العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

عادة ما تجرى مراسم الاحتفال بهذا العيد، كل عام، بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكارى، وقبر الجندى المجهول.

اليوم احتفال مصر بيوم الشهيد
 

لواء د. سمير فرج

 9 مارس 2023


تحتفل مصر اليوم، مع أبناء ورجال القوات المسلحة، وجميع أسر شهدائها، بيوم الشهيد، رمزاً لمن قدموا أرواحهم، عبر السنين، فداءً لمصر لكى تنتصر، وتعيش فى رخاء واستقرار. يوافق هذا اليوم، ٩ من مارس، ذكرى استشهاد الجنرال الذهبى، الفريق عبدالمنعم رياض، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، خلال حرب الاستنزاف، الذى فاضت روحه إلى بارئها، فى مثل هذا اليوم من عام 1969، على الخط الأمامى للدفاعات المصرية على قناة السويس، فى سابقة تعد الأولى فى التاريخ العسكرى، العالمى، أن يستشهد رئيس أركان قوات مسلحة على الخط الأمامى.

تخرج الفريق عبدالمنعم رياض فى الكلية الحربية المصرية عام 1941، واشترك فى الحرب العالمية الأولى، ضد ألمانيا وإيطاليا، وكان، حينها، قائداً لإحدى البطاريات المضادة للطائرات، فى المنطقة الغربية. وخلال عامى 1947 و1948 التحق بإدارة العمليات المصرية، ونال وسام الجدارة العسكرية، ليتدرج، بعدها، فى المراكز حتى قيادة الدفاع المضاد للطائرات، عام 1954. بعدها، وفى عام 1959، سافر فى بعثة للاتحاد السوفيتى، وحصل على تقدير امتياز، قبل عودته لمصر، لاستكمال مسيرته المشرفة. وفى مايو 1967، بعد توقيع اتفاقية الدفاع المشترك بين مصر والأردن، عُين قائداً للجبهة الأردنية، أثناء حرب 67، بعدها عاد إلى مصر ليتولى رئاسة أركان حرب القوات المصرية، فى عقب هزيمة 1967.

وفى هذا الصدد، أذكر، يوم سفرى إلى إنجلترا، فى عام 1975، للدراسة بكلية كمبرلى الملكية، وفور وصولى لمطار هيثرو، بالعاصمة البريطانية، لاحظت أن جميع العاملين بالمطار، وكذا عدد من المسافرين، يضع كل منهم، فى عروة معطفه، وردة حمراء، يتوسطها دائرة سوداء، وتكرر المشهد بين ركاب مترو الأنفاق، أثناء توجهى لمحل إقامتى، ورأيت نفس المشهد عند وصولى للفندق، وعرفت، لاحقاً، أثناء متابعة نشرة الأخبار، أن اليوم يوافق ذكرى عيد المحاربين، فى إنجلترا، وهم شهداء وجرحى الحروب السابقة لبريطانيا العظمى.

وفى المساء، وعلى شاشات التلفاز، شاهدت ملكة إنجلترا، يصاحبها رئيس الوزراء البريطانى، وجميع أعضاء حكومته، وممثلى البرلمان البريطانى يلتقون عددا من جرحى هذه الحروب، وممثلين عن أسر الشهداء، فى احتفال رسمى، لوضع أكاليل الزهور على نصبهم التذكارية، تقديراً، وعرفاناً، لما قدمه هؤلاء الأبطال لأوطانهم، وشعوبهم، من تضحيات. وهى ذات الطقوس والمراسم، التى يتبعها الكثير من البلاد الأخرى، مع اختلاف التاريخ، فمثلاً، الجزائر، بلد المليون، وأكثر، شهيد، تخلد ذكراهم فى يوم 18 فبراير، من كل عام. بينما تحتفل الولايات المتحدة الأمريكية بذكرى أبطالها، بعطلة فيدرالية تعرف باسم «Memorial Day»، فى الاثنين الأخير من شهر مايو، من كل عام. أما الصين فتحتفل، سنوياً، فى يوم 30 سبتمبر، بيوم الشهيد، حيث تكرم ذكرى الأبطال فى ميدان تيانانمن، أكبر ميادين العاصمة بكين.

وفى مصر يتم الاحتفاء ببطولة شهداء مصر، الذين قدموا أرواحهم فى سبيل رفعة شأنها، فقد تم إنشاء النصب التذكارى لشهداء مصر، فى منطقة مدينة نصر، بعد حرب 1973، الذى صُمم على شكل هرم، رمز العمارة المصرية العريقة، وعلى أضلاعه كتبت أسماء الشهداء المصريين، المختلفين فى انتماءاتهم الدينية، والمتحدين فى الدفاع عن مصر فى حروبها المجيدة. وعند النصب التذكارى، دُفن رفات أبناء الجنود المصريين، الذين لم يتم التعرف عليهم بعد حرب 73، ليكون قبر الجندى المجهول رمزاً لكل شهداء مصر، الذين ننعم اليوم بالأمن والرخاء، بفضل تضحياتهم. كما تم إنشاء نصب تذكارى، فى كل محافظات مصر، لتكريم شهدائها، فما من بقعة فى أرض مصر، إلا وجادت بخيرة رجالها، للدفاع عن الوطن.

عادة ما تجرى مراسم الاحتفال بهذا العيد، كل عام، بوضع إكليل من الزهور على النصب التذكارى، وقبر الجندى المجهول، فى مدينة نصر بحضور السيد رئيس الجمهورية القائد العام للقوات المسلحة، وقادة القوات المسلحة، وكبار رجال الدولة، كما يحرص السيد رئيس الجمهورية على أداء صلاة الجمعة مع قادة القوات المسلحة، عقب ذلك. أما فى باقى محافظات مصر، فيتم وضع أكاليل الزهور فى النصب التذكارى للجيوش الميدانية فى كل أنحاء مصر.

ورغم متابعة أبناء الوطن لتلك المراسم، التى يتم نقلها على الهواء مباشرة، فإننى أتمنى أن يمتد الاحتفال بيوم الشهيد إلى جميع مدارس مصر، وجامعاتها،ليتعلم النشء، والجيل الجديد قيمة ما قدمه هؤلاء الأبطال الشهداء للوطن، سواء فى حروبهم للدفاع عن حدود مصر، أو للتصدى للإرهاب، وهو ما يعتبر قدوة ومثلا أعلى جديرا بالاحتذاء به. كما أرجو ألا يقتصر الاحتفال فى المحافظات على وضع إكليل الزهور، وإنما يمتد لدعوة أسر الشهداء، إلى احتفال لتكريم أسماء من فقدوا من ذويهم، وأبنائهم، وأزواجهم، اعترافاً بفضلهم فيما نعيشه، اليوم، من سلام وأمن وأمان. فالهدف ليس الاحتفال فى حد ذاته، وإنما ترسيخ وإعلاء قيمة التضحية فى سبيل الله والأرض، تلك القيمة التى سطرها، ومازال يسطرها أبناء القوات المسلحة فى تاريخ بلادنا بأحرف من نور. ومن هنا اسمحوا لى أن أتقدم شخصياً بتحية إجلال واعتزاز، لأرواح شهداء مصر الأبرار، على مر السنين والحروب، وأن أؤكد لأسرهم أن مصر لا تنسى أبداً تضحيات البواسل من أبنائها، وستبقى مدينة لهم أمد الدهر.



Email: sfarag.media@outlook.com