العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
المباريات الحربية، هى أعلى مستويات التدريب فى الدورات التدريبية فى كليات القادة والأركان.
|
المباريات الحربية والقوات المسلحة المصرية
لواء د. سمير فرج
|
10 مايو 2025
|
المباريات الحربية، هى أعلى مستويات التدريب فى الدورات التدريبية فى كليات القادة والأركان، وكليات الحرب العليا، وكليات الدفاع فى مختلف المنشآت التعليمية فى العالم. وهى تُعتبر أحد مفاهيم الفكر العسكرى الذى يُدرس فى أعظم وأرقى مستويات التعليم فى الأكاديميات العسكرية فى نهاية الدورات التعليمية التى تستمر لمدة عام تقريبًا.
ولكن هذا الفكر والأسلوب لم يكن يُتبع فى الكليات العسكرية العليا فى الاتحاد السوفيتى، والتى كنا نتبعها ونسير على خطاها بعد ثورة يوليو 1952. ولذلك لم نكن نستخدم ذلك الأسلوب التعليمى فى الأكاديميات العسكرية المصرية. ولكن مع بدء الانفتاح العلمى العسكرى، الذى أطلقه الرئيس أنور السادات، بعد أكتوبر 1973، تقرر سفر مبعوثين مصريين إلى دول حلف الناتو، التى تعتنق الفكر العسكرى الغربى، لكى نتعرف على أساليبهم للقتال حيث إن إسرائيل تتبع الفكر الغربى وعلى أساليب التدريب للقادة والضباط، وبالتالى بدأنا نتعرف على شكل جديد فى التدريب، وهى المباريات الحربية.
ولقد كنت من أول هؤلاء المبعوثين عندما تقرر سفرى إلى إنجلترا لحضور دورة كلية القادة والأركان فى كلية كامبرلى الملكية. وهناك، لأول مرة، حضرت وشاهدت هذا النوع الجديد من التدريب، وكانت تجربة رائعة. ولذلك، فور عودتى من البعثة، عندما تم استدعائى لمقابلة المشير الجمسى، وزير الحربية آنذاك، وقدمت له تقريرى عن البعثة، وما هو الجديد الذى يمكن أن تستفيد منه القوات المسلحة من تجربة الدراسة فى المعاهد العسكرية الغربية خارج مصر.
وكانت أهم هذه العناصر التى قررنا نقلها للاستفادة بها فى القوات المسلحة هى المباراة الحربية أو «War Game». وعلى الفور، صدرت أوامر السيد وزير الحربية آنذاك بتطبيق هذا الأسلوب فى التدريب فى كلية الأركان حرب المصرية. وتم إلحاقى لمدة شهر بأكاديمية ناصر العسكرية لإدخال هذا النوع من التدريب وتدريسه فى كلية الحرب العليا (High War College) وكلية الدفاع (Defense College).
وتقوم فكرة المباراة الحربية على تقسيم طلبة الدورة إلى قسمين أو فريقين. الأول يمثل الدولة المصرية بكل تنظيمها: مجلس الوزراء، وزير الدفاع، باقى الوزراء، مركز عمليات الدولة، إدارة المخابرات، التى تكون مسؤولة عن إدارة المعركة الحربية ضد العدو... إلخ.
أما القسم الثانى، فهو يمثل الدولة المعادية. وأتذكر أننا فى إنجلترا، ونحن نجرى التدريب على هذه المبادرة الحربية، كان القسم الأول يمثل الحكومة البريطانية، بما فيها وزارة الدفاع البريطانية (MOD)، ورئاسة الأركان، وإدارة المخابرات، وغيرها. أما القسم الثانى، فكان يمثل الدولة المعادية، وكانت آنذاك هى الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو.وبالطبع، تم وضعى فى هذه المباراة كممثل للدولة السوفيتية، لأننا كنا ندرس فى مصر الفكر العسكرى الشرقى، ولقد كانت الفكرة الإسرائيلية لتنفيذ هذه المبادرة الحربية فى كلية كامبرلى إنجلترا عام 1974، تقوم على حدوث أساس توتر بين بريطانيا والاتحاد السوفيتى واحتمالات حدوث حرب.
وكانت المرحلة الأولى من المباراة تركز على كيفية إدارة الأزمة ومحاولة تجنب الدخول فى حرب بين البلدين. ويبرز فيها دور الدبلوماسية لتجنب الحرب، وكذلك دور وزارة الدفاع البريطانية، ورئاسة الأركان، للاستعداد للحرب وإعلان التعبئة وتجهيز خطط الحرب، مع إبراز دور الإعلام فى تهيئة المجتمع البريطانى للأعمال المنتظرة.
ومع تطور الأزمة فى المباراة الحربية، نصل إلى مرحلة الحرب. وعلى الجانب الآخر، ظهر دور دولة الاتحاد السوفيتى فى إدارة هذه المرحلة، سواء على المستوى الدبلوماسى أو العسكرى. وبالطبع، كنت أمثل الدولة السوفيتية، ومعى مجموعة من الطلبة البريطانيين وبعض من دول أخرى يمثلون باقى عناصر دولة الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو، سواء وزارة الدفاع أو الخارجية،... إلخ.
وجاءت المرحلة الثانية من المباراة، عندما بدأت أعمال الحرب التقليدية (غير النووية)، حيث عرض كل جانب خطته العسكرية. وتمثلت القوات البريطانية فى وجودها بمسرح عمليات غرب أوروبا، أساسًا فى ألمانيا. ثم جاء دور القوات السوفيتية، التى كنت أنا أدير معركتها، ومعى مجموعة من الضباط الإنجليز والأجانب. وتم اختيارى لهذا المنصب فى المباراة الحربية لأننا فى مصر ننتهج العقيدة الشرقية (السوفيتية)، حيث تم عرض الخطط العمليات وأسلوب إدارة القتال فى ذلك الوقت.
وفى الأسبوع الماضى، كنت فى زيارة إلى كلية الدفاع، وخلال وجودى هناك، شرفنى مدير كلية الدفاع، لكى أشاهد تنفيذ المباراة الحربية فى نهاية دورة كلية الدفاع– والتى تُعرف الآن بـ«المباراة السياسية»– بين دولتين، بالطبع الدولة المصرية ودولة معادية.
واستمرت هذه المباراة السياسية لمدة أسبوعين كاملين، شارك فيها الدارسون ممثلين كل طرف عن وزارات ومؤسسات الدولة. وحقيقى، لقد انبهرت جدًا بالمستوى الراقى لكل الطلبة والدارسين وبالتطور الذى شهدته كلية الدفاع المصرية فى استخدام أحدث التكنولوجيا، وخاصة الحاسبات الإلكترونية، وأدوات السوشيال ميديا. خاصة أن كلية الدفاع من بين طلابها دارسون من مختلف الوزارات المصرية.
حيث كانت جميع وزارات الدولة المصرية ممثلة فى هذه المباراة من الطلبة، وكل وضع خطة كل وزارة وأسلوب عملها، سواء فى المرحلة التحضيرية للأزمة أو لإدارة المعركة.
ومن الإجراءات التى اتبعتها كلية الدفاع فى تلك المباراة أنها تعاونت مع خبراء فى هذا المجال، حيث حضر أحد وزراء الخارجية السابقين المصريين لمتابعة مجموعة الدارسين التى تمثل وزارة الخارجية. كما شارك مندوب من جهاز التعبئة العامة والإحصاء لمتابعة خطة التعبئة، وكذلك كانت هناك متابعة من كل أجهزة الدولة المصرية لمتابعة الدارسين.
وقد كان اشتراك الدارسين من الدول العربية والإفريقية فى هذا العمل الضخم شيئًا رائعًا، وسعدت جدًا به وبالمستوى العالى الذى قدموه، وبحجم الوثائق والخرائط التى أنتجتها المباراة. حقيقة، تقدم علمى رائع تنفذه العسكرية المصرية بهذا المستوى العلمى المتميز.
وكان التطور رائعًا فى تلك المباراة فى كلية الدفاع، إذ أبلغنى مدير أكاديمية ناصر، أن القرارات وخطط المباراة السياسية يتم إرسالها إلى كلية الحرب العليا التى تدير الجزء الثانى فى المباراة، ومنها إلى كلية القادة والأركان، التى تنفذ الجزء الثالث فى مباراتها الحربية.
ولأن الحروب تنتهى دائمًا باتفاقيات السلام، فإنها تعود مرة ثانية إلى كلية الدفاع لإعداد مشاورات اتفاقية السلام. وحقيقى، كان شيئًا مشرفًا لمستوى التدريب الراقى لضباط القوات المسلحة، فى أسلوب إدارة الحرب بكل جديد لكى نرى القوات المسلحة، بكل هذه الكليات والطلبة، تعمل فى نظام واحد متناسق.
وهكذا تستمر عمليات التطوير فى القوات المسلحة، خاصة فى الجانب الأكاديمى والتعليمى، بهدف خلق قادة مصريين قادرين على تولى المسؤولية فى قيادة القوات المسلحة المصرية، ولكى يطمئن شعب مصر دائمًا أن لديه قوات مسلحة قادرة على حماية الأمن القومى المصرى.
Email: sfarag.media@outlook.com
|