العودة إلى الفهرس الرئيسي
لتحميل الوثيقة في صورة PDF
من المقــال
تابع الرجل حديثه قائلًا: "آخر ما أريد قوله: شكرًا لكل المصريين. لا بد وأنكم فخورون بانتمائكم لأم الدنيا".
|
سوريا ومصر وقيمة الوطن
لواء د. سمير فرج
|
22 مارس 2025
|
شهدت سوريا منذ عام ٢٠١١ صراعًا مسلحًا طويل الأمد، شاركت فيه أطراف دولية عديدة، من بينها روسيا، التى دعمت نظام بشار الأسد بهدف الحصول على قاعدة جوية وبحرية، بالإضافة إلى إيران التى قدمت أيضًا دعمًا عسكريًا لنظام الأسد. فى المقابل، كان هناك تنظيم داعش، إلى جانب القوات الكردية السورية المدعومة من الولايات المتحدة، فضلًا عن أطراف أخرى لعبت دورًا فى المشهد السورى.
وفى ٨ ديسمبر ٢٠٢٤، سقط نظام بشار الأسد على يد أحمد الشرع، الذى أعلن تشكيل حكومة انتقالية. تزامن ذلك مع غزو إسرائيل لهضبة الجولان واستيلائها على جبل الشيخ، وهو ما أدى إلى تصاعد التوترات فى المنطقة.
مؤخرًا، أعلن أحمد الشرع توقيع إعلان دستورى يحدد ملامح المرحلة الانتقالية لمدة خمس سنوات، ويمنحه سلطة إعلان حالة الطوارئ، مما أثار موجة من الاعتراضات، أبرزها من طائفة الموحدين الدروز، الذين أعلنوا بوضوح رفضهم لهذا الإعلان الدستورى. وفى الوقت نفسه، تنتظر سوريا نتائج لجنة تقصى الحقائق بشأن أحداث الساحل السورى، التى شهدت استهدافًا للمدنيين من الطائفة العلوية.
رغم اتفاق الشرع مع قوات قسد المدعومة من تركيا، إلا أن الأمور تغيّرت بمجرد تنفيذ الأوامر الأمريكية، حيث انسحبت القوات الأمريكية من مناطق قسد، مما دفع الأخيرة إلى إعادة ترتيب تحالفاتها مع أحمد الشرع.
اليوم، تواجه سوريا بقيادة أحمد الشرع تحديات كبيرة، أبرزها معارضة الأقليات، سواء من قسد أو من جهاد السويداء، التى تمثل الطائفة الدرزية. كما ظهرت على السطح مشكلة اللاجئين السوريين، حيث لا يزال ملايين السوريين فى الخارج، يتطلعون إلى العودة إلى وطنهم. وتشير التقديرات إلى أن هناك حوالى ٣ ملايين لاجئ سورى فى تركيا، ومليونين فى لبنان، ومليون فى ألمانيا، ومليون فى مصر، بالإضافة إلى أعداد أخرى منتشرة فى الدول الأوروبية.
وسط كل هذه الأحداث، جاء اقتراح ابنتى الصغيرة بأن يكون لقاء العائلة فى رمضان مختلفًا هذا العام، حيث قررنا أن نجتمع فى وجبة الإفطار فى أحد الأماكن المفتوحة فى مدينة ٦ أكتوبر، وتحديدًا فى مطعم سورى، لعلمها بأننى من هواة هذا المطبخ المتميز، ذو الطابع المحبب لنا جميعًا. وبالفعل، توجهنا إليه واستمتعنا بأطباقه الشهية، وأهمها المقبلات السورية. وما إن انتهينا من تناول الإفطار، حتى تقدم إلينا صاحب المطعم السورى الجنسية، وعرفنى بنفسه، وطلب منى أن نتحدث سويًا لدقائق قليلة، فلم أتردد بالطبع.
والحقيقة أننى لم أتكلم، بل استمعت إلى حديثه، الذى بدأه بقوله: «أنا عندى رسالة أتمنى أن تساعدنى فى إيصالها إلى مستحقيها».
واستطرد صاحب المطعم قائلًا: «اللى قال إن مصر أم الدنيا لم يخطئ أبدًا... ده قول صحيح مائة بالمائة. لقد حضرنا إلى مصر بعد تردى الأوضاع فى سوريا، آملين ألا يطول بنا الأمد خارج بلادنا، وهو ما ظنه كل من غادر مختلف المدن السورية هربًا من القتال وقصف الطيران والمدفعية، بعدما تهدمت المنازل وانقطعت الخدمات، سواء المدارس أو المياه أو الكهرباء، واستحالت الحياة على أرض بلادنا الحبيبة».
وتابع الرجل: «منا من اندفع من شمال سوريا نحو تركيا، فانتهى بهم الحال، وعددهم ٢ مليون سورى، فى معسكرات اللاجئين فى المنطقة الحدودية، يعيشون فى أسوأ ظروف يمكن أن يتخيلها إنسان، رغم ما يوفره الاتحاد الأوروبى لتركيا من مساعدات لتمويل إقامة السوريين، خوفًا من تدفقهم إلى أوروبا بالطبع. ومع ذلك، فإن أى محاولة سورية للقيام بعمل تجارى، تُجابه بكل أعمال العنف والبطش التركى».
استكمل الرجل حديثه قائلًا: «أما من تمكن منا من الوصول إلى أوروبا، فلا يضاهيه فى سوء معيشته إلا الموجودون منا على الحدود التركية، فكلهم محشورون فى معسكرات لا حياة فيها»، ودلل الرجل على ذلك بواقعة احتراق أحد معسكرات اللاجئين السوريين فى اليونان منذ أسابيع، التى انتهت باندفاع اللاجئين السوريين إلى الشوارع بلا مأوى، بينما الجيش اليونانى يطاردهم.
«أما من فروا إلى لبنان، لقرب المسافة بينها وبين سوريا، فإما يعيشون فى معسكرات لاجئين، أو يعيشون تحت خط الفقر، ويعملون بأجور زهيدة للغاية، لا تكفى لسد الرمق، بينما رجال الأعمال السوريون الذين قرروا نقل أموالهم إلى لبنان، كانت خسارتهم فادحة، بعد تفاقم الأزمة المالية والاقتصادية والسياسية التى ألمت بلبنان الشقيق، ولا يعلم مداها اليوم إلا الله».
لم أقاطع الرجل، بينما هو مستطرد فى حديثه قائلًا: «أما من راهن على مصر فقد ربح. فمنذ وصولنا إلى الحبيبة مصر، لم نشعر يومًا بغربة. لقد أحسن أهل مصر استقبالنا، ولم تتاجر قيادتها بقضيتنا، لقد تقاسمنا معكم العيش، والتحق أبناؤنا بمدارسكم وجامعاتكم، ولما طالت إقامتنا وبدأنا فى أعمالنا التجارية، لم نسمع من مصرى من يقول إننا نزاحمهم فى أرزاقهم، بل انضم إلينا العديد من الشباب المصرى، حتى توسعت أعمالنا معًا، يدًا بيد، وأموالنا محفوظة، لا قيود عليها. فلذلك عندما ننظر إلى حالنا، وحال إخوتنا الذين تشتتوا فى البلاد شرقًا وغربًا، نبكى على حالهم، متمنين لو أنهم اختاروا مصر».
تابع الرجل حديثه قائلًا: «آخر ما أريد قوله: شكرًا لكل المصريين. لا بد وأنكم فخورون بانتمائكم لأم الدنيا، التى احتضنتنا، كما احتضنت من سبقنا إليها من الإخوة الليبيين والعراقيين، ولا زالت تفتح ذراعيها لنا بلا كلل أو ملل. ورسالتى لكم فى مصر: حافظوا على بلدكم؛ فالعرب من غير مصر لا شىء. أنتم القوة الحقيقية الوحيدة التى يستند إليها العرب. خافوا على بلادكم، ولكم فينا وفى جيرانكم عبرة وعظة. فالكل متربص بكم ولا يريدون لكم خيرًا، إلا أن تكاتفكم ووحدتكم والتحامكم بجيشكم القوى العظيم هو حائط الصد القادر على دحر كيدهم. إن الأمان الذى تعيشون فيه نعمة غالية، لا يشعر بها إلا من ذاق مرارة التهجير، وفقد البيت والوطن». انتهى الحوار هنا.
Email: sfarag.media@outlook.com
|