العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
أذكر أول رمضان مر عليّ، بعد سفرى لليمن.
|
رمضان فى الجيش
لواء د. سمير فرج
|
14 مارس 2025
|
كنت أقضى أيام وليالى رمضان، فى طفولتى وشبابي، فى مدينتى الحبيبة بورسعيد، واستمتع بطقوسها الرائعة، فى هذا الشهر الفضيل، حتى انتقلت إلى القاهرة، للالتحاق بالكلية الحربية، التى تخرجت فيها بعد عام ونصف العام، للانضمام لصفوف القوات المصرية المحاربة، حينئذ فى اليمن، فكنت أصغر ضابط تخرج من الكلية الحربية، عمرى لم يتجاوز السابعة عشرة.
أذكر أول رمضان مر عليّ، بعد سفرى لليمن، وأذكر تفاصيل أول عملية عسكرية أشبك بها، وأنا ضابط حديث الرتبة والسن، فى عمر 18 عاماً، حينما كُلّفتُ، أنا وفصيلتي، بالهجوم على منطقة «التبة السوداء»، وهى منطقة محدودة المساحة، لا تستوعب إلا نحو 50 مقاتلا، فاقتحمنا الجبل، ونجحنا فى صد هجوم الفصائل اليمنية المضادة، واستُشهد، فى هذا اليوم، شاويش القنصلية.. فى اليوم التالي، استيقظت على بلاغ من القائد يطلب منى التمسك بموقعي، لحين وصول قوات من صنعاء لفك الحصار، بعدما تم حصار قوتي، وهو ما قد يستغرق يومين أو ثلاثة. فى اليوم الأول، كان معنا ما نسميه «تعيين الطوارئ»، وهو قالب فولية، استخدمناه للسحور فى الليلة السابقة. وفى اليوم التالي، لم يكن لدينا ما نأكله عند أذان المغرب، فنظرت حولي، ولم أجد إلا الجبل، الذى تنبت عليه بعض الحشائش، المستخدمة فى رعى الأغنام.
إلا أننى لمحت قرية أسفل الجبل، بها بئر من مياه الأمطار، فجلسنا نراقبها لساعات، حتى تأكدت أن أهلها قد هجروها، بسبب شدة النيران، فقررت إرسال دورية لاستكشافها، وفق خطة محكمة لتأمين أفراد الدورية، والحفاظ على سلامتهم، على أمل أن نجد بالقرية ما يسد رمقنا، أنا وجنودي. ونزل عدد من الجنود، بالفعل، إلى القرية، إلا أنهم وجدوها خالية، وأن الأهالى حملوا متاعهم قبل مغادرتهم، حتى صاح أحد الجنود، عبر اللاسلكي، «يا فندم ... فى أشولة زبيب!»
فيبدو أن أهالى القرية تخصصوا فى زراعة العنب، الذى تشتهر به اليمن، إذ وجد الجنود الكثير من جوالات الزبيب، التى تركها الأهالى خلفهم، لعدم قدرتهم على حملها فى رحلتهم. وعاد جنودى سالمين، يحملون ثلاث من جوالات الزبيب، وبعض المياه من بئر القرية، اعتمدنا عليهم، طيلة الأيام الثلاثة التى قضيناها فى أعلى الجبل، لإعداد وجبة شهية من الزبيب المنقوع فى الماء، لتناولها فى الإفطار والسحور.
ومنذ ذلك الوقت، وحتى يومنا هذا، لازال طبقى الأول، بعد الشوربة، هو الزبيب المنقوع فى الماء، الذى تحرص أسرتى على تجهيزه لي، طوال أيام شهر رمضان، تخليداً لذكرى أيام قضيتها على جبال اليمن، لم أنساها يوماً، كما لم أنس أى من تفاصيل أيامى بالجيش المصرى العظيم.
Email: sfarag.media@outlook.com
|