العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وصدر التقرير الجديد فى الربع الثانى من عام 74، ليشهد بأن المصريين غيروا المفاهيم العسكرية، وأهمها تلك المرتبطة بمقارنة القوات.

خمسون عاما على نصر أكتوبر العظيم
 

لواء د. سمير فرج

 5 أكتوبر 2023


يحتفل شعب مصر العظيم، وجيشها الباسل، بذكرى أغلى انتصاراتنا العسكرية، وهى حرب أكتوبر 73، التى أكاد ألا أصدق أنه يمر عليها، اليوم،50 عاما. وقبل أن أدخل فى أحداث تلك الحرب المجيدة، أتذكر أنه بعدها، مباشرة، تم ابتعاثى لكلية كمبرلى الملكية لأركان حرب،فى إنجلترا،بعد حصولى على المركز الأول، بتقدير امتياز، فى كلية أركان حرب المصرية، وخلال عام ونصف عام قضيتها بتلك الكلية العريقة، لم تكد محاضرة تخلو من طلب الأساتذة الإنجليز، من الرائد المصرى سمير فرج، أن يتحدث عن كيفية تطبيق الجيش المصرى عمليات حرب أكتوبر 73، التى اطلع عليها العالم، وهو ما كان، ولا يزال، مصدر فخر وعزة لى ولغيري.

واستشهد، كذلك، بما أصدره المعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية، فى لندن، أو International Institute for Strategic Studies (IISS)، عن حرب أكتوبر 1973، فى تقريره السنوى المعروف باسم التوازن العسكرى، أو The Military Balance، الذى يعد أحد أهم الإصدارات العسكرية العالمية، إن لم يكن أهمها، على الإطلاق، ويعتمد عليه جميع المفكرين الاستراتيجيين، والمحللين العسكريين، حول العالم. حيث صدر تقرير عام 1973، فى يناير، أى قبل الحرب، وقد عقد مقارنة بين القوات الإسرائيلية، والقوات المصرية والسورية والأردنية والعراقية، مجتمعة، معلقا بأنه مجرد تفكير العرب فى القيام بأى عمليات عسكرية ضد إسرائيل، لاستعادة الأرض التى فقدها العرب عام 67، فمصيرهم الحتمى هو الهزيمة، نظرا للتفوق الكمى والنوعى للقوات الإسرائيلية، مقارنة بحجم القوات العربية. وكان ذلك خلاصة ما قدمه التقرير فى نهاية الفصل المخصص لتحليل القوات العسكرية فى منطقة الشرق الأوسط.

ومرت الأيام، وهل شهر أكتوبر 73، فعبرت القوات المصرية قناة السويس، ودمرت خط بارليف، أقوى الخطوط الدفاعية عبر التاريخ العسكرى، بعد خط ماجينو الذى بناه الفرنسيون أمام الجيش الألمانى، ووصلت قواتنا لعمق 15 كيلو مترا شرق قناة السويس، وهزموا العدو الإسرائيلى، واستعادوا الأرض، فيما بدا للعالم وكأنه معجزة عسكرية. ولما حان موعد إصدار العدد الجديد، فى بداية عام 74، وجد مركز الدراسات الاستراتيجية نفسه فى حرج دولى أمام خطأ فى تقديراته المذكورة فى تقريره السنوى لعام 73، مما دفعه لتأجيل الإصدار الجديد، عن عام 74، لمدة 4 أشهر، لمراجعة أوجه القصور فى تحليله السابق، التى أدت لخطأ النتائج.

وصدر التقرير الجديد فى الربع الثانى من عام 74، ليشهد بأن المصريين غيروا المفاهيم العسكرية، وأهمها تلك المرتبطة بمقارنة القوات، فبعدما كان أساس حساب التفوق العسكرى للدولة، يقوم على أعداد أفراد قواتها، وأعداد وأنواع أسلحتها ومعداتها، من الدبابات والمدافع والطائرات، وغيرها، لم يعد من الممكن اعتماد ذات المنهجية، بعد تفوق القوات المصرية فى حرب 73، والتى فرضوا بها عناصر جديدة لتقييم القوى العسكرية، كان من الضرورة اعتمادها كعناصر حاكمة فى تحديد موازين القوي؛ أولها الروح المعنوية، إذ كانت الروح المعنوية للمصريين تفوق الروح المعنوية للإسرائيليين، بعد انتظار دام ست سنوات منذ يونيو 67.

كما أظهرت هذه الحرب عاملا جديدا، وهو الرغبة فى القتال، فقد كان هدف المصريين هو استعادة الأرض التى فقدوها فى 67، بينما هدف الإسرائيليين الاحتفاظ بأرض اكتسبوها فى الحرب السابقة، ويعلمون أنها ليست أرضهم. وأوضحت الحرب، كذلك، أن المصريين لم يهتموا بالتفوق العددى لأسلحة قوات العدو الإسرائيلى، بل كان ذلك حافزا لابتكار أساليب جديدة للتصدى لها، مثل المدافع المائية للتغلب على الساتر الترابى لخط بارليف، وحائط الصواريخ للتغلب على قوة سلاح الجو الإسرائيلى، بتحييد قدرته، وهو ما حدث مع بداية عبور القوات المصرية لقناة السويس، فتغيرت، بهذا، مفاهيم الدفاع الجوى فى الفكر العسكرى العالمى، إذ لم يعد التفوق العددى للطائرات، عاملا أساسيا فى حساب القوى، بعد نجاح قواتنا فى تحييد القوات الجوية المعادية بفكرة حائط الصواريخ.

وفى مفاجأة غير متوقعة للإسرائيليين، تمكنت قواتنا المصرية من تسجيل نجاح آخر باسمها، بعد الهجوم على طول مواجهة دفاعات خط بارليف الإسرائيلية، التى كانت تتبع أسلوب الدفاع المتحرك، أو Mobile Defense، والذى يعتمد على الحد من الهجوم إلا من اتجاه واحد، وهو ما كان من شأنه تمكين الاحتياطى الإسرائيلى من تدمير قواتنا التى نجحت فى الاختراق، إلا أن اختراق القوات المصرية للدفاعات الإسرائيلية تم على المواجهة بالكامل، مما أربك حسابات القوات الإسرائيلية، ووضعها فى مأزق لعدم القدرة على تحديد اتجاه دفع الاحتياطي. فاتضح للجميع أن نظام الدفاع المتحرك، الذى تتبناه العقيدة العسكرية الغربية، المعمول به بكل دول حلف شمال الأطلنطى،أو حلف الناتو، لم يعد صالحا بعد هجوم المصريين ونجاحهم فى تدمير الدفاعات الإسرائيلية فى حرب 73، فبدأت وزارة الدفاع الأمريكية فى تعديل فكر الدفاع المتحرك فى العقيدة الغربية، لتخرج للعالم، بعد ذلك بالشكل المتطور للدفاع المتحرك، أطلقت عليه اسم Active Defense، أى الدفاع النشيط، وهو الأسلوب المطور للدفاع المتحرك، الذى تتبعه، حاليا، كل القوات فى حلف شمال الأطلنطى، والذى يقسم الاحتياطيات فى العمق إلى عدة احتياطيات لمواجهة الاختراقات المتعددة على طول المواجهة.

كانت تلك لمحة بسيطة عما قدمته القوات المسلحة المصرية للفكر العسكرى العالمى من دروس وعبر من خلال بطولاتها فى حرب أكتوبر 73، والتى اعتبرها العالم معجزة فى التاريخ العسكرى الحديث.



Email: sfarag.media@outlook.com