العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ومن هنا، أصبح ٩ من مارس كل عام هو ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض.

يوم الشهيد فى ذاكرة المصريين
 

لواء د. سمير فرج

 15 مارس 2025


جاء يوم ٩ من مارس ١٩٦٩م وأنا ضابط برتبة النقيب قائد سرية مشاة أدافع عن الخط الأمامى لقواتنا المسلحة، وأمامى مباشرة على مسافة ٢٠٠ متر كان يمر فى مواجهة قناة السويس خط بارليف الإسرائيلى خلال فترة حرب الاستنزاف التى استمرت ست سنوات. وخلال هذه الفترة، كان يمر علينا أسبوعيًا الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، لكى يتابع تطوير الدفاعات المصرية ومدى استكمالها، ويتابع آثار خطة تدمير دفاعات خط بارليف التى كانت تنفذها المدفعية المصرية فى خطة الضرب المباشر لتدمير وإزالة هذا الخط.

كالعادة، فى هذا اليوم ٩ من مارس، قام الفريق عبدالمنعم رياض بالمرور، ومعه كبير الخبراء الروس آنذاك، واللواء عبدالتواب هديب مدير إدارة المدفعية، وظل تواجدهم معى فى الموقع حوالى ١٠ دقائق، حيث شاهدوا نتائج التدمير. وبعد ذلك، تابعوا التحرك فى اتجاه الإسماعيلية. وبعد ساعة تقريبًا، جاء خبر استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض أثناء تفقده نتائج تدمير خط بارليف فى منطقة الإسماعيلية.

ومن هنا، أصبح ٩ من مارس كل عام هو ذكرى استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض، ليكون الاحتفال بيوم الشهيد فى مصر. وبذلك أصبح الشهيد الفريق عبدالمنعم رياض أول رئيس أركان حرب قوات مسلحة فى تاريخ الحروب الحديثة يستشهد على الخط الأمامى للدفاع.

وقد تخرج الفريق عبدالمنعم رياض فى الكلية الحربية المصرية عام ١٩٤١، واشترك فى الحرب العالمية الثانية، ضد ألمانيا وإيطاليا، حيث كان قائداً لإحدى البطاريات المضادة للطائرات، فى المنطقة الغربية. وخلال عامى ١٩٤٧ و١٩٤٨ التحق بإدارة العمليات المصرية، ونال وسام الجدارة العسكرية ليتدرج بعدها، فى المراكز حتى قيادة الدفاع المضاد للطائرات، عام ١٩٥٤. وفى مايو ١٩٦٧، بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن، عُين قائدًا للجبهة الأردنية، فى أثناء حرب ٦٧، بعدها عاد إلى مصر ليتولى رئاسة أركان حرب القوات المصرية، بعد هزيمة ١٩٦٧.

عقب استشهاده، كرمه الرئيس عبدالناصر، برتبة الفريق أول، وأقيمت له جنازة عسكرية وشعبية، من ميدان التحرير، ترأسها الرئيس الراحل عبدالناصر، وخلفه جموع شعب مصر العظيم. واعتبر يوم استشهاده هو يوم الشهيد فى مصر وأطلق اسمه على أشهر ميادين القاهرة، بجوار ميدان التحرير، وتم وضع تمثال له فيه، فضلًا عن إطلاق اسمه على العديد من الشوارع والميادين والمدارس فى مختلف مدن مصر.

وفى هذا الصدد، أذكر، يوم سفرى إلى إنجلترا، فى عام ١٩٧٥، للدراسة بكلية كمبرلى الملكية، وفور وصولى لمطار هيثرو، وبعدها بدأت مصر فى تخليد هذه الذكرى بالاحتفال فى ذلك اليوم، حيث تم إنشاء العديد من النصب التذكارية للشهداء مصر.

بالعاصمة البريطانية، لاحظت أن جميع العاملين بالمطار، وكذا عدد من المسافرين، يضع كل منهم، فى عروة معطفه، وردة حمراء، يتوسطها دائرة سوداء، وتكرر المشهد بين ركاب مترو الأنفاق، أثناء توجهى لمحل إقامتى، ورأيت نفس المشهد عند وصولى للفندق، وعرفت، لاحقًا، أثناء متابعة نشرة الأخبار، أن اليوم يوافق ذكرى «عيد المحاربين»، فى إنجلترا، وهم شهداء وجرحى الحروب السابقة لبريطانيا العظمى.

وفى المساء، وعلى شاشات التلفاز، شاهدت ملكة إنجلترا، يصاحبها رئيس الوزراء البريطانى، وجميع أعضاء حكومته، وممثلى البرلمان البريطانى يلتقون بعدد من جرحى هذه الحروب، وممثلين عن أسر الشهداء، فى احتفال رسمى، لوضع أكاليل الزهور على نصبهم التذكارية، تقديرًا، وعرفانًا، لما قدمه هؤلاء الأبطال لأوطانهم، وشعوبهم، من تضحيات. وهى ذات الطقوس والمراسم، التى تتبعها الكثير من البلاد الأخرى، مع اختلاف التاريخ، فمثلًا، الجزائر، بلد المليون، وأكثر، شهيد، تخلد ذكراهم فى يوم ١٨ فبراير، من كل عام. بينما تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية بذكرى أبطالها، بعطلة فيدرالية تعرف باسم «Memorial Day»، فى الاثنين الأخير من شهر مايو، من كل عام. أما الصين فتحتفل، سنويًا، فى يوم ٣٠ سبتمبر، بيوم الشهيد، حيث تكرم ذكرى الأبطال فى ميدان تيانامن، أكبر ميادين العاصمة بكين.

فقد تم إنشاء «النصب التذكارى» لشهداء مصر، فى منطقة مدينة نصر، بعد حرب ١٩٧٣، الذى صُمم على شكل هرم، رمز العمارة المصرية العريقة، وعلى أضلاعه كتبت أسماء الشهداء المصريين، المختلفين فى انتماءاتهم الدينية، والمتحدين فى الدفاع عن مصر فى حروبها المجيدة. وعند النصب التذكارى، دُفنت رفات أبناء الجنود المصريين، الذين لم يتم التعرف عليهم بعد حرب ٧٣، ليكون «قبر الجندى المجهول» رمزًا لكل شهداء مصر، الذين ننعم اليوم بالأمن والرخاء، بفضل تضحياتهم. كما تم إنشاء نصب تذكارى، فى كل محافظات مصر، لتكريم شهدائها، فما من بقعة فى أرض مصر، إلا وجادت بخيرة رجالها، للدفاع عن الوطن.

كما اهتمت القوات المسلحة بإنشاء نصب تذكارية فى جميع محافظات مصر لتكريم الشهداء من أبناء كل محافظة الذين ضحوا بإهداء بأرواحهم فى سبيل مصرنا الغالية.

وما يشدنى دائما فى احتفالات الأعياد المصرية بعد صلاة العيد قيام الرئيس السيسى بدعوة أسر الشهداء والأبناء فى احتفالات العيد لكى يقدم لهم التهنئة. ولكى يشهد الجميع أن الأسرة التى قدمت الشهيد للوطن، ولكن الوطن لم ينسهم، وقبلها بشهر، عادة ما تتصل إدارة الشؤون المعنوية للقوات المسلحة والعلاقات العامة بالداخلية، وباقى الوزارات المسؤولة عن أسر الشهداء، لكى تسأل كل أسرة. ماذا يريد الطفل فى العيد من أب مسؤول، حيث إن ذلك يؤكد أن مصر ترعى هؤلاء الأبناء؟، وأعتقد أنها لفتة كريمة من رب الأسرة المصرية، عندما يستقبلهم دائمًا ويقدم لهم هذه الهدايا فى العيد، ودائمًا أقول إنه يجب ألا تقتصر الاحتفال على مراسم الدولة فقط، بل يجب أن يكون خلال المدارس والجامعات ومراكز الشباب ومن خلال التواصل مع وسائل الإعلام، لكن يعيش الشعب كله هذا الاحتفال فى هذا اليوم، ويقدم قدوة لكل الأبناء لكى يتعرفوا ماذا قدم هؤلاء الشهداء الشجعان لمصرنا العزيزة على مر السنين.



Email: sfarag.media@outlook.com