العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ولا أخفيكم سراً، أننى وغيرى، لم نكن متوقعين بدء الهجوم؛ فهل سنشهد ذلك اليوم، فعلاً، بعد ست سنوات من حرب الاستنزاف.

اليوبيل الذهبى لحرب أكتوبر 1973
 

لواء د. سمير فرج

 7 أكتوبر 2023


أتذكر بداية يوم السادس من أكتوبر من عام 1973، وأنا فى مركز عمليات القوات المسلحة لتنفيذ مشروع إستراتيجى، تدريبى، لاختبار عمل المركز، خاصة فيما يرتبط بشبكة الاتصالات مع الجيوش الميدانية، والقوات الجوية، والبحرية، والدفاع الجوى، وحتى القيادة السورية فى دمشق، وما أن دقت الساعة العاشرة صباحاً، حتى رفعنا خرائط المشروع التدريبى، ووضعنا خرائط «الخطة جرانيت»، المعدلة، وهى خطة عبور قناة السويس، واجتياح خط بارليف الإسرائيلى، وتكوين رأس كوبرى على الضفة الشرقية لقناة السويس.

والله لقد استعدت، مع كتابة تلك السطور، نفس الشعور بالرهبة الممزوج بالعزة والفخر، الذى انتابنى ونحن نفتح سجلات الحرب لهذه العملية الهجومية، ونتلقى إشارات توزيع ساعة الهجوم على القادة، كل حسب مهمته ومكانه، وإشارات تمام استعداد القوات فى أماكنها الجديدة لبدء الهجوم، والتى كان منها وصول مجموعة القوات البحرية المصرية، لمنطقة باب المندب، فى البحر الأحمر، لتنفيذ أوامر القيادة العامة للقوات المسلحة، بإغلاق المضيق أمام الملاحة الإسرائيلية.

وفى حوالى الساعة الثانية عشرة ظهراً، وصل الرئيس الراحل أنور السادات، مرتدياً زيه العسكرى، وخلفه عدد من الجنود، يحملون صوانى رصت عليها الشطائر والعصائر. ولتزامن اليوم مع يوم العاشر من رمضان، فقد أمسك السيد الرئيس بالميكروفون، قائلاً، «لقد أجاز فضيلة مفتى الديار المصرية الإفطار فى نهار رمضان، لأننا فى جهاد لتحرير الأرض المغتصبة»، ووجه بإبلاغ كل قواتنا، وأولادنا، على جبهة القتال فى سيناء، بتلك الفتوى، بينما الجنود يمرون لتوزيع الشطائر، التى وضعناها، جميعاً، فى الأدراج، ويشهد الله، أننا لم نتناول إلا الماء، عندما حان موعد آذان المغرب، وهو ما فعله الجميع على جبهة القتال.

ولا أخفيكم سراً، أننى وغيرى، لم نكن متوقعين بدء الهجوم؛ فهل سنشهد ذلك اليوم، فعلاً، بعد ست سنوات من حرب الاستنزاف؟ هل سيتحقق الأمل، ونهزم العدو الإسرائيلى المتغطرس؟! إلا أن اليقين ملأنا، فى تمام الثانية ظهراً، عندما تابعنا، على شاشات الرادار، عبور 220 طائرة مصرية، لقناة السويس، وتنفيذ الضربة الجوية ضد الأهداف الإسرائيلية فى سيناء. بعدها بدأ العبور، وتوالت أجمل الإشارات عن عبور موجات العبور، وسقوط نقاط خط بارليف، الواحدة تلو الأخرى.

وأذكر فى الرابعة ظهراً، وأنا فى الغرفة الرئيسية، أتابع خريطة العمل، أن سألنى الرئيس السادات، «يا ابنى الخساير كام لحد دلوقتى؟»، وكانت المفاجأة، بعد حصر الأرقام الواردة من الجيشين الثانى والثالث، أن خسائرنا فى العمليات القتالية أقل من خسائرنا فى أيام التدريب على العبور، فى نهر النيل، لأن قواتنا كانت قد وصلت لدرجة الاحترافية.



Email: sfarag.media@outlook.com