العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وصدر الكتاب، بعد الحرب، حاملا اسما مختلفا، يليق بحقائق حرب أكتوبر.

ـ من «الذبح» ..إلى «الكابوس» ـ
 

لواء د. سمير فرج

 5 أكتوبر 2017

فى السادس من أكتوبر عام 1973... فى تمام الثانية ظهرا... بدأ هجوم القوات المسلحة المصرية والسورية، على الدفاعات الإسرائيلية فى الضفة الشرقية لقناة السويس والجولان ... وتواردت أنباء الهجوم المشترك على جميع المصادر الإعلامية ... وتأكد للجميع صحة نبأ تلك العملية الهجومية من الجيشين المصرى والسوري.

فى تلك الأثناء، وفى العاصمة البلجيكية بروكسل ... اجتمع ثلاثة صحفيين ممن تجمعهم صداقة وطيدة ... ولهم خبرات سابقة فى تغطية أحداث الأعمال العسكرية ... وقرروا تغطية هذه الحرب وتوثيقها، فيما بعد، فى كتاب مشترك.

واعتمادا على مرونة الجانب الإسرائيلى فى التعامل مع الصحفيين، مقارنة بالبلاد العربية... فقد استصدروا تصاريح سفرهم، على الفور، إلى تل أبيب، بعدما نجحوا فى الحصول على الموافقات الأمنية والعسكرية من وزارة الدفاع الإسرائيلية ... على أن ينطلقوا منها إلى ثلاث وجهات مختلفة؛ أولاها رئاسة الأركان الإسرائيلية ... وثانيتها الجبهة الإسرائيلية فى سيناء ... والأخيرة فى جبهة الجولان من القيادة الإسرائيلية هناك.

وتم حجز تذاكر الطيران ... وتوجه الثلاثة، فورا، إلى مطار بروكسل، فى انتظار موعد إقلاع الطائرة التى ستقلهم إلى تل أبيب ... وفى كافيتريا المطار جلس الثلاثة يتشاورون حول الإطار العام لكتابهم، المقرر إصداره لاحقا ... وتم الاتفاق على محتواه الذى لن يُوثق، بدقة شديدة، للحرب، كما سيشهدونها، فحسب ... وإنما سيتضمن بيانات وحقائق موثقة عن كل من القوات الإسرائيلية والمصرية والسورية.

تذكر مقدمة الكتاب المشار إليه، أن الصحفيين الثلاثة اعتمدوا فى جمع معلوماتهم عن حجم القوى العسكرية المشاركة فى الحرب، على العدد رقم (115)، المؤرخ يناير 1973، من الإصدار السنوى للمعهد الدولى للدراسات الاستراتيجية فى لندن International Institute for Strategic Studies (IISS)، والمعرف باسم The Military Balance أو «ميزان القوى العسكرية»، والذى يُعد، حتى يومنا هذا، أقوى مصدر للبيانات العسكرية فى العالم كله. وبنظرة بسيطة، حتى من غير المتخصصين فى الشأن العسكري، على حجم القوات العسكرية الإسرائيلية والمصرية والسورية، والمقارنة بينهما، يظهر بوضوح التفوق الكمى والنوعى للجيش الإسرائيلي. فضلا عن وجود المانع المائي، المتمثل فى قناة السويس، على الجبهة المصرية، مما يجعل من الهجوم على سيناء وتدمير خط بارليف مهمة مستحيلة. أما على الجبهة السورية، فقد كان الخندق المضاد للدبابات، الذى أقامه الجيش الإسرائيلى فى دفاعاته فى الجولان، سببا كافيا لوقف أى محاولة سورية للهجوم.

وتضيف مقدمة الكتاب، أن الصحفيين الثلاثة، أثناء لقائهم فى مطار بروكسل، قد تناقشوا حول مقترح لاسم الكتاب، ليكون لهم هاديا ونبراسا عند رصد وتدوين مشاهد هذه الحرب، تمهيدا لسردها وتوثيقها، فيما بعد. فكان The Slay، أو «الذبح» هو الاسم الذى اقترحوه، واستقروا عليه!

وقد برروا هذا الاختيار، فى مقدمة كتابهم، بأنه اعتمد على قوة الجيش الإسرائيلي، وتراكم خبراته ... ذلك الجيش الذى انتصر على القوات المصرية فى حرب الأيام الستة فى يونيو 1967، وظل موشى ديان، وزير الدفاع الإسرائيلي، آنذاك، يردد مقولته الاستفزازية بأنه جالس بجوار التليفون، على الضفة الشرقية للقناة، فى انتظار مكالمة من عبد الناصر يطلب منه فيها التفاوض على شروط الصلح.

وحيث إنه أمام الصمود المصري، لم يتلق ديان هذه المكالمة أبداً، فقد خسر الإسرائيليون ميزة نصر 1967، بعدم تحقيقهم لأى إرادة سياسية على العرب، سواء مصر أو سوريا أو الأردن. وبناء عليه، فقد رأى الصحفيون الثلاثة، أن إسرائيل لن تكرر تلك الغلطة، ولن تكتفي، اليوم، بتحقيق النصر فى هذه الحرب، وإنما ستفرض على العرب، بل سترغمهم على قبول مطالبها السياسية. وتوقع الصحفيون، أثناء تبادلهم أطراف الحديث فى مطار بروكسل، أن القوات الإسرائيلية ستقوم، هذه المرة، «بذبح» القوى العسكرية العربية، لإجبار مصر وسوريا على الرضوخ لمطالب إسرائيل ... وأن القتال لن يتوقف إلا بعد الاستسلام الكامل من مصر وسوريا.

وأقلعت الطائرة إلى تل أبيب ... وهناك تفرق الصحفيون الثلاثة كل إلى وجهته، وفقاً لما هو متفق عليه؛ أحدهم إلى رئاسة الأركان الإسرائيلية، والثانى إلى الجولان، والثالث إلى سيناء. كان من أهم ما تناوله الكتاب، فيما بعد، هى تلك الفصول التى وثقها الصحفى الأول، الموجود فى رئاسة الأركان الإسرائيلية ... فقد كان شاهد عيان، تمكن من رصد صدمة وذهول الإسرائيليين من براعة التخطيط المصري، ومن تدفق القوات المصرية عبر قناة السويس، وسقوط خط بارليف «المنيع» واستسلام أفراد القوات الإسرائيلية. يقول الصحفى إنه أمام تواتر الهجوم المصري، علق أحد القادة الإسرائيليين الموجود فى مركز العمليات قائلاً «إن المصريين يشبهون جيوش النمل ... التى تخترق أى موانع، ولا تستطيع إيقافها أو التصدى لها».

كما رصد هذا الصحفى دموع الحسرة فى عينى جولدا مائير، رئيسة الوزراء الإسرائيلية، ووزير دفاعها موشى ديان، يوم التاسع من أكتوبر، فى اليوم الرابع للقتال، عندما أعلنا هزيمة إسرائيل فى مؤتمر صحفى شهير. والذى تم التكتم عليه، بعدما قررت الولايات المتحدة الأمريكية مد جسر جوى لدعم إسرائيل عسكرياً، فكانت الطائرات الأمريكية، C5، تهبط على مدى اليوم، فى مطار العريش، حاملة على متنها أحدث أنواع المعدات والأسلحة، لنجدة القوات الإسرائيلية ... لكن دون جدوى!

وصدر الكتاب، بعد الحرب، حاملا اسما مختلفا، يليق بحقائق حرب أكتوبر 73، وما دار فيها ... The Nightmare، أى «الكابوس» ... بديلا عما كان مقرراً له من أن يكون The Slay، أو «الذبح» ... فقد كانت هذه الحرب، حقا، كابوسا على إسرائيل!



Email: sfarag.media@outlook.com