العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

ظل هذا الفيلم، وأحداثه، يشغلان حيزاً من فكري، حتى جاءت حرب أكتوبر 73، وكلل الله فيها جهدنا بالنصر، فتمنيت لو أنتجنا فيلماً مماثلاً، في 4 ساعات.

هل من الممكن أن نرى ذلك الحلم؟
 

لواء د. سمير فرج

 4 يناير 2019


كانت المرة الأولى في حياتي، وأنا طالب في الكلية الحربية، أن تدعونا الكلية إلى سينما ديانا، بوسط القاهرة، لنشاهد فيلم “The Longest Day”، أو “أطول يوم في التاريخ” … واحداً من أعظم الأفلام، التي أنتجتها هوليود في تاريخها، عن الحرب العالمية الثانية. لقد شاهدت هذا الفيلم مراراً، وتكراراً، دونما ملل أو كلل … لدرجة أنني حفظت كل حواره، وجميع مشاهدة، ومازلت أشاهده بنفس حماس أول مشاهدة.

يجسد الفيلم معركة تحرير فرنسا، من قِبل القوات المتحالفة، البريطانية والأمريكية والفرنسية وباقي قوات التحالف، والتي تم الإنزال فيها بمنطقة نورماندي، على السواحل الفرنسية. وتشاء الأقدار أنه خلال دراستي، في كلية كمبرلي الملكية، في إنجلترا، أن أزور تلك المنطقة، لمدة أسبوع كامل، ضمن برنامج الكلية، المعروف باسم “Battel Field Tour”، حيث كنا ندرس كل المعارك العسكرية التي دارت هناك.

كان أروع ما في تلك الزيارة، وجود أبطالها الحقيقيين معنا، القائد البريطاني، والقائد الألماني، يشرح كل منهما، على أرض المعركة، تفاصيل ما حدث فيها، فكانت تلك المحاضرات العملية، من أروع ما درست في حياتي العسكرية. ولعل أهم يوم، هو ذلك الذي استمعنا فيه إلى الكولونيل الألماني، فان لوك، قائد البانزر، يشرح لنا كيفية قيام احتياطي البانزر الألماني، بهجوم كاسح ضد القوات البريطانية، التي تم إنزالها في نورماندي، وكيف تمكن، بقوة 80 دبابة، أن يوقف هجوم قوات الحلفاء لمدة 48 ساعة.

لقد كان، حقيقي، من أعظم القادة العسكريين، الذين قابلتهم في حياتي، خلال فتره الدراسة، بعد حرب أكتوبر 73، وكان، حينها، يشغل منصب رئيس مجلس إدارة أكبر شركات الحديد والصلب، في ألمانيا، وهي شركة “كروب”، التي نفذت كوبري الجامعة، على نيل القاهرة. ولقد استعرضت بعض من تفاصيل ذلك اللقاء، في مقالي الأسبوعي، بجريدة الأهرام، تحت عنوان “أجمل صورة … وأجمل تعليق”، بتاريخ 4أغسطس 2016.

نعود إلى ذلك الفيلم الرائع، “أطول يوم في التاريخ”، الذي شارك به 25 بطلاً، ونجماً، من ألمع نجوم هوليود، في هذا الوقت، ومدة عرضه 4 ساعات؛ مقسم إلى فصلين، الأول لمدة ساعتين، عرض فيها الاستعدادات، والتخطيط، لعبور المانش، والإنزال على الساحل الفرنسي، في منطقة نورماندي، أما الفصل الثاني، بعد الاستراحة، لمدة ساعتين أخريين، فيحكي قصة الإنزال، والمعارك التي دارت، حتى القضاء على الدفاعات الألمانية، والوصول إلى باريس. الفيلم أكثر من رائع في شرح الخطط التفصيلية، والمصاعب، وخطة الخداع، ودور القوات البرية، والبحرية، والجوية بالتفصيل.

ظل هذا الفيلم، وأحداثه، يشغلان حيزاً من فكري، حتى جاءت حرب أكتوبر 73، وكلل الله فيها جهدنا بالنصر، فتمنيت لو أنتجنا فيلماً مماثلاً، في 4 ساعات، يبدأ جزءه الأول، بحرب 67، وما أعقبها من حرب الاستنزاف، التي شهدت بطولات عظيمة، حتى تم تنظيم صفوف القوات المسلحة، وإعادة تسليحها، على أن يشمل الجزء الأول، كذلك، كيفية التخطيط لحرب أكتوبر، والمصاعب والمشاكل التي واجهت الخطة، وأهم القرارات السياسية التي تم اتخاذها في هذه الفترة، ومنها قبول الرئيس عبد الناصر لمبادرة روجرز.

على أن يبدأ الجزء الثاني، لمدة ساعتين، بنجاح قواتنا في عبور قناة السويس، وتدمير خط بارليف، وصد الاحتياطيات المدرعة الإسرائيلية. على ألا يقتصر هذا الجزء، على إبراز البطولات العسكرية للجندي المصري فحسب، وإنما يمتد إلى توضيح براعة المخطط المصري، في وضع خطة محكمة للحرب، قد يفوت على المواطن العادي إدراك أركانها، مثل عملية إغلاق مضيق باب المندب، أمام الملاحة الإسرائيلية، ومعارك الدبابات، وبطولات القوات الجوية، والصاعقة، والمظلات، والدور الرائع للمهندسين العسكريين في هذه الحرب. وينتهي هذا الجزء بقصة صمود السويس … كان ذلك تخيلي لهذا الفيلم عن حرب أكتوبر 73 العظيمة.

عندما توليت منصب مدير الشئون المعنوية، للقوات المسلحة المصرية، رأيت أن أترجم خيالي إلى واقع، فعرضت الأمر على المشير طنطاوي، الذي رحب بالفكرة، ووافق عليها، فوراً. وبدأنا الإعداد لهذا الفيلم، بالاتصال بالكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، والمخرج المصري الشاب شريف عرفة، وتم رصد ميزانية مبدئية لإنتاج ذلك الفيلم التاريخي، كما تم الاتصال بمخرجين عالميين، متخصصين في معارك القوات الجوية، والبحرية، والبرية … ولكن، للأسف، ودون الخوض في التفاصيل، فلم يتح لهذا العمل أن يرى النور.

وبالرغم من ذلك، لم أتخل عن الفكرة، ولا زلت أنادي بضرورة توثيق حرب أكتوبر درامياً، بعمل ضخم، يليق بها … فإن مثل هذا الفيلم، يجب أن يتم إنتاجه الآن، وقبل فوات الأوان، في ظل وجود بعض أبطال الحرب الحقيقيين على قيد الحياة، للاستفادة من شهادتهم، ونصائحهم، من جهة. ومن جهة أخرى، قبل خروج معظم الأسلحة التي اشتركت في حرب 73، من الخدمة. فعن قريب لن نرى طائرات الميج 21، أو الطائرة السوخوي، أو الدبابات الروسية، والعربات المدرعة، على سبيل المثال. كما أن الفرصة مازالت متاحة، لتصوير بعض المشاهد في أماكنها الحقيقية.

باقي خمس سنوات على الاحتفال باليوبيل الذهبي، لحرب أكتوبر 1973، وهي مدة كافية، للتخطيط، ولإنتاج، وإخراج هذا العمل الفني الكبير، بصورة تليق بأعظم الانتصارات العسكرية المصرية في العصر الحديث. وإن لاقت فكرتي قبولاً، فيجب تشكيل لجنة من العسكريين، والسياسيين، والخبراء، تحت قياده إدارة الشئون المعنوية، والمخابرات، للبدء في ذلك العمل، حيث أن القوات المسلحة المصرية، هي المؤسسة الوحيدة، القادرة على إنتاجه، في ظل ارتفاع تكلفة إنتاج مثل هذه الأعمال، بسبب استخدام المعدات العسكرية، خاصه الطائرات، والمدرعات، فضلاً عن حجم القوى البشرية، اللازمة لتنفيذ مشاهد المعارك.

إن الهدف ليس عملاً درامياً، وإنما توثيق وتجسيد للنصر العظيم لمصر، خلال العصر الحديث، وليكون ذاكرة لأجيال المصريين، في الفترة القادمة.



Email: sfarag.media@outlook.com