العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

كما أنشأت الثورة الهيئة العامة لقصور الثقافة، بهدف نشر الثقافة، خاصة فى مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع التى احتكرتها القاهرة فى هذا الوقت.

ثورة يوليو المجيدة فى الميزان
 

لواء د. سمير فرج

 20 يوليو 2023


بعد حرب 1948، وضياع فلسطين، ظهر تنظيم الضباط الأحرار، فى الجيش المصرى، بقيادة البكباشى جمال عبدالناصر، وفى يوم ٢٣ يوليو من عام 1952، قاد التنظيم، ثورته البيضاء، التى لم ترق فيها نقطة دماء، ونجح فى السيطرة على المرافق الحيوية فى البلاد،وأجبرت الثورة، الملك فاروق الأول على التنازل عن العرش، لولى عهده الأمير أحمد فؤاد، ومغادرة البلاد فى ٢٦ يوليو 1952، وتم تشكيل مجلس وصاية على العرش، كما تم تشكيل مجلس قيادة الثورة، الذى يضم 13 ضابطاً، برئاسة اللواء محمد نجيب، ليمسك بزمام الأمور فى الدولة المصرية.

أعلنت الثورة مبادئها الستة، وهى القضاء على الإقطاع، والقضاء على الاستعمار، والقضاء على سيطرة رأس المال على الحكم، وبناء جيش وطنى قوى، وإقامة العدالة الاجتماعية، وتأسيس حياة ديمقراطية سليمة، ومن خلالها حققت العديد من الإنجازات السياسية، منها إسقاط دستور 1923، وحل الأحزاب السياسية، وإلغاء الملكية وإعلان الجمهورية فى 18 يونيو ١٩٥3، برئاسة اللواء محمد نجيب، كأول رئيس للجمهورية، حتى عام 1954، تم خلالها توقيع اتفاقية الجلاء، وخروج المستعمر البريطانى، بعدما ظل محتلاً الأراضى المصرية لمدة ٧٤ عاماً.

وحتى بعد تولى الرئيس جمال عبدالناصر حكم البلاد، توالت إنجازات الثورة، تحقيقاً لمبادئها، سواء على الصعيد الداخلى، بتأميم قناة السويس عام 1956، أو بإنشاء السد العالى عام 1961، أو بإقرار مجانية التعليم العام، والتعليم العالى، وإنشاء العشرات من الجامعات فى شتى أنحاء البلاد، بدلاً من الجامعات الثلاث التى كانت موجودة، فى ذلك الوقت، وإنشاء مراكز البحث العلمى.فضلاً عما سبق ذلك من إصدار قانون الملكية يوم ٩ سبتمبر 1952، وتأميم التجارة والصناعة، للقضاء على الإقطاع، بعد عقود من استئثار الأجانب بهذا القطاع، وتحرير الفلاح بإصدار قانون الإصلاح الزراعى.

كما أنشأت الثورة الهيئة العامة لقصور الثقافة، بهدف نشر الثقافة، خاصة فى مناطق طال حرمانها من ثمرات الإبداع التى احتكرتها القاهرة فى هذا الوقت، كما أنشأت أكاديمية الفنون بمعاهدها المتخصصة فى المسرح، والباليه، والسينما، والنقد والكونسرفتوار، فضلاً عن الاهتمام برعاية المتاحف والآثار.

أما على الصعيد الخارجى، فتم توحيد الجهود، لتحقيق أمل الوحدة العربية، من المحيط إلى الخليج، فحققت الثورة تجربة الوحدة العربية مع سوريا فى فبراير 1958، ورغم أن التجربة لم يُكتب لها النجاح، وتم الانفصال فى عام 1961، فإنها كانت تجربة فريدة بكل المقاييس. كما حشدت الثورة الطاقات لإطلاق حركات التحرير، وصارت قطب الحريات فى العالم العربى والإفريقى، بدعمها حركات التحرر فى تونس والجزائر والمغرب، حتى تحقق لهم الاستقلال.

وامتدت آثار الثورة إلى المستوى العالمى، فشكلت حركة عدم الانحياز مع يوجوسلافيا بقيادة الزعيم جوزيف تيتو، ومع الهند بقيادة الرئيس نهرو، مما عزز من دور مصر، وتلك الدول، على المستوى العالمى.

ولتحقيق هدف ثورة 1952 فى بناء جيش وطنى قوى، عقدت مصر صفقة الأسلحة التشيكية، والتى مثلت نقطة تحول فى كسر احتكار السلاح العالمى، وتم بعدها تطوير القوات المسلحة، وتطوير الصناعات الحربية، والمعاهد العسكرية، بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي. ولما رفض الغرب المساعدة فى تمويل بناء السد العالى، اتخذ الرئيس عبدالناصر قرار تأميم قناة السويس، عام 1956، مما دفع إنجلترا وفرنسا وإسرائيل لشن عدوانهم الثلاثى على مصر فى أكتوبر من نفس العام، فكانت روح ثورة ٢٣ يوليو، السند وراء نجاح مصر فى صد ذلك العدوان، وانسحب العدو من أرض بور سعيد يوم 23 ديسمبر، وحققت مصر النصر فى واحدة من أعظم معاركها وهى بناء السد العالى، وتأميم قناة السويس.

وكانت الثورة سبباً فى تغيير إيجابى فى حياة المصريين، بما أسست له من ثورة صناعية جديدة، بإنشاء صناعة الحديد والصلب فى حلوان، وصناعة السيارات، ومصانع الغزل والنسيج فى المحلة الكبرى وكفر الدوار، ومصانع الألومنيوم والأسمدة بصعيد مصر، معتمدة فى ذلك على الخطط الخمسية لتطوير الاقتصاد المصرى، فحققت نمواً يشار له بالبنان، وكانت مثلاً يحتذى به لكل الدول المتطلعة للحرية والاستقلال. إلا أن دعم مصر ثورة اليمن، استنزفت الكثير والكثير من مواردها الاقتصادية، وعقب ذلك شن العدو الإسرائيلى حرباً على مصر، عام 1967، مما كان، بلا شك، ضربة قوية لنجاح ثورة يوليو ٥٢، ودخلت مصر، حينها، مرحلة جديدة، هى حرب الاستنزاف، لمدة ست سنوات، حتى يوم السادس من أكتوبر من عام 1973، عندما حقق جيش مصر، والشعب العظيم، أمجد انتصاراته، فى العصر الحديث، باقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، ورد اعتبار القوات المسلحة المصرية، واستعادة الأرض كاملة.

والحقيقة، أنه رغم كل ما أعقب ثورة يوليو 1952، من استقرار أو من عثرات، فإنها ستظل، ولا شك، علامة فارقة فى تاريخ مصر الحديث، بما أحدثته من تحولات جذرية فى شتى مناحى حياة هذا الشعب, سياسياً وعسكرياً واقتصادياً واجتماعياً، وأصبحت مصر، بفضل هذه الثورة، دولة جديدة، بنظام جمهورى، يحكمها، لأول مرة، ابن من أبنائها، وليس من أبناء الأسرة العلوية، متخطية بذلك مشكلات العصر الملكى السابق. وستستمر مصر فى استكمال مسيرة شعبها، صاحب الحضارة، وبناء مستقبل جديد فى الجمهورية الجديدة، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.



Email: sfarag.media@outlook.com