العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وكان أكبرها “مستوطنة ياميت”، التي أقيمت، في منتصف السبعينيات، بالقرب من رفح، بهدف تحقيق التواصل بين سيناء، وشعب إسرائيل، في صحراء النقب، على أن تتحول، هذه المستعمرة، مستقبلاً، لمدينة ساحلية كبرى، على غرار تل أبيب، وحيفا، ولها ميناء ضخم على ساحل البحر المتوسط، وقد أقيمت البنية الأساسية، في ياميت، لتحقيق تلك الخطة.

ياميت
 

لواء د. سمير فرج

 23 إبريل 2020


يهل علينا شهر رمضان المعظم، هذا العام، في صورة تختلف، تماماً، عما عرفناه، وعايشناه، طيلة حياتنا، إذ يأتي الشهر الفضيل، في ظل اجتياح فيروس كورونا، اللعين، لكافة أرجاء العالم، ليحرمنا من أجمل ذكرياتنا، وطقوسنا الدينية فيه، من صلاة التراويح، إلى أداء مناسك العمرة، ويحرمنا، كذلك، من أسعد عاداتنا الاجتماعية، في تجمع الأهل، والأصدقاء، على مآدب الإفطار والسحور، كما يحرمنا من مشهد التراحم بين الناس، متمثلاً في موائد الرحمن … فندعو الله أن يزيح عنا تلك الغمة، ونستخلص من تجربتها الدروس والعبر.

أما أنا، ومع كل الذكريات السابقة، إلا أن قدوم شهر رمضان، يحمل إليّ ذكرى خاصة، جداً، لأغلى، وأعظم انتصار، حققناه في حرب السادس من أكتوبر 73، الموافق يوم العاشر من رمضان، فأذكر تفاصيل وجودنا في مركز القيادة الرئيسي للحرب، عندما دخل علينا الرئيس أنور السادات، في تمام الثانية عشر، ظهراً، وخلفه من يحمل صواني الشطائر، والعصائر، قائلاً، “يا أولادي بلغوا جميع الضباط، والجنود، على الجبهة، بأن فضيلة مفتي الديار المصرية قد أجاز لنا الإفطار في نهار رمضان، لأننا نخوض حرباً مقدسة، لتحرير الأرض”، فالتقط كل منا نصيبه، إلا أنه لم يدخل جوفه إلا في الثامنة مساءً، عندما حل موعد تبديل ورديات المناوبة. وحتى المشتبكون في المعارك، فإن أحد منهم لم يفطر، طوال أيام الحرب، داعين المولى، سبحانه وتعالى، أن ننال الشهادة ونحن صائمون.

أذكر من ذلك اليوم العظيم، سماع أجمل خبر فيه، في تمام الساعة الثانية والربع ظهراً، بعد بدء العبور، مباشرة، عندما التقطنا إشارة مفتوحة، من قائد القوات الجوية الإسرائيلية، لجميع طياريه، بعدم الاقتراب من قناة السويس، لمسافة 15 كم، وهي مدى عمل حائط الصواريخ المصري، فتأكدت، ساعتها، أن قواتنا ستنجح في اقتحام قناة السويس، وتدمير خط بارليف، دون تدخل من القوات الجوية الإسرائيلية، التي يطلق عليها “اليد الطولى” لإسرائيل … فمن فرط المباغتة، بث القائد الإسرائيلي رسالته دون تشفير، لعلمه بأن أي تأخير سيكلفه أرواح قواته، وسلامة معداته.

استردت مصر، برجالها، أرض سيناء، بعد انسحاب آخر جندي إسرائيلي، منها، وفقاً لبنود معاهدة كامب ديفيد، بعد احتلال دام 15 عاماً، ورفعنا العلم المصري على رفح في شمال سيناء، وشرم الشيخ في جنوبها، وسجل التاريخ يوم 25 أبريل، ذكرى تحرير سيناء، إلا طابا، التي ظلت تحت الاحتلال، حتى استعدناها، بالتحكيم الدولي، ورفع العلم عليها في 15 مارس 1989. ظنت إسرائيل بأن حلمها بالبقاء، في سيناء، للأبد، سيتحقق، بعدما احتلتها في يونيو 67، فأقامت بها 18 مستوطنة، كان لشمال سيناء الجزء الأكبر منهم، بواقع ١٥ مستوطنة، تمت إقامتها على الخط الحدودي، في منطقة رفح، وكان أكبرها “مستوطنة ياميت”، التي أقيمت، في منتصف السبعينيات، بالقرب من رفح، بهدف تحقيق التواصل بين سيناء، وشعب إسرائيل، في صحراء النقب، على أن تتحول، هذه المستعمرة، مستقبلاً، لمدينة ساحلية كبرى، على غرار تل أبيب، وحيفا، ولها ميناء ضخم على ساحل البحر المتوسط، وقد أقيمت البنية الأساسية، في ياميت، لتحقيق تلك الخطة.

وأمام قسوة ودقة الضربات المصرية، وتحقيق أهدافها في أكتوبر 73، ضاعت كل الأحلام الإسرائيلية، وأمام تلك الهزيمة المروعة، وأثناء البدء في تنفيذ قرار الانسحاب، قام الجنرال أريل شارون، بالإشراف، بنفسه، على هدم كافة المنشآت المقامة، في ياميت، وكانت كثيرة جداً، وتحطيم بنيتها الأساسية، حتى لا يستفيد منها المصريون، بعدما أسست لتكون مدينة كبرى. وفور انسحاب قوات العدو الإسرائيلي، ورفع العلم المصري، على العريش، زار المشير عبد الحليم أبو غزالة، المنطقة، فوجدها وقد تحولت لحطام، فلم يذر الإسرائيليون، بها، حائطاً فوق الأرض، فقرر، المشير أبو غزالة، إنشاء منطقة صناعية بالمنطقة، لتصنيع المنتجات الغذائية، استفادة من تنوع المحاصيل الزراعية، في سيناء، مثل الخوخ، والبرتقال، والزيتون، والبلح، وغيرهم.

وبالفعل، وفي غضون عشرة شهور، تم إنشاء مصانع لإنتاج العصائر، والبلح، والمربات، والفواكه المجففة، وزيت الزيتون، والمخللات، وتم توفير تلك المنتجات للمواطن المصري، في جميع منافذ البيع، العامة والخاصة، رداً على ما فعله شارون من تدمير وإزالة هذه المستعمرة، ولتكون رمزاً على عودة سيناء إلى الوطن الأم، وأن خيرات سيناء سيستفيد منها أبنائها، وأبناء الشعب المصري. وبمرور السنوات، تزايدت مساحة ذلك التجمع الصناعي، في منطقة رفح، مكان مستعمرة ياميت، لتستوعب كل إنتاج سيناء من الفاكهة، والخضروات، والزيتون، وبتراكم الخبرات، اتضح لنا أن محصول الزيتون السيناوي، يستخرج منه أفضل أنواع الزيت في العالم، بل ويتفوق على نوعية زيت الزيتون اليوناني، ذو الشهرة العالمية.

واليوم، عزيزي القارئ، عندما ترى منتجات جهاز الخدمة الوطنية، التابع للقوات المسلحة المصرية، من العصائر، والزيتون، والبلح، وغيرهم من المنتجات، تملأ رفوف المحال التجارية، تذكر أن ذلك إهداء أرض سيناء، الغالية، وتذكر أن الإرادة المصرية، الصلبة، كانت السبب في تأسيس تلك المصانع، رداً على محاولات العدو الإسرائيلي، لحرمان المصريين من الاستفادة من أراضيهم، التي حررتها سواعد جنودهم، وروتها دمائهم، وبذلت لأجلها الجهود العسكرية، والسياسية، والقانونية، حتى استعادة آخر شبر من الأرض المصرية … فكانت ياميت رمزاً لذلك كله.



Email: sfarag.media@outlook.com