العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ويمكن القول أن أفريقيا، الآن، تمثل أهمية كبيرة لمصر ... فمصر، التي تعتبر أكبر دولة في قارة أفريقيا، تأمل في المستقبل القريب أن تحصل على العضوية الدائمة في مجلس الأمن.

 دوائر الأمن القومي المصري ... الدائرة الأفريقية

لواء أ.ح. دكتور/ سمير فرج

 

في إطار متابعة دوائر الأمن القومي المصري؛ الدائرة العربية، والأفريقية، والبحر الأحمر، ودائرة حوض نهر النيل، والبحر المتوسط،نستعرض اليوم واحدة من أهم الدوائر التي تؤثر تأثيراً مباشراً في الفكر المستقبلي في مصر ... وفي أمنها القومي ... خلال السنوات القادمة ... وهي الدائرة الأفريقية.

ويمكن القول أن أفريقيا، الآن، تمثل أهمية كبيرة لمصر ... فمصر، التي تعتبر أكبر دولة في قارة أفريقيا، تأمل في المستقبل القريب أن تحصل على العضوية الدائمة في مجلس الأمن، ممثلة عن قارة أفريقيا، وهو ما يستلزم جهداً كبيراً، يرقى إلى حد ’المعركة السياسية’ في كواليس الأمم المتحدة. ولن نقول أن مصر، كدولة في أفريقيا، ترتكز على قوتها النابعة من المكانة السياسية .. والاجتماعية .. والاقتصادية .. والسكانية .. والتاريخ والحضارة ... بل إن عليهااستعادة قوتها، في أفريقيا، التي كانت لها منذ أكثر من خمسين عاماً، في عهد الرئيس عبد الناصر، الذي أنشأ "منظمة الوحدة الأفريقية" منذ ثلاثة وخمسون عاماً ... وساند كافة حركات التحرر في أفريقيا ... وجمع حوله كل القادة الأفارقة ... فكانت مصر، بالنسبة لهم، ’الأب الكبير’ الذي يحتضن كل هذه الدول. بل امتدتمساعدات مصر،لتلك الدول، لتشمل المساعدات العسكرية؛ فعندما تعرضت نيجيريا، على سبيل المثال، إلى حركات انفصالية في منطقة بيافرا، أرسل عبد الناصر، آنذاك، الطائرات المصرية لتدعم الحكومة النيجيرية في القضاء على الانفصاليين ... ومن يومها تدين نيجيريا، باستقرارها، إلى مصر وزعامتها. واستقبلت مصر، أيامها، جميع حركات التحرير في القاهرة، وقدمت الدعم لكافة تلك الحركات ... سياسياً .. واقتصادياً .. وعسكرياً. فضلاً عما قدمه عبد الناصر من مساعدات فنية واقتصادية لكافة الدول الأفريقية،فقد كان التعاون الاقتصادي بين مصر وهذه الدول في أحسن صوره؛ فكان لشركة "مصر للتصدير والاستيراد" فروعاً في كافة العواصم الأفريقية. وأرسلت مصر خبراءها من المدرسين، ورجال الدين، وخبراء الري والزراعة، إلى الدول الأفريقية. واستقبلت العديد من الطلاب الأفارقة في معاهدها وجامعاتها ... وعندما نمر اليوم على "مدينة البعوث" في شارع صلاح سالم، يجب أن نتذكر أن هذه المدينة تم بناءها، بالكامل، لاستقبال الطلبة الأفارقة، الوافدين للدراسة في المنشآت التعليمية المصرية. كل هذه الأعمال زادت من تقارب المصريين والأفارقة؛ فكانت زيارة القاهرة، يوماً، حلماً يراود الجميع في أفريقيا، باعتبارها عاصمة التنوير والثقافة.

وفي المجال العسكري ساعدت مصر العديد من الدول الأفريقية في بناء قواتهم المسلحة ... بل وشاركت القوات المصرية، ضمن قوات حفظ السلام، في مناطق التوتر في أفريقيا، مثلما حدث في الكونغو، عندما شاركت القوات العربية، آنذاك، بقيادة الفريق سعد الدين الشاذلي.

وفجاءة حدث انهيار في التواجد المصري في أفريقيا ... ويمكن القول أن مصر ابتعدت، تماماً، عن أفريقيا ... بل ويمكن القول أن أفريقيا ابتعدت، هي الأخرى عن مصر ... في كافة المجالات.

فكانت المشاركة في مؤتمر القمة الأفريقية، أول زيارة خارجية يقوم بها الرئيس السيسي بعد توليه رئاسة الجمهورية. وتتابعت زيارات الرئيس السيسي إلى أثيوبيا، والسودان، وجنوب أفريقيا ... إضافة إلى الزيارات الأفريقية التي قام بها المهندس إبراهيم محلب، إبان رئاسته لمجلس الوزراء. وبدا جلياً أن الرئيس السيسي يعمل على إعادة مصر إلى أفريقيا مرة أخرى. وأرى أن التحول المصري إلى أفريقيا، في الفترة القادمة، لابد أن يسير في عدة اتجاهات:

الاتجاه السياسي من خلال وزارة الخارجية المصرية ... وأرى أن أول إجراءاتها يجب أن يتمثل في عودة منصب وزير الدولة للشئون الأفريقية ... تلك الحقيبة التي حملها الدكتور بطرس غالي ... وأداراها باقتدار ... مؤدياً إلى زيادة التواجد المصري السياسي في دول أفريقيا، دونما أدنى مساس بسيادة تلك الدول. ويكفي التدليل على أهمية دوره، بما قدمته الدول الأفريقية من عون له، خلال معركته لتولي منصب الأمين العام للأمم المتحدة. فبتعيين وزير دولة لأفريقيا، ستزيد الاتصالات مع الدول والحكومات الأفريقية ...وهنا، لا يفوتنا الإشادة بدور وزارة الخارجية المصرية في تنظيم "منتدى الاستثمار في أفريقيا"، بالتعاون مع منظمة (الكوميسا)، الذي عقد في شرم الشيخ في منصف الشهر الماضي، لدعم أوجه الاستثمار والتعاون المشترك مع الدول الأفريقية ... كما يجب أن تستفيد الخارجية المصرية من وجود مصر كعضو غير دائم في مجلس الأمن، لتقف بجانب الدول الأفريقية عند عرض مشكلاتها على المجلس ... فتصبح مصر، أمام المجتمع الدولي، مسئولة عن قضايا الأمن الأفريقي ... فيجب على مصر المشاركة في القضايا الهامة، التي تمس الأمن القومي لدول أفريقيا، مثل مشكلة بوروندي، والنزاع القائم في جنوب السودان ... إضافة إلى التعاون مع دول أفريقيا في محاربة الإرهاب، خاصة بعد تولي مصر رئاسة إقليم شمال أفريقيا لمكافحة الإرهاب. واتصالاً بتلك الجهود السياسية والدبلوماسية، أقترح قيام الخارجية المصرية بعقد لقاء شهري مع السفراء الأفارقة بالقاهرة، لتنسيق مطالبهم من مصر في دعم قضاياهم من خلال عضوية مصر غير الدائمة في مجلس الأمن.

الاتجاه الثاني وهو الاتجاه العسكري ... وأعتقد أن جميع الدول الأفريقية، باستثناء دولة جنوب أفريقيا، في حاجة إلى دعم مصر العسكري ... سواء كان هذا الدعم في صورة أسلحة ومعدات .. أو تدريب .. أو تعاون في مجال المعلومات .. وغيرها ... المهم أن تتواجد مصر، بدعم عسكري لهذه الدول ... وأن تقطع الطريق على كل من إسرائيل وإيران للتواجد العسكري في القارة!

الاتجاه الثالث، والأهم، وهو الاتجاه الاقتصادي ... حيث يجب التركيز على أن تكون الصادرات المصرية هي المدخل إلى قلب أفريقيا ... وأن تكون الواردات المصرية من أفريقيا هي أحد العوامل المؤثرة في اقتصادات تلك الدول. وأؤكد أن تلك الروابط الاقتصادية ستكون أقوى المؤثرات في العلاقات مع الدول الأفريقية. فيجب عودة شركات النصر للاستيراد والتصدير لكافة الدول الأفريقية، في كافة المجالات ... وكذلك شركات المقاولات ... مثل المقاولين العرب ... لإنشاء مشروعات قومية كبرى في هذه الدول. إضافة إلى تقديم الخبرات المصرية عن طريق وزارات الكهرباء والزراعة.فضلاً عن دعم صندوق التعاون الأفريقي ... وإحياء دور البنك المصري الأفريقي في تقديم القروض للدول الأفريقية، التي تتمتع بصوت له وزن في الأمم المتحدة، وغيرها من المحافل الدولية. ونرجو أن يكون مؤتمر شرم الشيخ الذي عقد في شهر فبراير الماضي، قد حقق ذلك القدر من التعاون في المجال الاقتصادي. كما أرجو أن يدرج هذا المؤتمر على الأجندة السنوية لمصر، ليكون فرصة لمتابعة ما تم الاتفاق عليه في عام سابق، وكيفية تنميته في عام مقبل، وبهذا تصبح مصر هي المحرك الرئيسي للمحور الاقتصادي لكل الدول الأفريقية.

وأخيراً، الاتجاه الثقافي، والذي لا يقل أهمية عن سابقيه ... فلا يجب إغفال دور الأزهر والكنيسة، لتدعيم العلاقات الدينية مع هذه الدول ذات الصبغة الإسلامية والمسيحية، على حد سواء. أما البعثات التعليمية، فعلى مصرالعودة، مرة أخرى، لتوفير المنح الدراسية في مصر لطلاب الدول الأفريقية، في جميع المجالات العلمية. وأن يفتح معهد الدراسات الأفريقية أبوابه للمصريين والأفارقة مجدداً، لدراسة مشكلات القارة الأفريقية والوصول إلى أساليب حلها. يضاف إلى ذلك، فرص عديدة للتعاون في مجالات الإعلام، والسينما، والثقافة بشكل عام، والتي تجذب إليها الشباب، وتشكل أفكارهم ووجدانهم؛ فيجب إقامة مهرجانات وفعاليات ثقافية، تجمع مصر مع كافة الدول في أفريقيا. وفي سياق متصل، فإن اختيار (الكاف) الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، لمقره في القاهرة، ما يوضح أهمية مصر بالنسبة لأفريقيا على الصعيد الرياضي ... وهو ما يجب العمل على إثراءه، من خلال زيادة عدد هذه الاتحادات الرياضية، الأفريقية في مصر، وذلك بتقديم التسهيلات المناسبة، سواء الأرض، أو المباني، أو التنظيم، لكي تصبح مصر قلب القارة الأفريقية في مجال الرياضة.

وفي النهاية أقول أن أفريقيا، هي أهم الدوائر الاستراتيجية لمصر ... ويجب أن تعود مرة أخرى لمصر ... إن أصوات الدول الأفريقية التي يمكن أن تدعم مصر في أي محفل دولي خلال الفترة القادمة، قادرة على نقل مصر نقلة نوعية على مستوى العالم، وليس على مستوى أفريقيا فحسب. فبهذا الدعم الأفريقي، قد تصبح مصر ممثلاً دائماً لأفريقيا في مجلس الأمن ... وهو ما تستحقه مصر بين دول أفريقيا والعالم.

Email: sfarag.media@outlook.com