العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

حتى التقيت الفنان عادل إمام، فبادرته متسائلاً عما إذا كان يخشى زحام المرور، وهو ما دفعه للوصول مبكراً، فقال لى "الفنان لازم يعيش دوره فى المسرحية ... ويدور فى الكواليس ... والديكور ... ليكون جاهزاً لتقديم العرض"

عادل إمام
 

لواء د. سمير فرج

 29 يونيو 2017


يعد مسرح الجلاء للقوات المسلحة، التابع لإدارة الشئون المعنوية، من أهم أدوات رفع الروح المعنوية لأفراد القوات المسلحة ... ووسيلة لمكافأة المتميزين من القادة والضباط. وعادة ما كنت، وأنا مدير لإدارة الشئون المعنوية، استقدم الفرق المسرحية الموجودة على الساحة الفنية، لتقديم عروضها لعدة أيام، قد تمتد إلى أسبوع على الأكثر، نظير مقابل مادى رمزى لهذه الفرق. وأكاد أجزم بأن جميع الفرق المسرحية، فى مصر، خلال السنوات السبع التى توليت فيها إدارة الشئون المعنوية، قد قدمت عروضها على هذا المسرح. وجرت التقاليد على أن يكون حضور تلك العروض المسرحية، للقادة والضباط المتميزين بالقوات المسلحة المصرية، فهذا أحسن قائد كتيبة مدفعية، وهذا أحسن قائد سرية استطلاع ... وهكذا كانت تتم مكافأة القادة والضباط، على مدى العام التدريبي، فى كل الجيوش، والمناطق، والأسلحة، مثل الجوية والبحرية والدفاع الجوي. ولم يكن التكريم يقتصر على شخص الضابط فقط، بل يمتد ليشمل أسرته، التى تتكبد عناء ومشقة غياب رب الأسرة عن بيته لمدد تطول لشهور، تتولى الزوجة فيها رعاية الأسرة والمنزل والأبناء. لذا كانت تنظم السيارات لإحضار الضباط وأسرهم، لحضور العروض المسرحية، فى إطار خطة القوات المسلحة المصرية لتكريم أبنائها وقاداتها المتفوقين ... وهو أسلوب الثواب المتبع فى القوات المسلحة. نعود إلى المسرحيات التى كانت تقدم على مسرح الجلاء، والتى كانت تبدأ فى الثامنة من مساء ليلة العرض، فكنت عندما أسأل مدير المسرح عن جاهزية الفرقة، يجيبني، فى بعض الأحيان، بأن بطل العرض لم يصل بعد، ولكنه قد شارف على الوصول، وبما أن أول دخول له يكون بعد عشرين دقيقة من بداية العرض، فإن العرض سيبدأ فى موعده. وفى حين أننى لم أتدخل يوماً فى إدارة الفرق المسرحية التى نستضيفها، إلا أننى لم أكن أخفى استغرابي، من أن هذا البطل لم ير المسرح من قبل، ومع ذلك سيصل إليه بعد رفع الستار، وبداية العرض!

ورأيت صورة، ونموذجاً مختلفاً، عند استضافة مسرحية «الزعيم، للفنان الكبير عادل إمام ... منذ أكثر من عشرين عاماً ... فبعد الاتفاق على عرض المسرحية والمدة، أفادنى مدير مسرح الجلاء، برغبة الفنان عادل إمام بتحديد موعد له لزيارة المسرح، قبل العرض بعدة أيام، لرؤيته والتعرف عليه. وتم تحديد الموعد المناسب، وحضر الفنان القدير، بالفعل، وتفقد المسرح، وإمكاناته. وكان له تعليق واحد، وهو أنه يرفض تمييزه عن باقى نجوم العرض، وذلك عندما وجد أن من بين الغرف المخصصة للنجوم، أربع غرف فقط هى المكيفة. فما كان مني، أمام تواضعه، إلا أن أصدرت أمراً بتكييف باقى الغرف المستخدمة لفنانى العروض المسرحية. وعندما علم من مدير المسرح، أننا نقوم بتقديم وجبة خفيفة للعاملين بالمسرحية، طلب أن تقدم ذات الوجبة كذلك لكل نجوم العرض على حد السواء، وهو ما أكده له مدير المسرح، بأن تعاملاتنا فى القوات المسلحة تكون مع البشر كإنسان، وليس كمركز أو كمنصب أو كمكانة.

وجاء طلبه الأخير، وغير المعتاد بالنسبة لنا، فلقد طلب أن يجرى بروفة للمسرحية، على خشبة مسرح الجلاء، قبل العرض الرسمى بيومين. ونفذنا له طلبه، وجاء يوم البروفة بكامل نجومها، وجميع العاملين عليها، من عمال الديكور، والإضاءة، والصوت، وعمال النقل، وغيرهم. واستمرت البروفة لأكثر من أربع ساعات متواصلة، كل فرد يعرف دوره، ويتدرب عليه، طبقاً لإمكانات المسرح الجديد عليهم.

وجاء يوم العرض الأول ... ووصلنى اتصال هاتفي، فى تمام السادسة مساء، من مدير المسرح، يخبرنى فيه بأن الفنان عادل إمام، وجميع الفنانين، والعاملين بالمسرحية، قد وصلوا إلى المسرح قبل العرض بساعتين كاملتين. وما إن وصلت إلى المسرح، حتى التقيت الفنان عادل إمام، فبادرته متسائلاً عما إذا كان يخشى زحام المرور، وهو ما دفعه للوصول مبكراً، فقال لى «الفنان لازم يعيش دوره فى المسرحية ... ويدور فى الكواليس ... والديكور ... ليكون جاهزاً لتقديم العرض»، مؤكداً أن هذه هى طقوس عمله، وجميع الفنانين والعاملين معه، على خشبات المسارح الخاصة، حتى وإن طال العرض لسنوات عديدة متتالية، فإنه يرى أن وجودهم قبل بداية العمل بساعتين، ضرورة لا يمكن التنازل عنها، ليعيش الجميع فى جو العمل، وهو ما يضمن نجاحه. ومن المشاهد التى أذكرها دوماً، فى أحد أيام عرض المسرحية، أن منتخب مصر لكرة القدم كان يلعب مباراة النهائى فى بطولة كأس أفريقيا، فى الساعة السادسة مساء، وذهبت حينها إلى المسرح، ورأيت جميع نجوم العمل، والعاملين به، يتوسطهم النجم عادل إمام، قد افترشوا الأرض أمام شاشة عرض كبيرة، كانت قد أعدت لهم خصيصاً لهذا الغرض، ليستمتعوا بالمباراة، التى انتهت، والحمد لله، بفوز مصر. واستمر عرض المسرحية لمدة أسبوعين كاملين، يتخلله كل هذه الذكريات الجميلة، وهى أطول مدة عرض، لأى عمل مسرحي، فى تاريخ مسرح الجلاء ... رأيت، خلالها، أسرة فنية مترابطة ... لا فرق بين زعيم الكوميديا فى العالم العربي، وأى فرد آخر من أعضاء العمل الفني، فأدركت ساعتها، أن نجاح أعماله الفنية، اعتمدت على موهبة عادل إمام، ثم على ذكائه فى إدارة منظومة العمل.

رصدت لكم كل هذه المشاهد، ليس مدحاً فى شخص الفنان عادل إمام، وهو القامة الفنية العالية، الذى تفخر به الأمة العربية، وليس مصر فحسب، وإنما قصدت أن أوجه رسالة إلى شباب مصر، المقبلين على حياة جديدة، وتحديات أكبر، يحلم كل منهم فيها أن يحقق نجاحاً عظيماً ... أقول لهم إن الموهبة ليست كل النجاح ... هي، فقط، بداياته ... إنما النجاح الحقيقي، الذى يضمن مستقبلاً مزدهراً، يكمن فى حب العمل، والإخلاص له، والتفانى فيه، والعمل بروح الفريق، والإصرار عند الفشل، والتواضع عند النجاح. فكم من موهوبين، فى شتى المجالات، ضلوا طريقهم وأصبحوا أطلالاً، وأشباح نجوم. أما الفنان عادل إمام، فقد عرف طريقه منذ اليوم الأول، وأصر عليه، وأصبح مثلاً أعلى للنجاح والنجومية، فاستحق أن يكون زعيم الكوميديا العربية بجدارة.



Email: sfarag.media@outlook.com