي المجلس ... فتصبح مصر، أمام المجتمع الدولي، مسئولة عن قضايا الأمن الأفريقي ... فيجب علي مصر المشاركة في القضايا الهامة، التي تمس الأمن القومي لدول أفريقيا، مثل مشكلة بوروندي، والنزاع القائم في جنوب السودان ... إضافة إلي التعاون مع دول أفريقيا في محاربة الإرهاب، خاصة بعد تولي مصر رئاسة إقليم شمال أفريقيا لمكافحة الإرهاب. واتصالاً بتلك الجهود السياسية والدبلوماسية، أقترح قيام الخارجية المصرية بعقد لقاء شهري مع السفراء الأفارقة بالقاهرة، لتنسيق مطالبهم من مصر في دعم قضاياهم من خلال عضوية مصر غير الدائمة في مجلس الأمن.

الاتجاه الثاني وهوالاتجاه العسكري ... وأعتقد أن جميع الدول الأفريقية، باستثناء دولة جنوب أفريقيا، في حاجة إلي دعم مصر العسكري ... سواء كان هذا الدعم في صورة أسلحة ومعدات .. أوتدريب .. أوتعاون في مجال المعلومات .. وغيرها ... المهم أن تتواجد مصر، بدعم عسكري لهذه الدول ... وأن تقطع الطريق علي كل من إسرائيل وإيران للتواجد العسكري في القارة!

الاتجاه الثالث، والأهم، وهوالاتجاه الاقتصادي ... حيث يجب التركيز علي أن تكون الصادرات المصرية هي المدخل إلي قلب أفريقيا ... وأن تكون الواردات المصرية من أفريقيا هي أحد العوامل المؤثرة في اقتصادات تلك الدول. وأؤكد أن تلك الروابط الاقتصادية ستكون أقوي المؤثرات في العلاقات مع الدول الأفريقية. فيجب عودة شركات النصر للاستيراد والتصدير لجميع  الدول الأفريقية، في كل المجالات ... وكذلك شركات المقاولات ... مثل المقاولون العرب ... لإنشاء مشروعات قومية كبري في هذه الدول. إضافة إلي تقديم الخبرات المصرية عن طريق وزارات الكهرباء والزراعة. فضلاً عن دعم صندوق التعاون الأفريقي ... وإحياء دور البنك المصري الأفريقي في تقديم القروض للدول الأفريقية، التي تتمتع بصوت له وزن في الأمم المتحدة، وغيرها من المحافل الدولية. وأرجوأن تكون المؤتمرات الاقتصادية المعنية بأفريقيا، والتي تعقد في، أومقرر عقدها، مصر، قد حققت ذلك القدر من التعاون في المجال الاقتصادي. كما أرجوأن تدرج تلك المؤتمرات علي الأجندة السنوية لمصر، لتصبح فرصة لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في أعوام سابقة، وكيفية تنميته في عام مقبل، وبهذا تصبح مصر هي المحرك الرئيسي للمحور الاقتصادي لكل الدول الأفريقية.

وأخيراً، الاتجاه الثقافي، والذي لا يقل أهمية عن سابقيه ... فلا يجب إغفال دور الأزهر والكنيسة، لتدعيم العلاقات الدينية مع هذه الدول ذات الصبغة الإسلامية والمسيحية، علي حد سواء. أما البعثات التعليمية، فعلي مصر العودة، مرة أخري، لتوفير المنح الدراسية في مصر لطلاب الدول الأفريقية، في جميع المجالات العلمية. وأن يفتح معهد الدراسات الأفريقية أبوابه للمصريين والأفارقة مجدداً، لدراسة مشكلات القارة الأفريقية والوصول إلي أساليب حلها. يضاف إلي ذلك، فرص عديدة للتعاون في مجالات الإعلام، والسينما، والثقافة بشكل عام، والتي تجذب إليها الشباب، وتشكل أفكارهم ووجدانهم؛ فيجب إقامة مهرجانات وفعاليات ثقافية، تجمع مصر مع كل  الدول في أفريقيا. وفي سياق متصل، فإن اختيار (الكاف) الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، لمقره في القاهرة، ما يوضح أهمية مصر بالنسبة لأفريقيا علي الصعيد الرياضي ... وهوما يجب العمل علي إثرائه، من خلال زيادة عدد هذه الاتحادات الرياضية، الأفريقية في مصر، وذلك بتقديم التسهيلات المناسبة، سواء الأرض، أوالمباني، أوالتنظيم، لكي تصبح مصر قلب القارة الأفريقية في مجال الرياضة.. كانت تلك نبذة، مختصرة، عن استراتيجية مصر نحوقارة أفريقيا، ودولها، وما تمثله من بعد أمني بالنسبة لمصر ... وسوف نتناول، في مقالات لاحقة، الحديث عن باقي الاستراتيجيات التي تتبعها مصر سواء مع دول حوض النيل، أومع دول حوض البحر الأبيض المتوسط، أوتلك التي حددتها للتعامل مع دول حوض البحر الأحمر.



Email: sfarag.media@outlook.com