العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فلقد أمسك السيد الرئيس بالميكروفون، قائلاً، إحنا فى رمضان، وقد أفاد المفتى أننا فى جهاد لتحرير الأرض المغتصبة، وعليه فقد أجاز الإفطار فى نهار رمضان ووجه بإبلاغ كل قواتنا، وأولادنا، على جبهة القتال فى سيناء.

النهاردة يوم السادس من أكتوبر
 

لواء د. سمير فرج

 6 أكتوبر 2022


اليوم السادس من أكتوبر، يوم تحتفل به مصر، والأمة العربية، بأغلى انتصاراتها فى العصر الحديث، بعد أن محت مصر، وجيشها العظيم، عار هزيمة الخامس من يونيو عام 1967. فرغم مرور 49 عاماً على تحقيق هذا النصر، مازلت أتذكر تفاصيله جيداً، وكأنه الأمس القريب، وأنا أصغر ضباط غرفة عمليات القوات المسلحة، سناً، وأحدثهم رتبة، حيث كنت رائداً، لم يمر أكثر من أسبوعين على تخرجى فى كلية الأركان حرب. ولما كان ترتيبى الأول، بتقدير امتياز، على دفعة قوامها 153 ضابطاً، من أكفأ الضباط، فقد تم توزيعى على هيئة عمليات القوات المسلحة لحرب أكتوبر، التى بدأنا التحرك منها لفتح مركز العمليات، الذى أديرت منه الحرب المجيدة.

وفى الأيام الأولى لفتح هذا المركز، كنا ننفذ مشروعا إستراتيجيا، تدريبيا، لاختبار عمل المركز، خاصة فيما يرتبط بشبكة الاتصالات مع الجيوش الميدانية، والقوات الجوية، والبحرية، والدفاع الجوى، وحتى القيادة السورية فى دمشق، وباقى عناصر القوات المسلحة. وجاء يوم السادس من أكتوبر، وفى تمام العاشرة صباحاً، رفعنا خرائط المشروع التدريبى، ووضعنا خرائط الخطة جرانيت، المعدلة، وهى الخطة المعدة لاقتحام قناة السويس، وخط بارليف الإسرائيلى، وتكوين رأس كوبرى على الضفة الشرقية لقناة السويس. والله مازلت أذكر شعور الرهبة الممزوج بالعزة والفخر، بينما نفتح سجلات الحرب لهذه العملية الهجومية، ونتلقى إشارات توزيع ساعة الهجوم على القادة، كل حسب مهمته ومكانه. كما بدأنا نتلقى استعداد القوات فى أماكنها الجديدة لبدء الهجوم، والتى كان منها وصول مجموعة القوات البحرية المصرية، لمنطقة باب المندب، فى البحر الأحمر، لتنفيذ أوامر القيادة العامة للقوات المسلحة، بإغلاق المضيق أمام الملاحة الإسرائيلية.

وفى نحو الساعة الثانية عشرة ظهراً، وصل الرئيس الراحل أنور السادات، مرتدياً زيه العسكرى، يخلفه عدد من الجنود، يحملون صوانى رصت عليها الشطائر والعصائر. ولأن اليوم تزامن مع العاشر من رمضان، فلقد أمسك السيد الرئيس بالميكروفون، قائلاً، إحنا فى رمضان، وقد أفاد المفتى أننا فى جهاد لتحرير الأرض المغتصبة، وعليه فقد أجاز الإفطار فى نهار رمضان ووجه بإبلاغ كل قواتنا، وأولادنا، على جبهة القتال فى سيناء، بتلك الفتوى، بينما الجنود يمرون لتوزيع الشطائر، التى وضعناها، جميعاً، فى الأدراج، ويشهد الله، أننا لم نتناول إلا الماء، عندما حان موعد أذان المغرب، وهو ما فعله الجميع على جبهة القتال.

ولا أخفيكم سراً، أننى وغيرى، لم نكن متوقعين بدء الهجوم, فهل سنشهد ذلك اليوم، فعلاً، بعد ست سنوات من حرب الاستنزاف؟ هل سيتحقق الأمل، ونهزم العدو الإسرائيلى المتغطرس؟! ولم نتأكد، إلا فى الساعة الثانية ظهراً، عندما تابعنا، على شاشات الرادار، عبور 220 طائرة مصرية، لقناة السويس، وتنفيذ الضربة الجوية ضد الأهداف الإسرائيلية فى سيناء. بعدها بدأ العبور، وتوالت أجمل الإشارات عن عبور موجات العبور، وسقوط نقاط خط بارليف، الواحدة تلو الأخرى. وأتذكر فى الرابعة ظهراً، بينما أنا فى الغرفة الرئيسية، مشغول بخريطة العمل، أن نادى عليّ الرئيس السادات، قائلاً يا ابنى الخساير كام لحد دلوقتى؟. وكانت المفاجأة، بعد حصر الأرقام الواردة من الجيشين الثانى والثالث، أن الرقم لا يذكر، ولا يُقارن حتى بخسائرنا فى أيام التدريب على العبور، فى نهر النيل، لأن قواتنا كانت قد وصلت لدرجة الاحترافية.

وأذكر، كذلك، أنه فى الساعة الثالثة، أى بعد ساعة من الضربة الجوية، رأيت اللواء الجمسى، رئيس العمليات، آنذاك، يقوم من مكانه، ممسكاً بورقة، ناولها للفريق الشاذلى، رئيس الأركان، حينها، ثم قاما سوياً، إلى المشير أحمد إسماعيل، وزير الحربية، الذى أخذ منهما الورقة، واطلع عليها، قبل أن يتوجه للرئيس السادات، ويطلب منه الاجتماع مع سيادته فى غرفة صغيرة، خارج المركز. وبعد أقل من دقيقتين، خرجا من الغرفة، ووجه الرئيس السادات كلامه للموجودين بغرفة العمليات، فقال، يا أولادى، أخويا الطيار عاطف السادات استشهد فى الضربة الجوية، وكان غالى عليّ جداً، ولكنه ليس أغلى علينا من مصر.

وتابع سيادته اليوم معنا، من غرفة العمليات، ونحن نتلقى أجمل البلاغات بسقوط نقاط خط بارليف فى يد الجيش المصرى، واستمرت موجات عبور قناة السويس، بالقوارب، على مدى 12 موجة، كان خلالها رجال المشاة يقاتلون، دون دبابات، لصد كل الهجمات الإسرائيلية المدرعة، التى حاولت مقاومة قواتنا، وقهقرتهم للضفة الغربية، إلا أن أبطالنا المقاتلين، بدون دبابات، والمعتمدين على سلاح ر ب ج، وصواريخ الفهد، فقط، تمكنوا بإصرارهم واستبسالهم وشجاعتهم، أن يدمروا جميع المدرعات الإسرائيلية، التى تصدت لهم، ونجحت قواتنا فى التشبث بالأرض العزيزة فى سيناء.

ومع غروب شمس يوم السادس من أكتوبر، اندفعت العربات تحمل براطيم الكبارى، وتنزل مياه القناة، وتنجح،رغم ظلام الليل، فى إنشاء خمسة كبارى على طول القناة. وعلى ضوء القمر، وفقاً لحسابات خطة الهجوم، بدأت الدبابات والمدفعية تعبر إلى الضفة الشرقية للقناة، على الكبارى المقامة، وفشلت كل محاولات الطائرات الإسرائيلية فى الاقتراب من قواتنا التى أنشأت الكبارى، أو التى عبرت القناة، بفضل حائط الصواريخ المصرى، الذى منع القوات الجوية الإسرائيلية من الاقتراب من قناة السويس، وصار، من يومها، أحد أهم أشكال الدفاع، فى النظم العسكرية العالمية.

لقد وضعت قواتنا المسلحة المصرية، خطة عظيمة، اعتمدت فيها على عنصرى الخداع الاستراتيجى والمفاجأة، وعلى كفاءة وإصرار وبسالة أبنائها الأوفياء، فهزمت العدو الإسرائيلى، وحققت نصراً مبيناً يوم السادس من أكتوبر، الذى صار رمزاً لعظمة جيش مصر وشعبها العظيم.



Email: sfarag.media@outlook.com