العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

والواقع أن الدستور التركي، الذي وضعة أتاتورك، كان يعطي للجيش الحق في التدخل، إذا ما شعر بأن الدولة بدأت تحيد عن طريق العلمانية.

 كنت ملحقا ًعسكرياً .. بتركيا

لواء أ.ح. دكتور/ سمير فرج

 

ثلاث سنوات عشتها ملحقاً عسكرياً لمصر في تركيا ... وكانت، هذه الفترة، من أهم السنوات التي شهدت تغيراً كبيراً في نمط الحياة السياسية في تركيا ... كان ذلك في أوائل التسعينات، عندما بدء تحول تركيا من الدولة العلمانية، التي أسسها مصطفى كمال أتاتورك، والتي كانت ترفض أن يكون للتيار الديني أي تواجدفي الحكم. في هذا التوقيت ظهر نجم الدين أربكان، مؤسساً لأول حزب ديني، هوحزب الرفاة... والذي تحول فيما بعد إلى حزب العدالة والتنمية. يومها كان رجب طيب أردوغان رئيساً لبلدية إسطنبول (عمدةالمدينة)، وصاحب هذا، أيضاً، بداية لظهور التيار الإسلامي في الحكم المحلي في تركيا.

ولقد عاصرت هذا التحول في بداياته ... عندما كان تورجوت أوزال رئيساً للجمهورية ... وكان يليه في الأقدمية، والأهمية، داخل الدولة، رئيس أركان الجيش التركي، طبقاً لتعاليم أتاتورك ... يليه من بعد ذلك رئيس الوزراء، سليمان ديميريل. وعندما صار ديميريل رئيساً للدولة، بعد وفاه تورجوت أوزال، بدأت أولى خطوات التغيير، بأن أصبح رئيس أركان الجيش التركي يلي رئيس الوزراء في البرتوكول، وكان ذلك أول تحول في البناء السياسي للدولة في تركيا ... مع ظهور حزب الرفاة الإسلامي.

والواقع أن الدستور التركي، الذي وضعة أتاتورك، كان يعطي للجيش الحق في التدخل، إذا ما شعر بأن الدولة بدأت تحيد عن طريق العلمانية، وهو البند الذي تم تغييره بعد ذلك في الدستور. فضلاً عن أن الانقلابات العسكرية العديدة التي شهدتها تركيا خلال الفترات السابقة، قد صنعت حاجزاً من الخوف لدى الأحزاب التركية، خاصة المعارضة... فقدت جرت العادة في تركيا على أن يكون تجميد الأحزاب، وإيقاف نشاطها هو أول القرارات، بعد كل انقلاب... وهو ما كان واحداً من عدة أسباب، أدت إلى فشل الإنقلاب العسكري الأخير على أردوغان، والذي لم يستمرلأكثر من 11 ساعة.

ومن ناحية فنية، أُرجع أسباب فشل الإنقلاب، إلى عدة أسباب أخرى، منها أولاً اختيار التوقيت؛ فقد جاءت المحاولة للإنقلاب على أردوغان، بعدما أوشك على الانتهاء من حلمشاكله معروسيا، وما تلاها من عودةالسياحةالروسيةإلىتركيا. وهو نفس التوقيت الذيأعاد فيه العلاقات التركية-الإسرائيلية إلى وضعها الرئيسي، مما يعني عودة التجارة البينية بين الدولتين. فلو كانت محاولة الانقلاب قدتمت منذ عدة أشهر، عندما كانت المظاهرات تملأ شوارع إسطنبول منددة بسياسة إردوغان، وكان يتم تفريقها بمنتهى القوة والوحشية، فلربما تقبل الشعب التركي، حينئذ، المشاركة في هذاالإنقلاب.

أما ثاني الأسباب لفشل الانقلاب، فتكمن في سوء التخطيطلهذاالعمل، وبالشكل الذي يتناسب مع حجم وقوة الجيش التركي، الذي يعتبر ثاني قوة عسكرية في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة الأمريكية؛ فقد اعتمد قادة الانقلاب على قوات محدودة، منهم، على سبيل المثال، لواء مشاة ميكانيكي في إقليم حتايا على الحدود مع سوريا، كما لم يتم إبلاغ باقي قادة تشكيلات الجيش التركي، الذي فوجئوا بمحاولة الإنقلاب، ولم يكن أمامهم الوقت لاتخاذ القرار بتأييد قوته. وقد يكون لقادة الإنقلاب العذر، في ذلك، لأن إدخال قوات كثيرة في عملية بتلك الطبيعة، من شأنه التأثير على سريتها. وكما كان التخطيط ضعيفاً، فإن التنسيق كان أضعف، فلقدخرجت قوات الجيش، المشاركة في المحاولة، إلى الشوارع والميادين، دون تعليمات أو أهداف واضحة.

أما أهم أسباب فشل هذا الانقلاب، فكان افتقاده لتأييد الظهير الشعبي في تركيا؛ فلم تتعاطف الجماهيروقوى الشعب مع قوة الانقلاب‘ بسبب التجارب القاسية التي عاشها الشعب التركي من تاريخه في الانقلابات العسكرية. وكان أكبر دليل، والذي يعد مفاجأة للبعض، هو أن أحزاب المعارضة اتفقت، بإجماعها، على الوقوف ضد محاولة الانقلاب، وهو ما أعزوه، كما ذكرت من قبل، إلى سابق خبرتهم من إيقافهم، وتجميد عملهم في أعقاب كل محاولة للإنقلاب على الحكم القائم، فخرجت العملية خالية من أي اعمال تنسيق ... أو تأييد من هذه القوى الحزبية الممثلة لعموم الشعب.

ولقد تساءل البعض عن كيفية تمكن الشرطة المدنية التركية من اعتقال عناصر من الجيش التركي، وهو عكس حسابات موازين القوى المتعارف عليها دولياً، وهو ما لم يكن مفاجأة بالنسبة لي في الحالة التركية ... فنتيجة للمظاهرات التي جرت في تركيا في الفترة السابقة، نجح أردوغان في تقوية جهاز الشرطة، وتم تغيير كوادره بالكامل، لضمان ولاءها لشخصه، فكان أول اختبار لها في التدخل ضد قوات الجيش التركي، بمساندة الميليشيات المسلحة التابعة لحزب التنمية والعدالة، والتي شهد العالم صوراً لها، غاية في البشاعة واللإنسانية.

وبصرف النظر عن نجاح المحاولة الانقلابية من فشلها، إلا أنها، بالتأكيد، سوف تضعف من وضع أردوغان كحاكم، وسوف تقضي على آمال تركيا في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي ... الذي كان حلماً لتركيا، تعمل على تحقيقه، منذثلاثين عاماً .. كما سيسطر التاريخ، هذه المحاولة، كنقطة سوداء في تاريخ أردوغان ... وتاريخ تركيا الحديث.

وأرى أنه من الإجحاف تشبيه ما حدث في تركيا بما حدث في مصر،عندم اتخلصت من حكم الإخوان المسلمين... فجيش مصر، على مر تاريخه، يتحرك استجابة للإرادة الشعبية، وتلبية لمطالب الشعب. وهنا استرجع كلمات وشهادة السيدة مادلين أولبريت، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، عندما قالت لي في واشنطن، أنها تأثرت من دعم الشعب المصري لقواته المسلحة، وثقتهم فيها، وهو ما دفعهم لمطالبتها بالتخلص من حكم الإخوان المسلمين ... وتأكد لها ذلك بعد تولي الرئيس السيسي لمقاليد الحكم، ورفعه لأسعارالوقود، وهو ما لم يقدم عليه أي رئيس مصري خلال الأربعين عاماً السابقة، فما كان من الشعب المصري إلا أن أيدهذاالقرار.

وهو ما يدلل بالفعل على عظمة هذا الشعب المصري ... وتاريخه العظيم. فلولا التأييد والثقة المتبادلة بين الشعب المصري وقواته المسلحة، لما نجحت مصر في التخلص من حكم الإخوان المسلمين. لذلك، وبعد ماحدث في تركيا ...نقول ... عظيم ياشعب مصر.

Email: sfarag.media@outlook.com