العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لم تكن عملية إغراق المدمرة إيلات هى العملية الوحيدة، أو الأخيرة، التى تنفذها البحرية المصرية بنجاح ضد العدو الإسرائيلي.

ذكرى إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات
 

لواء د. سمير فرج

 19 أكتوبر 2023


فى يوم 21 أكتوبر من عام 1967، نجحت البحرية المصرية فى إغراق المدمرة الإسرائيلية إيلات، أمام سواحل بورسعيد،. تلك المعركة العظيمة، التى نفذها أبطال البحرية المصرية، بواسطة لنشى صواريخ، انطلقا من ميناء بورسعيد، فور أن رصدت قاعدة بورسعيد البحرية، هدفا كبيرا، على شاشات الرادار المصرية، مخترقاً المياه الإقليمية المصرية. فانطلق اللنشان، على الفور، واستطاعا إصابة المدمرة بصاروخ فى جانبها، فبدأت تميل، فلاحقاها بصاروخ ثانٍ، أجهز عليها تماماً، لتغرق عندئذ، وعلى متنها 199 فردا، منهم 99 من طلبة الكلية البحرية الإسرائيلية، كانوا فى رحلة تدريبية... وتدخلت رئاسة الأركان الإسرائيلية بعدها، وطلبت من مصر السماح لها بانتشال جثث الغرقى، فسمحت لهم مصر بذلك.

كانت تلك العملية السبب فى تغيير مفهوم الفكر العسكرى البحرى فى العالم كله، من حيث نوع وحجم القطع البحرية لكل دولة... ونوعية التسليح... وشكل الرادارات الحديثة. هذه المدمرة الإسرائيلية، إيلات، فخر البحرية الإسرائيلية، آنذاك، ولم يكن عمرها قد تجاوز 25 عاماً عندما انضمت للأسطول البحرى الإسرائيلى، فى شهر يونيو من عام 1956، ضمن صفقة مع بريطانيا، ضمت المدمرة الثانية يافا.

لم تكن عملية إغراق المدمرة إيلات هى العملية الوحيدة، أو الأخيرة، التى تنفذها البحرية المصرية بنجاح ضد العدو الإسرائيلي؛ فقد شهد ميناء إيلات، خلال حرب الاستنزاف، ثلاث عمليات عسكرية مصرية ضد القطع البحرية الإسرائيلية المتمركزة هناك. ثلاث عمليات، أوجعت العدو، وكبدته خسائر مادية، ومعنوية هائلة، تم خلالها تدمير السفينة الإسرائيلية بات شيفع، وناقلة الجنود بات يام، وكذلك تدمير الرصيف الحربى لميناء إيلات، تمت جميعها بتوقيع الضفادع البشرية المصرية، بالتعاون مع المخابرات المصرية.

فبناء على ما تجمع للقيادة المصرية من معلومات حول تحركات السفينة بات شيفع، وناقلة الجنود بات يام، تم وضع خطة تعتمد على بديلين لتدميرهما، وتحدد لها يوم 16 نوفمبر 1969 للتنفيذ. اعتمدت الخطة على تشكيل ثلاث مجموعات من الضفادع البشرية للسفر إلى ميناء العقبة الأردنى، والتحرك منه حال مبيت السفينتين فى ميناء إيلات. بينما تم تجهيز مجموعتين أخريين فى مدينة الغردقة، للتحرك منها حال مبيت السفن فى خليج نعمة بشرم الشيخ. ولما تأكد مبيت السفن فى إيلات، سبحت مجموعة العقبة فى اتجاه ميناء إيلات، ولما لم يتمكنوا من دخول الميناء، قاموا بتلغيم سفينتين إسرائيليتين أخريين، هما هيدروما ودهاليا، واستشهد فى هذه العملية الرقيب فوزى البرقوقى، ونظرا لما يربطهما من صداقة وطيدة، قام الملازم أول بحرى نبيل عبدالوهاب بسحب جثمان صديقه حتى الشاطئ لمسافة 14كم، حتى لا تستغل إسرائيل جثمانه فى الدعاية الإعلامية.

وبنجاح هذه العملية حقق الجيش المصرى مكسباً مادياً، إضافة إلى تحقيق نجاحات معنوية كبيرة له، وللشعب المصرى بأكمله. ولم يكد يمر ثلاثة أشهر على نجاح الضربة الأولى، إلا وكانت البحرية المصرية قد خططت ونفذت عمليتها الثانية، فى فبراير من عام 1970، عندما استغلت قيام إسرائيل بإصلاح بعض الأعطال التى أصابت الناقلة بات شيفع، مما اضطرها لعدم الإبحار خارج ميناء إيلات. كانت البحرية المصرية قد أعدت قواتها، حينئذ، والتى سافر أفرادها إلى العراق، ومنها إلى عَمّان، ثم إلى ميناء العقبة الأردنى. وفى الموعد المحدد، قامت القوة البحرية بالسباحة من ميناء العقبة لمسافة 5.5 ميل بحرى، وقام الملازم أول بحرى رامى عبدالعزيز، بتلغيم الناقلة بات يام، بمفرده، بعدما اضطر معاونه الرقيب محمد فتحى للعودة إلى العقبة، عندما اكتشف نقص خزان الأكسجين. وفى اللحظة نفسها كان الضابط البحرى عمرو البتانونى، ومساعده الرقيب على أبو ريشة، يقومان بتلغيم السفينة بات شيفع. وفى التوقيت المحدد، حدث الانفجار، بعد عودة القوات المصرية، مرة أخرى، إلى ميناء العقبة. فكان نجاح تلك الإغارة المصرية الثانية، سببا فى تغيير قيادة سلاح البحرية الإسرائيلية بالكامل، مع اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون تنفيذ عمليات مصرية جديدة.

وفى مايو من العام نفسه 1970، كانت البحرية الإسرائيلية قد انتهت من إصلاح السفينة بات شيفع، بعد ما أصابها من تدمير جراء الغارة المصرية الثانية، وعادت السفينة لحركتها الطبيعية، التى تقتضى المبيت خارج ميناء إيلات، كجزء من التدابير الأمنية التى اتخذتها إسرائيل. فوضعت مصر خطتها لتدمير السفينة، والتى تعتمد على تثبيت لغمين بحريين، زنة الواحد منهما 150 كيلو جراما، من مادة شديدة الانفجار، فى قاع ميناء إيلات، مكان رسو السفينة بات شيفع. ونجحت الضفادع البشرية المصرية فى الوصول إلى الميناء، فى أحد أيام السبت، لاستغلال موعد الراحة الأسبوعية فى إسرائيل، وقاموا بتثبيت الألغام فى الأماكن المقررة لها. وكان تأخر وصول بات شيفع إلى ميناء إيلات، سبباً فى إنقاذها من انفجار اللغمين فيها، إلا أن انفجارهما أدى إلى تدمير الرصيف البحرى بالكامل، والقضاء على عدد هائل من الضفادع البشرية الإسرائيلية، التى كانت موجودة فى العمق، للتصدى لمحاولات الاختراق المصرية.

ولم تنس البحرية الإسرائيلية العملية المصرية لإغراق الغواصة دافار، التى يوجد حطامها، اليوم، فى المتحف البحرى فى إسرائيل، ولم تنس عملية تدمير الحفار الإسرائيلى، أمام شواطئ ساحل العاج، إذ تركت كل تلك العمليات المصرية، الناجحة، جرحا غائرا فى جسد قوات العدو الإسرائيلى، لتثبت البحرية المصرية أنها كانت، ولاتزال، قادرة على حماية الأمن القومى المصرى، وردع من قد تسول له نفسه المساس به.



Email: sfarag.media@outlook.com