العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

يوم الشهيد، الذى خلدته مصر رمزاً لمن قدموا أرواحهم، عبر السنين، فداء لها.

أغلى أيام مصر
 

لواء د. سمير فرج

 7 مارس 2024


تحتفل مصر يوم السبت المقبل، 9 من مارس، بأغلى أيامها، وهو يوم الشهيد، الذى خلدته مصر رمزاً لمن قدموا أرواحهم، عبر السنين، فداء لها، ولأمنها، واستقرارها، ورخائها، وسيادتها. وقد اختارت مصر هذا التاريخ، تحديداً، لموافقته ذكرى استشهاد الجنرال الذهبى، الفريق أول عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال حرب الاستنزاف بين مصر وإسرائيل، الذى استشهد فى ذلك اليوم من عام 1969، على الخط الأمامى للدفاعات المصرية، على الضفة الغربية لقناة السويس، وأمامه خط بارليف الإسرائيلى، على مسافة 200 متر، هى عرض قناة السويس. استشهد البطل المصرى وهو يتفقد الدفاعات المصرية، فى سابقة لم تحدث فى التاريخ العسكرى من قبل، أن يستشهد رئيس أركان حرب قوات مسلحة على الخط الدفاعى الأول!

تعرفت، لأول مرة فى حياتى، على معنى احتفال الدول بيوم الشهيد، عندما ابتعثت إلى إنجلترا، فى عام 1975، للدراسة فى كلية كمبرلى الملكية، إذ لاحظت وفور وصولى لمطار هيثرو، بالعاصمة البريطانية، لندن، أن جميع العاملين بالمطار، وكذا عدد من المسافرين، يضع كل منهم، فى عروة معطفه، وردة حمراء، يتوسطها دائرة سوداء، وتكرر المشهد بين ركاب مترو الأنفاق، أثناء توجهى لمحل إقامتى، ورأيت نفس المشهد عند وصولى للفندق، وعرفت، لاحقاً، أثناء متابعة نشرة الأخبار، أن ذلك اليوم يوافق ذكرى عيد المحاربين فى إنجلترا، وهم شهداء وجرحى الحروب السابقة لبريطانيا العظمى فى كل حروبها السابقة.

وفى المساء، وعلى شاشات التلفاز، شاهدت ملكة إنجلترا، يصاحبها رئيس الوزراء البريطانى، وجميع أعضاء حكومته، وممثلو البرلمان البريطانى، يلتقون عددا من جرحى تلك الحروب، وممثلين عن أسر الشهداء، فى احتفال رسمى، لوضع أكاليل الزهور على نصبهم التذكارية، تقديراً وعرفاناً، لما قدمه هؤلاء الأبطال لأوطانهم، وشعوبهم من تضحيات. وهى ذات الطقوس والمراسم، التى تتبعها الكثير من البلاد الأخرى، مع اختلاف التاريخ، فمثلاً، الجزائر بلد المليون شهيد وأكثر، تخلد ذكراهم فى يوم 18 فبراير من كل عام، بينما تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية بذكرى أبطالها، بعطلة فيدرالية تعرف باسم Memorial Day، فى الاثنين الأخير من شهر مايو، من كل عام، وتحتفل الصين، سنوياً، فى يوم 30 سبتمبر، بيوم الشهيد، حيث تكرم ذكرى الأبطال فى ميدان تيان آن من أكبر ميادين العاصمة بكين.

أما فى مصر، فقد تم إنشاء النصب التذكارى لشهداء مصر، بعد حرب أكتوبر 1973، الذى صُمم على شكل هرمى، رمزاً للعمارة المصرية العريقة، وعلى أضلاعه كتبت أسماء عدد من الشهداء المصريين، المختلفين فى انتماءاتهم الدينية، والمتفقين فى هدف واحد هو الدفاع عن مصر، فى كل حروبها المجيدة، وأسفل النصب التذكارى، دُفنت رفات أبناء مجموعة من الجنود المصريين، الذين لم يتم التعرف عليهم بعد الحرب، ليكونوا أساس قبر الجندى المجهول كرمز لكل شهداء مصر، الذين ننعم اليوم بالأمن والرخاء، بفضل تضحياتهم. كما تم إنشاء نصب تذكارية، فى كل محافظات مصر، لتكريم شهدائها، فما من بقعة فى أرض مصر، إلا وجادت بخيرة رجالها، للدفاع عن الوطن. ولاحقاً، انضم إليهم قبر الرئيس الراحل أنور السادات، بطل الحرب والسلام، الذى طالته يد الغدر، واستُشهد فى نفس المكان،أثناء الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر.

ومثل كل عام، ستبدأ مراسم الاحتفال، بهذا اليوم، بتشريف السيد رئيس الجمهورية القائد الأعلى للقوات المسلحة، يصاحبه القائد العام للقوات المسلحة وكبار قادتها، وكبار رجال الدولة، لوضع أكاليل الزهور على النصب التذكارى، وقبر الجندى المجهول، وقبر الرئيس الراحل أنور السادات، صانع قرار حرب أكتوبر العظيمة، وهو ما يتزامن معه وضع أكاليل الزهور على النصب التذكارية للجيوش الميدانية، وبكل محافظات مصر. يتبع ذلك أداء صلاة الجمعة التى يحرص السيد رئيس الجمهورية على أدائها مع قادة القوات المسلحة، ويعقبها تقليد أصيل، أسسه الرئيس السيسى، وهو دعوة أسر الشهداء والأبناء إلى لقاء موسع معهم لتناول الإفطار، فى احتفال أسرى رائع، للتأكيد أن الوطن لم ولن ينسى، أبداً، أبناءه المخلصين.

يتضمن الإعداد للاحتفال بذلك اليوم، أن تتصل إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، وإدارة العلاقات العامة بالداخلية، وباقى أجهزة الدولة المسئولة عن أسر الشهداء، قبله بشهر، بكل أسر الشهداء، من القوات المسلحة والشرطة المصرية، للاستعلام عما يتمناه أبناء شهدائها من هدايا، أو ما نطلق عليها بالعامية العيدية، وذلك ليقدمها لهم رب الأسرة المصرية، الرئيس السيسى، بنفسه خلال استقبالهم، ولقائه بهم. أما من يتعذر حضوره للقاء، فتتولى القوات المسلحة والشرطة المصرية تسليمهم هداياهم فى منازلهم، فى لفتة كريمة، لتأكيد رعاية مصر أبناء شهدائها.

وكما تحرص الدولة على الاحتفاء بالشهيد، فأتمنى، كما كررتها مراراً، ألا يقتصر هذا الدور على المراسم الرسمية، فقط، بل أن يمتد كذلك إلى المدارس والجامعات ومراكز الشباب، فى يوم التاسع من مارس، من كل عام، سواء من خلال كلمات الصباح فى المدارس، أومن خلال التواصل مع وسائل الإعلام، ولا مانع من دعوة بعض أسر أولئك الشهداء، فى كل محافظة، ليستلهم الجيل الجديد القدوة، وليتعرف على عظمة تضحيات شهداء مصر البواسل الذين جادوا بأرواحهم، فى جميع حروبها، على مر السنين، وآخرها حرب القضاء على الإرهاب، لكى يعيش الشعب فى أمن وطمأنينة، ويشهد ذلك الاحتفال، فى هذا اليوم الغالى.



Email: sfarag.media@outlook.com