العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

لم تكن عملية إغراق المدمرة إيلات، هى العملية الوحيدة، أو الأخيرة، التى تنفذها البحرية المصرية، بنجاح، ضد العدو الإسرائيلى ... فلقد شهد ميناء إيلات، خلال حرب الاستنزاف، ثلاث عمليات عسكرية مصرية.

إيلات ... عقدة البحرية الإسرائيلية!
 

لواء د. سمير فرج

 19 أكتوبر 2017

نصف قرن من الزمان... وتحديداً منذ يوم الحادى والعشرين من أكتوبر 1967... وحطام المدمرة الإسرائيلية، إيلات، ترقد فى أعماق البحر الأبيض المتوسط، قبالة سواحل مدينة بورسعيد الباسلة ... لتخلد ذكرى أعظم العمليات البحرية فى التاريخ العسكرى الحديث ... ولتصبح، ذكرى تدميرها، عيداً سنوياً للقوات البحرية المصرية.

واليوم... وأنا أشارك البحرية المصرية احتفالاتها بعيدها، أتذكر بعضا من تفاصيل تلك العملية، التى تمت بواسطة لنشى صواريخ من البحرية المصرية، انطلقا من ميناء بورسعيد، فور رصد «هدف كبير» على شاشات الرادار المصرية، فى قاعدة بورسعيد البحرية، مخترقاً المياه الإقليمية المصرية، بما يمثل تحديا سافرا للقوانين الدولية ... فانطلقا على الفور واستطاعا إصابة المدمرة بصاروخ فى جانبها، فبدأت تميل، فلاحقاها بصاروخ ثانٍ، أجهز عليها تماماً، وبدأت تغرق وعلى متنها 199 فردا، منهم 99 من طلبة الكلية البحرية الإسرائيلية، الذين كانوا فى رحلة تدريبية ... وتدخلت رئاسة الأركان الإسرائيلية بعدها، وطلبت من مصر السماح لها بانتشال جثث الغرقى، فسمحت لهم مصر بذلك. كانت تلك العملية السبب فى تغيير مفهوم الفكر العسكرى البحرى فى العالم كله، من حيث نوع وحجم القطع البحرية لكل دولة ... ونوعية التسليح ... وشكل الرادارات الحديثة. فبعد أربعة أشهر، فقط، من هزيمة يونيو 67، تمكنت القوات المسلحة المصرية، من إغراق المدمرة الإسرائيلية، إيلات، فخر البحرية الإسرائيلية، آنذاك، والتى كان عمرها 25 عاماً فقط، عند انضمامها للأسطول البحرى الإسرائيلى فى يونيو عام 1956، ضمن صفقة مع بريطانيا، ضمت المدمرة الثانية يافا.

لم تكن عملية إغراق المدمرة إيلات، هى العملية الوحيدة، أو الأخيرة، التى تنفذها البحرية المصرية، بنجاح، ضد العدو الإسرائيلى ... فلقد شهد ميناء إيلات، خلال حرب الاستنزاف، ثلاث عمليات عسكرية مصرية، ضد القطع البحرية الإسرائيلية المتمركزة هناك... ثلاث عمليات، أوجعت العدو، تم تنفيذها بواسطة الضفادع البشرية المصرية، وبالتعاون مع المخابرات المصرية، كانت العمليات المصرية تهدف إلى تدمير السفينة الإسرائيلية «بات شيفع»، وناقلة الجنود «بات يام»، وكذلك تدمير الرصيف الحربى لميناء إيلات.

بناء على ما تجمع للقيادة المصرية من معلومات حول تحركات السفينة «بات شيفع» وناقلة الجنود «بات يام»، فقد تم وضع خطة، تعتمد على بديلين، لتدميرهما، وتحدد لها يوم 16 نوفمبر 1969 للتنفيذ. اعتمدت الخطة على تشكيل ثلاث مجموعات من الضفادع البشرية للسفر إلى ميناء العقبة الأردني، والتحرك منه حال مبيت السفينتين فى ميناء إيلات. بينما تم تجهيز مجموعتين أخريين فى مدينة الغردقة، للتحرك منها حال مبيت السفن فى خليج نعمة بشرم الشيخ. ولما تأكد مبيت السفن فى إيلات، سبحت مجموعة العقبة فى اتجاه ميناء إيلات، ولما لم يتمكنوا من دخول الميناء، قاموا بتلغيم سفينتين إسرائيليتين أخريين، هما «هيدروما» «ودهاليا»، واستشهد فى هذه العملية الرقيب فوزى البرقوقي، ونظراً لما يربطهما من صداقة وطيدة، قام الملازم أول بحري، نبيل عبدالوهاب بسحب جثمان صديقه حتى الشاطئ، لمسافة 14كم، وحتى لا تستغل إسرائيل جثمانه فى الدعاية الإعلامية. وبنجاح هذه العملية، حقق الجيش المصرى مكسباً مادياً، إضافة إلى تحقيق نجاحات معنوية كبيرة له، وللشعب المصرى بكامله. لم يكد يمر ثلاثة أشهر على نجاح الضربة الأولى، إلا وكانت البحرية المصرية قد خططت ونفذت عمليتها الثانية، فى فبراير من عام 1970، عندما استغلت قيام إسرائيل بإصلاح بعض الأعطال التى أصابت الناقلة «بات شيفع»، مما اضطرها لعدم الإبحار خارج ميناء إيلات. كانت البحرية المصرية قد أعدت قواتها، حينئذ، والذين سافروا إلى العراق، ومنها إلى عَمان، ثم إلى ميناء العقبة الأردني. وفى الموعد المحدد، قامت القوة البحرية بالسباحة من ميناء العقبة لمسافة 5.5 ميل بحري، وقام الملازم أول بحري، رامى عبد العزيز، بتلغيم الناقلة «بات يام»، بمفرده، بعدما اضطر معاونه الرقيب محمد فتحى للعودة إلى العقبة، عندما اكتشف نقص خزان الأكسجين. وفى ذات اللحظة، كان الضابط البحرى عمرو البتانوني، ومساعده الرقيب على أبو ريشة، يقومان بتلغيم السفينة «بات شيفع». وفى التوقيت المحدد، حدث الانفجار، بعد عودة القوات المصرية، مرة أخرى، إلى ميناء العقبة. فكان نجاح تلك الإغارة المصرية الثانية، سبباً فى تغيير قيادة سلاح البحرية الإسرائيلية بالكامل.

فى مايو من نفس العام، 1970، كانت البحرية الإسرائيلية قد انتهت من إصلاح السفينة «بات شيفع»، بعد ما أصابها من تدمير جراء الغارة المصرية الثانية، وعادت السفينة لحركتها الطبيعية، والتى تقتضى المبيت خارج ميناء إيلات، كجزء من التدابير الأمنية التى اتخذتها إسرائيل. فوضعت مصر خطتها لتدمير السفينة، والتى تعتمد على تثبيت لغمين بحريين، زنة الواحد منهم 150 كيلو جراما، من مادة شديدة الانفجار، فى قاع ميناء إيلات، مكان رسو السفينة «بات شيفع». ونجحت الضفادع البشرية المصرية فى الوصول إلى الميناء، فى أحد أيام السبت، لاستغلال موعد الراحة الأسبوعية فى إسرائيل، وقاموا بتثبيت الألغام فى الأماكن المقررة لها. وكان تأخر وصول «بات شيفع» إلى ميناء إيلات، سبباً فى إنقاذها من انفجار اللغمين فيها، إلا أن انفجارهما أدى إلى تدمير الرصيف البحرى بالكامل، والقضاء على عدد هائل من الضفادع البشرية الإسرائيلية، التى كانت موجودة فى العمق، للتصدى لمحاولات الاختراق المصرية. وبهذا صارت كلمة «إيلات» تمثل رعباً للقيادة الإسرائيلية، إذ صارت تذكرهم بإغراق أكبر قطعهم البحرية بواسطة لنشى صواريخ ... كما تذكرهم بملحمة البحرية المصرية، التى نفذت ثلاث عمليات متتالية فى ذات الميناء، ميناء إيلات، فى مدة لا تتجاوز السبعة أشهر، وهو ما لم يحدث من قبل فى تاريخ العمليات البحرية حول العالم..واليوم ...



Email: sfarag.media@outlook.com