العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وهو اليوم الذى استشهد فيه الجنرال الذهبى، الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية.

مصر تحتفل بيوم الشهيد
 

لواء د. سمير فرج

 13 مارس 2025


تحتفل مصر، فى التاسع من مارس، من كل عام، بيوم الشهيد، وهو اليوم الذى استشهد فيه الجنرال الذهبى، الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال حرب الاستنزاف، عندما فاضت روحه إلى بارئها فى ذلك اليوم من عام 1969، على الخط الأمامى للدفاعات المصرية على قناة السويس، فى سابقة تُعد الأولى فى التاريخ العسكرى العالمى، أن يستشهد رئيس أركان قوات مسلحة على الخط الأمامى.

كان سيادته، رحمه الله، قد قام فى صباح ذلك اليوم بالمرور على خط الدفاع الأول للقوات المسلحة على الضفة الغربية لقناة السويس، على بُعد 200 متر، هو عرض القناة، من قوات العدو الإسرائيلى، التى كانت تبنى حينها خط بارليف، أقوى الحصون الدفاعية فى تاريخ العسكرية العالمية. ذلك الخط الذى وضعت القيادة المصرية خطة لتدميره بنيران المدفعية المصرية، بالضرب المباشر، وتم تنفيذ هذه الخطة فى عدة أيام، كان آخرها يوم 8 مارس عام 1969، وهو ما دفع رئيس الأركان المصرى، فى صباح اليوم التالى يوم الاستشهاد ـ للمرور أمام كل نقطة من خط بارليف ليطّلع بنفسه على مقدار وحجم التدمير الذى ناله. وكان بصحبة سيادته مدير سلاح المدفعية، آنذاك، وعدد من كبار القادة.

وفى هذا اليوم بالذات، قام سيادته بالمرور على موقعى، حيث كنت قائد سرية مشاة أدافع عن الخط الأول للدفاعات المصرية، وأمامى، على مسافة 200 متر، يوجد خط بارليف الدفاعى الإسرائيلى. يومها، توقف سيادته فى موقعى، ومعه مدير المدفعية، وبعض القادة والخبراء الروس، فى سيارتى جيب روسيتين بأربعة أبواب، والتى كانت مخصصة لكبار قادة القوات المسلحة. واستمر وجودهم فى موقعى، بعض الوقت، لمراقبة حجم التدمير فى نقاط خط بارليف، أمام موقع سريتى فى نقطة «التبة المسحورة»، ونقطة «الملاحظة»، وهى أسماء كنا نطلقها على نقاط خط بارليف.

وبعد المعاينة، اتجه إلى الإسماعيلية، وعند وصوله إلى الموقع رقم ستة، فى نقاط الدفاعات المصرية، لمراقبة خط بارليف، من هناك، يبدو أن الجانب الإسرائيلى لاحظ وجود سيارات الجيب الروسية ذات الأبواب الأربعة، واستنبط وجود كبار قادة القوات المسلحة، فحدث تراشق بالنيران بين القوات المصرية والقوات الإسرائيلية، وانفجرت إحدى طلقات المدفعية الإسرائيلية بالقرب من الحفرة التى كان يقف فيها الفريق رياض، وتطايرت شظاياها، لتصيبه إحداها ويستشهد فى الحال، بعد 32 عاما قضاها فى الخدمة بالقوات المسلحة المصرية.

تخرج الفريق عبدالمنعم رياض فى الكلية الحربية المصرية عام 1938، واشترك فى الحرب العالمية الثانية، ضد ألمانيا وإيطاليا، حيث كان قائدا لإحدى البطاريات المضادة للطائرات، فى المنطقة الغربية. وخلال عامى 1947 و1948 التحق بإدارة العمليات المصرية، ونال وسام الجدارة العسكرية، ليتدرج، بعدها، فى المراكز حتى قيادة الدفاع المضاد للطائرات، عام 1954. وفى مايو 1967، بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن، عُين قائدا للجبهة الأردنية، فى أثناء حرب 1967، بعدها عاد إلى مصر ليتولى رئاسة أركان حرب القوات المصرية، بعد هزيمة 1967.

عقب استشهاده، كرمه الرئيس عبدالناصر، برتبة الفريق أول، وأقيمت له جنازة عسكرية وشعبية، من ميدان التحرير، تقدمها الرئيس الراحل عبدالناصر، وخلفه جموع شعب مصر العظيم. واعتبر يوم استشهاده هو يوم الشهيد فى مصر، وأطلق اسمه على أشهر ميادين القاهرة، بجوار ميدان التحرير، وتم وضع تمثال له فيه، فضلا عن إطلاق اسمه على العديد من الشوارع والميادين والمدارس فى مختلف مدن مصر.

واستمرارا للاحتفاء ببطولة شهداء مصر، الذين قدموا أرواحهم فى سبيل رفعة شأنها، فقد تم إنشاء النصب التذكارى لشهداء مصر فى منطقة مدينة نصر بعد حرب ١973، والذى صُمم على شكل هرم، رمز العمارة المصرية العريقة، وعلى أضلاعه كُتبت أسماء الشهداء المصريين، المختلفين فى انتماءاتهم الدينية، والمتحدين فى الدفاع عن مصر فى حروبها المجيدة. وعند النصب التذكارى، دُفنت رفات الجنود المصريين الذين لم يتم التعرف عليهم بعد حرب 1973، ليكون «قبر الجندى المجهول» رمزا لكل شهداء مصر، الذين ننعم اليوم بالأمن والرخاء بفضل تضحياتهم. واتبع نفس النهج فى جميع محافظات مصر بإنشاء نُصب تذكارية فى أشهر ميادينها، لإحياء ذكرى يوم الشهيد، فى جميع المحافظات، فى كل عام.

ومما لا شك فيه، أن الشعب المصرى يدرك، تمام الإدراك، أنه لولا تضحيات هؤلاء الشهداء لما كنا اليوم ننعم بالسلام الذى يعيشه شعب مصر العظيم، ولما بدأنا تنفيذ الخطط الاستثمارية وبناء المدارس والمستشفيات. فما نعيشه اليوم، هو حصاد تضحيات الأمس، التى بذلها المحارب المصرى، دون تردد، والتى كانت روحه أغلاها. وما نقدمه، اليوم، من تكريم لهؤلاء الشهداء، بإطلاق أسمائهم على المدارس والطرق والمحاور، أو نشر سيرهم وتضحياتهم لأجل أبناء مصر فى جميع مراحل التعليم، إنما هو نقطة فى بحور تضحياتهم.

وقد أسهم الإعلام المصرى فى استيفاء حق الشهداء، من خلال الأعمال السينمائية والدرامية التى قدمها، مؤخرا، لتجسيد جهود وتضحيات هؤلاء الأبطال فى الدفاع عن أمن مصر وسلامتها، ليلمس كل مواطن مصرى قيمة ما قدمه هؤلاء الشهداء لشعب مصر، ويستشعر قيمة عطائهم، ويدرك أننا نعيش، دائما، من خير هؤلاء الأبطال، الذين لا ننساهم، أبدا، بعدما قدموا للوطن أعظم ما يملكون، وهى أرواحهم الطاهرة.

فاسمحوا لى أن استخدم قلمى، والمساحة المخصصة لمقالى، لأتقدم لهم، ولأسرهم الكريمة، بكل الشكر والتقدير والعرفان، على ما قدموه لمصرنا الغالية.



Email: sfarag.media@outlook.com