العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

إنتاج هذه الأعمال الروائية، ذات الطابع البطولي، من شأنه تعزيز مشاعر الوطنية والإحساس بالفخر، لدى الشعب المصري ... وخاصة بين أجيال الشباب.

متى يظهر فيلم عن حرب أكتوبر

لواء أ.ح. دكتور/ سمير فرج

 

تمر الأيام ... والسنين ... ومعها الذكريات ... والأحداث ... في تاريخ الأمم والشعوب. ومهما سجلت الكتب والوثائق، هذه الأحداث التاريخية ... تظل النواحي الإنسانية للشعوب والأفراد، غير مسجلة في ذاكرة الأمة. ومن هنا تجئ أهمية وجود أفلام تجمع بين الحقائق التاريخية المدونة، والموثقة في كتب التاريخ، وفي السجلات والوثائق الرسمية للدولة.

ومن هنا أبدأ كلماتي ... عن ضرورة إصدار فيلماً عن حرب أكتوبر 73 ... وأقصد هنا فيلم روائي طويل ... أو سلسلة أفلام روائية طويلة عن الحرب ... تحكي قصة هذه الحرب، موضحة للأحداث المدونة في المراجع التاريخية، مع التركيز على الجوانب الإنسانية المصاحبة لهذه الوقائع التاريخية. فمثلاً ... إذا تناولنا فيلماً عن ملحمة كبريت ... وقصة الحصار لهؤلاء الأبطال، تجد أن تأريخ الأحداث والحقائق، لم يوضح مشاعر وانفعالات هؤلاء الأبطال ... وأحاسيس عائلاتهم، أثناء خلال تلك الملحمة. ولو أخذنا مثالاً آخر، وليكن عن حرب الاستنزاف ... فإن الوثائق تذكر حقيقة تهجير أهالي مدن القناة ... بورسعيد والسويس والإسماعيلية ... لكنها لم تصور المشاعر الإنسانية لمن عاشوا هذه التجربة. وهنا يكون دور الفيلم الروائي الذي يوضح ويؤرخ ويصور بدقة تلك الجوانب. وفي رأيي أن الأفلام الروائية التي صدرت عن أحداث الثورة الفرنسية، كانت خير دليل على ما أقول، حيث جسدت للعالم أحاسيس ومشاعر مختلف طبقات الشعب الفرنسي، آنذاك، مثل رواية “A Tale of Two Cities” أو "قصة مدينتين" للكاتب الإنجليزي الشهير تشارلز ديكينز، التي تحولت لأشهر الأفلام الروائية عن الثورة الفرنسية. ثم فيلم “War and Peace” أو "الحرب والسلام"، المأخوذ عن الرواية العالمية للكتاب الروسي ليو توليستوي، ويروي قصة غزو نابليون لروسيا. كذلك فيلم "الطريق إلى إيلات" الذي حقق شعبية كبيرة في الشارع المصري، وقدم للأجيال التي لم تعاصر فترة الحرب، صورة رائعة عن بطولات قواتنا البحرية.

ومن هذا المنطلق، جاءت الفكرة منذ عدة سنوات مضت، عندما كنت مديراً للشئون المعنوية بالقوات المسلحة المصرية، إذ تم توقيع عقد مع الكاتب الرائع أسامة أنور عكاشة، رحمه الله، لكتابة قصة فيلم عن حرب أكتوبر. والتقى، آنذاك، الكاتب الكبير، مع عدد من قادة القوات المسلحة، والضباط، والجنود، واستمع لروايتهم عن الحرب، تمهيداً لاستخدام قلمه الرشيق، وقدراته العالية في كتابة القصة. وتم، حينئذ، التعاقد مع المخرج القدير شريف عرفة، لإخراج هذا العمل. وتم الاتفاق مع عدد من المخرجينالعالميين في هوليود، المتخصصين في المعارك البرية، والجوية، والبحرية، للتعاون في إخراج معارك هذا العمل الفني. ولقد استلهمت هذه الفكرة من الفيلم الأمريكي “The Longest Day” أو "أطول يوم في التاريخ"، والذي أعتقد أنه أعظم فيلم أمريكي تناول إنزال قوات الحلفاء في نورماندي، وتحرير فرنسا، والقضاء على الجيوش الألمانية، أثناء الحرب العالمية الثانية.فكان الاتفاق مع الكاتب الكبير أسامة أنور عكاشة، أن تكون مدة الفيلم 4 ساعات، مقسمة على جزئين، يتناول الجزء الأول نكسة 67، وما أعقبها من حرب الاستنزاف، والتحضير والتخطيط لحرب أكتوبر 73، ويبدأ الجزء الثاني بلحظة العبور واقتحام قناة السويس، وإنجاز هذه الملحمة التاريخية الرائعة، التي كلل الله فيها، مجهوداتنا، بالنصر.

ولن أخوضفي الأسباب العديدة، وراء عدم ظهور هذه الفكرة إلى النور، ولكنني أفضل، اليوم،  الحديث عن أهمية إحيائها، والإسراع في تنفيذها، لعدة أسباب، أولها أن بعض من القادة والضباط المشاركين في هذه الحرب، مازالوا على قيد الحياة، والاستماع إليهم، كشهود عيان، من شأنه إثراء هذا العمل الفني بالأحداث كما نقلها أصحابها. أما السبب الثاني فهو أن معظم الأسلحة والمعدات التي استخدمتها القوات المسلحة المصرية، أثناء الحرب، لم تعد تستخدم الآن. فتصوير مثل هذا العمل لا يمكن أن يخلو من مشهد واضح للعبور، وهو ما يستلزم استخدام معدات العبور الحقيقية والدبابات، التي لم تعد، حالياً، في الخدمة. ولو حاولت تجسيد مشاهد معركة المنصورة الجوية، مثلاً، فيجب أن يكون ذلك باستخدام الطائرات ميج-21، والتي يجب التأكد من جودها، أولاً، ومن صلاحيتها للاستخدام، ثانياً. أضف إلى ذلك، أن أرض المعركة ومنطقة العبور على ضفاف قناة السويس، ذاتها، قد تغيرت جغرافياً، نتيجة للتطوير والتنمية الذين لحقوا بها، وقد يجئ اليوم، الذي لا تجد فيه منطقة الساتر الترابي وخط بارليف، لتجسيدهما في عمل فني يروي هذه الفترة العظيمة من عمر الوطن.فهذه الأسباب، وغيرها، يدعونا للإسراع في تنفيذ مثل هذا العمل.

وعلى جانب آخر، فإن إنتاج هذه الأعمال الروائية، ذات الطابع البطولي، من شأنه تعزيز مشاعر الوطنية والإحساس بالفخر، لدى الشعب المصري ... وخاصة بين أجيال الشباب ... الذين يحتاجون، في بعض الأوقات، إلى الالتفاف حول رموزهم الوطنية. إن أمريكا عندما فرغت من إنتاج أفلام البطولة عن حربها في فيتنام، والتي لم تقنع العديد من مواطني الشعب الأمريكي وشبابه، لاعتراض الكثيرين منهم على هذه الحرب، اخترعت لهم، ومازالت تخترع، أبطالاً أسطوريين مثل سلسة أفلام "رامبو" التي التفت حولها أجيال الشباب، حتى يومنا هذا. أيها السادة ... إذا كانت الدول تتفاخر بما حققته من دمار لشعوب أخرى، أو تتباهى بأبطال أسطوريين، فالأولى بنا أن نتفاخر ونتباهى بما لدينا في مصر من المئات، بل الآلاف، من "رامبو" الحقيقيين في حرب أكتوبر 73، الذين قاموا بعمليات وطنية لتحرير الأرض، وضحوا بأرواحهم فداءاً لها. لقد حان الوقت لتقديم وتجسيد بطولاتهم لشباب مصر، ليكونوا قدوة لهم في المستقبل.

ومن هنا، أرفع صوتي ... للجميع ... أناشدهم ... وأرجوهم من أجل تاريخ هذا الوطن ... ومن أجل هذا الشعب العظيم ... وجيشه ... الذي قدم أكبر وأروع ملحمة في التاريخ الحديث ... أن يتم تنفيذ هذا العمل ... وأن يتم تنفيذه في أعلى صورة فنية ... ليسجل للأجيال الحالية والقادمة ما حققه جيشه المصري من بطولة. اللهم إني قد بلغت ... اللهم فاشهد.

Email: sfarag.media@outlook.com