العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

حظيت هذه المعركة باهتمام الدوائر العلمية، حول العالم، لعدة أسباب، أولها، لأنها كانت المرة الأولى التى يدور فيها قتال جوى، مباشر، بين طائرات روسية الصنع، وطائرات غربية الصنع.

معركة المنصورة الجوية التى سجلها التاريخ
 

لواء د. سمير فرج

 12 أكتوبر 2023


تعد معركة المنصورة الجوية، التى دارت فوق سماء الدلتا المصرية، يوم 14 أكتوبر من عام1973، أهم المعارك الجوية فى التاريخ العسكرى الحديث، ليس بشهادتى، كأحد أبناء المؤسسة العسكرية المصرية، ولكن بشهادة أهل العلم والخبرة على مستوى العالم. فعندما نتحدث عن تلك المعركة العظيمة، دعونا نستمع إلى ما قاله الآخرون، خاصة فى بريطانيا، وتحديداً فى كلية كمبرلى الملكية لأركان حرب، التى درست فيها لمدة عام ونصف العام، بدءا من عام 1974.

كان من ضمن المناهج العملية للدراسة، تنظيم مشروع تدريبى، مشترك، مع كلية الأركان حرب الجوية البريطانية، فى براكنيل، لمدة أسبوع، لنتعرف خلاله على أساليب قتال القوات الجوية، وآليات التعاون، مع القوات البرية، فى أثناء عمليات القتال. فبدأت المحاضرات بالتعرف على نشأة، وتطور، القوات الجوية، بينما خصص جزء من المحاضرات، لدراسة أهم المعارك الجوية، والدروس المستفادة منها، فإذا بى أفاجأ بأن ظهر على شاشة العرض، أهم معركة جوية فى العصر الحديث، وهى «معركة المنصورة الجوية»، فشعرت بمزيد من الفخر والعزة، وأنا استمع إلى نظرة الغرب، لهذه المعركة، التى تعرضها أكبر كلية متخصصة فى الطيران الحربى، فى العالم.

تلك المعركة التى شهدتها سماء الدلتا المصرية، يوم 14 أكتوبر 73، فوق مطار المنصورة العسكرى، بين 200 طائرة حربية؛ 120 منها، من أنواع الفانتوم وسكاى هوك والميراج 2000، تابعة للعدو الإسرائيلى، و80 طائرة حربية مصرية، من طراز ميج 21، وسوخوى 7، والميراج 2000. دارت هذه المعركة لمدة 53 دقيقة، لتسجل كأطول، وأعنف، وأشرس، معركة جوية فى التاريخ العسكرى الحديث، ورغم التفوق العددى، والنوعى، لطيران العدو، فإن حجم الخسائر، بين صفوفه، وصلت إلى 17 طائرة إسرائيلية، بينما خسرت مصر خمس طائرات، اثنتان منها بسبب نفاد الوقود.

حظيت هذه المعركة باهتمام الدوائر العلمية، حول العالم، لعدة أسباب، أولها، لأنها كانت المرة الأولى التى يدور فيها قتال جوى، مباشر، بين طائرات روسية الصنع، وطائرات غربية الصنع. والسبب الثانى أنها أول معركة جوية تستخدم فيها أسلحة إلكترونية حديثة، والأسلحة الإلكترونية المضادة، خصوصاً التشويش على رادارات الطائرات من كلا الجانبين. أما السبب الثالث فلأنها أبرزت كفاءة عناصر التوجيه الأرضى، فى غرف عمليات المطارات المصرية والإسرائيلية، كما بزغ فيها كفاءة الأطقم الأرضية، خاصة على الجانب المصرى، التى نجحت، مع هذا الكم من الطائرات، فى الجو، طوال مدة المعركة. كما كان لاشتراك 4 مطارات حربية، مصرية، فى هذه المعركة، الفضل فى رفع تقييم القوات المصرية، لصعوبة تنسيق خروج الطائرات من تلك المطارات، وتوقيتات الاشتباك الجوى، والعودة بسلام، خاصة أن معظم المطارات فى الدلتا متقاربة، بعكس الطائرات الإسرائيلية، فكانت بعيدة، الأمر الذى يسهل السيطرة عليها. وكان للخبرة، المتراكمة، للقوات الجوية المصرية، فى التعامل مع قوات العدو، خلال حرب الاستنزاف، الفضل فى التفوق الفكرى، فى فهم لغة الخصم، حيث كان الفكر الإسرائيلى الجوى، يعتمد، دوماً، على الهجوم من خلال ثلاث موجات؛ تكون مهمة الموجة الأولى، إغراء المقاتلات المصرية، واستدراجها لاتجاهات بعيدة عن الأهداف المكلفين بالدفاع عنها، أما الموجة الثانية الإسرائيلية فكانت هى القوة الأساسية، المكلفة بالهجوم على الرادارات، ووحدات الدفاع الجوى المصرى، من الصواريخ والمدفعية، بينما تختص الموجة الثالثة بضرب الأهداف المحددة لها، كتدمير القواعد العسكرية المصرية.

بدأت «معركة المنصورة الجوية» فى الساعة الثالثة وخمس عشرة دقيقة، عندما أنذرت مواقع الرادارات المصرية، على ساحل الدلتا، باقتراب 20 طائرة، من طراز الفانتوم، من ناحية البحر المتوسط، لتجنب حائط الصواريخ المصرى، على الضفة الغربية لقناة السويس. فقررت قيادة القوات الجوية المصرية عدم اعتراض الموجة الأولى، مما أفشل مهمتها فى جذب المقاتلات المصرية، فعادت أدراجها، عبر البحر المتوسط، إلى القواعد الجوية الإسرائيلية. وفى الساعة الثالثة والنصف، أظهرت شاشات الرادارات المصرية، وجود 60 طائرة قادمة من ثلاثة اتجاهات، من ناحية البحر؛ بورسعيد، وبلطيم، ودمياط، فأقلعت 16 طائرة، ميج 21، من مطار المنصورة الجوى، ثم 8 طائرات من قاعدة طنطا الجوية، للتصدى لها. أعقب ذلك، بثمانى دقائق جاء، إنذار للقوات الجوية، باقتراب 16 طائرة إسرائيلية، قادمة من اتجاه البحر المتوسط، على ارتفاع منخفض، وبدأ القتال الجوى، فوق سماء دلتا نهر النيل، ليبدأ معه تدفق باقى الطائرات الإسرائيلية، واشتعلت السماء المصرية بأكبر معركة جوية، استخدم فيها الجانبان، أحدث ما يملكانه فى ترساناتهما الجوية، سواء المقاتلات، أو أجهزة التشويش اللاسلكى، والراداري.

وبعد المحاضرة التى استمرت لأكثر من ساعتين، تم فيها حساب توقيتات إقلاع الطائرات من المطارات الإسرائيلية، ووصولها للأهداف فوق دلتا نهر النيل، والإجراءات المضادة من القوات الجوية المصرية، خلص الخبراء العسكريون إلى أنه بالرغم من التفوق العددى، والنوعى، للطائرات الإسرائيلية، فإن خبرة المصريين، وكفاءتهم فى التغلب على الطائرات والأسلحة الإلكترونية الإسرائيلية المضادة، حسم المعركة لصالحهم ... ومازلت أذكر شعور الفخر الذى عشته بين باقى زملائى من الضباط الإنجليز والضباط الآخرين من 42 دولة، وهم يتحدثون جميعاً عن عظمة الجيش المصرى، وقواته الجوية التى حققت هذا النصر العظيم، فى أطول وأعظم معركة جوية فى التاريخ العسكرى الحديث.

وهكذا استحق يوم 14 أكتوبر، أن يُخلد كعيد للقوات الجوية المصرية، التى تفتخر بأبنائها، ليس فى مصر، فقط، ولكن أمام العالم كله، فهم، حقاً، نسور السماء المصرية، وخير أجناد الأرض.



Email: sfarag.media@outlook.com