العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ثم وجه الخبراء أنظارهم للجنرال شارون، مترقبين الرد على سؤاله عن أكبر مفاجآت حرب أكتوبر بالنسبة للإسرائيليين.

أنا والجنرال شارون على شاشة بى بى سى «2»

 

لواء د. سمير فرج

 2 أكتوبر 2023


فى مقالى، الأسبوع الماضى،استعرضت ملابسات مشاركتى فى برنامج بانوراما، البرنامج الحوارى الأشهر فى بريطانيا، وأوروبا، حينئذ، الذى يذاع،على الهواء مباشرة، مساءالأحد، على شاشات التليفزيون البريطانى بى بى سى، ويقدمه أشهر مقدمى البرامج، آنذاك، إدجار آلان.ورويت كيفية تحول مشاركتى من مجرد حوار إلى مناظرة بينى وبين الجنرال أرييل شارون، أحد أبرز القادة الإسرائيليين فى حرب أكتوبر 73، والذى أصبح رئيس اًلوزراء إسرائيل، لاحقاً.

وفى اليوم المحدد لإذاعة البرنامج، دخلنا الاستوديو، وجلس إدجار آلان فى المنتصف، وعن يمينه الجنرال شارون، وجلست أنا عن يساره، وبدأ البرنامج بعرض تسجيل لطرفى المناظرة؛ فحكى الجنرال شارون كيفية بدء المعركة مع المصريين، يوم 6 أكتوبر، وسرد سير العمليات من وجهة النظر الإسرائيلية.أما التسجيل الخاص بى فتضمن عرضاً للخطة المصرية، التى مكنتنا من عبور القناة، وتدمير خط بارليف.

وبعد انتهاء الفقرات المسجلة، التى امتدت لنصف الساعة لكل منا، بدأ أعضاء مركز الدراسات الاستراتيجية فى لندن، فى توجيه أسئلتهم بناء على ما قدمناه عن الخطة المصرية والخطة الإسرائيلية، وكان السؤال الأول من نصيبى، ونصه لقد ذكرت أن تخطيط تلك الحرب كان مصرياً مائة بالمائة، إلا أن دراسة سير أعمال القتال، وطبقاً لخرائط الأقمار الصناعية الأمريكية، كان تقدمكم فى الحرب إلى الخط الأول بعمق 3 كيلومترات، ثم الخط الثانى بعمق 9 كيلومترات، والثالث بعمق 15 كيلومترا، متطابقاً مع العقيدة السوفيتية، ألا تعتبر ذلك دليلاً على أن التخطيط كان روسياً؟

فطلبت من هيئة التحكيم التدقيق فى الخرائط التى قدمتها، والتى توضح أن الخط لم يكن مستقيماً، بل كان يزيد على 2 كيلومتر ولا يصل إلى 3 كيلومترات، مضيفاً أن الوصول لهذه الخطوط كان محكوماً بمدى حائط الصواريخ المصرى، لتغطية الخطوط التى تصل إليها قواتنا، وهو ما يثبت أن التخطيط كان مصرياً.

فبادرتنى هيئة التحكيم بالسؤال الثانى، عن أسباب عدم استغلال قواتنا نجاحها يوم 9 أكتوبر، فى التقدم للمضايق، بعد صد الهجوم المضاد الإسرائيلى، الذى خسرت خلاله إسرائيل 400 دبابة، وهو رقم مخيف، على حد تعبيرهم. فوضحت لهم أن المهمة التى تحددت للقوات المصرية، هى القيام بعملية عسكرية محدودة، وفقاً لإمكاناتها، فى ضوء رفض السوفيت، قبل الحرب، إمداد مصر بصواريخ سام المتحركة، والتى كان بإمكانها العبور خلف القوات وتأمينها حتى نصل إلى المضايق.

ثم حان دور الجنرال شارون فى الرد على السؤال الموجه له عن أسباب تأخر قياداته فى استدعاء الاحتياطى، وفشل هجماتهم المضادة لتدمير المصريين وإعادتهم لغرب القناة؟ فأجاب شارون بأن جولدا مائير،رئيسة الوزراء الإسرائيلية، ووزير دفاعها موشى ديان، هما المسئولان عن تأخر استدعاء الاحتياطى، أما فشل الهجوم المضاد فيرجع لسوء تخطيط الجنرال جونين، قائد الجبهة الإسرائيلية أمام مصر، الذى عُزل من منصبه بعد الحرب.

فانتقلت لجنة التحكيم إليّ بسؤال عن كيفية النجاح فى عبور القناة، وصد الاحتياطات الإسرائيلية المدرعة، رغم كوننا بدون دبابات؟ فأجبت بأن الفريق الشاذلى قد نظم دفاعاتنا بفكر جديد، فى «التوجيه 41»، فى رأس الكوبرى باستخدام الأسلحة المضادة للدبابات مع المشاة، دون انتظار للدبابات. وقد أشاد الخبراء الاستراتيجيون والعسكريون، من معهد الدراسات الاستراتيجية بذلك الفكر الجديد، مؤكدين ضرورة تطبيقه فى أى عمليات عسكرى قادمة.

ثم وجه الخبراء أنظارهم للجنرال شارون، مترقبين الرد على سؤاله عن أكبر مفاجآت حرب أكتوبر بالنسبة للإسرائيليين، وعما إن كانت فى هجوم المصريين يوم عيد الغفران وهو عيد دينى لإسرائيل، أم تزامن الهجوم المصرى والسورى على جبهتين فى وقت واحد، أم إغلاق مصر مضيق باب المندب، أم اختيار مصر للساعة الثانية ظهراً لبدء الهجوم، أم هجوم المصريين على كامل المواجهة، أم مفاجأة أخرى من وجهة نظره؟

والحقيقة أن رد شارون فاجأنى شخصياً، إذ أجاب بأنهم توقعوا الهجوم المصرى عاجلاً أو آجلاً، إلا أن المفاجأة الحقيقية، من وجهة نظره، كانت الجندى المصرى، مضيفاً أنهم خاضوا حروباً ضد مصر فى 1956 و1967، ومن خلال استجوابه الأسرى المصريين، استطاع أن يلمس الفرق بينهم وبين أسرى حرب 1973، الذين اكتشف أنهم، جميعاً، من خريجى الجامعات، عكس سابقيهم ممن لم يجيدوا القراءة والكتابة.

ولم يكتف شارون بتلك الشهادة فى حق الجنود المصريين، وإنما أضاف عليها ما لمسه من روح قتالية عالية، وبأس شديد، بل وساق بنفسه الأدلة على ذلك، عندما روى أنه كان متقدماً فى اتجاه الإسماعيلية، بعشر دبابات، فخرج من بين شجر المانجو ستة جنود مصريين، من الكوماندوز، يحملون مدافع RPJ، وهو ما يعنى هلاكهم، حتماً، لعدم تكافؤ القوة، ورغم ذلك، فقد دمروا ست دبابات إسرائيلية، قبل أن نقتلهم.واختتم إجابته بضرورة أن يراعى الجيش الإسرائيلى، طبيعة الجندى المصرى الجديد، فى حال اضطر لمواجهته مستقبلاً.

وهنا سألته لجنة التحكيم عما إن كانت مسئوليته عن خسائر إسرائيل فى معركة غرب القناة، التى فاقت خسائرها فى حربى 56 و67، مجتمعتين، السبب وراء تسميته بالجنرال الدموي؟ وهنا ثار شارون صارخاً أنا رفعت العلم الإسرائيلى فوق إفريقيا... أنتم تغارون منى لأننى جنرال ناجح، فلحقته اللجنة بتعليق، ولكنك انسحبت ولم تحقق شيئاً، واحتدم النقاش، وكاد يترك المنصة، لولا تدخل إدجارآلان لتهدئة الموقف.

وانتهت أشهر مناظرة فى التاريخ العسكرى بانتصار جديد لمصر،وهزيمة أخرى لإسرائيل، إذ حصلت مصر على ثمانى نقاط، مقابل أربع لشارون.



Email: sfarag.media@outlook.com