العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

إذ قفزت الصين لتحتل المركز الثانى فى إجمالى الناتج المحلى، بعد أمريكا، منتزعة اللقب ممن اعتادوا عليه من الدول الأوروبية والآسيوية المتقدمة.

مستقبل الحرب التجارية بين أمريكا والصين
 

لواء د. سمير فرج

 13 يوليو 2023


تتبنى جميع دول العالم استراتيجيات محددة؛ سواء كانت دفاعية أو هجومية، وتعتمد على هذا التصنيف لبناء قواها العسكرية، والاقتصادية، والسياسية، وغيرها. فعلى سبيل المثال تنتهج مصر استراتيجية دفاعية، تستهدف بها الدفاع عن حدودها، واستثماراتها، وأمنها الداخلى، والدفاع عن عقائدها، وتراثها، ودستورها، واستقلالها، وحرية مواطنيها.أما الولايات المتحدة الأمريكية، فتختلف عن، معظم، باقى دول العالم، حيث تتبنى استراتيجية هجومية، تستهدف من خلالها أن تكون أقوى دولة فى العالم، اقتصادياً، وعسكرياً، وسياسياً، وثقافياً واجتماعياً، وهو ما يتحقق لها من خلال عدة اتجاهات، من بينها أن تمتلك أقوى جيش فى العالم.

وعلى الصعيد الاقتصادى، تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على تعزيز اقتصادها، من خلال الدخول فى تحالفات اقتصادية، للهيمنة على الأسواق التجارية، والتحكم فى باقى القوى الاقتصادية، فى مختلف بقاع العالم، بالسيطرة على الشركات العالمية، عن طريق المشاركة الأمريكية فى هذه الشركات، ولعل أبسط الأمثلة على ذلك، سيطرتها على صناعة الطائرات التجارية عالمياً، من خلال شركتها الوطنية بوينج، ومن خلال شراكتها مع شركة إيرباص الفرنسية، بحصة كبيرة من الإنتاج، وبذلك صارت الولايات المتحدة الأمريكية تتحكم فى منافسيها العسكريين، والاقتصاديين.

ففى الماضى، كان الاتحاد السوفيتى، هو المنافس، أو العدو، التقليدى للولايات المتحدة، إلى أن تفتت الاتحاد، لم يبق إلا روسيا كعدو تقليدى، على مر العقود، حتى وصول ترامب إلى البيت الأبيض، الذى انتبه لدخول عدو جديد إلى الساحة العالمية، أكثر شراسة، يتقدم الصفوف، بهدوء، وثقة، وقوة، وثبات، وهو المارد الصيني... تلك الدولة التى يتجاوز تعدادها مليارا و300 مليون مواطن، والتى نجحت أن تحول زيادتها السكانية لمصدر قوة، بدلاً من أن يصبح عبئا على الدولة.

فقد نجحت الصين فى تقوية جيشها، ليحتل، اليوم، المركز الثالث، عالمياً، بعد الولايات المتحدة وروسيا، وبفوارق بسيطة للغاية، وكذلك الأمر فى المجال الاقتصادى، فحدث ولا حرج، إذ قفزت الصين لتحتل المركز الثانى فى إجمالى الناتج المحلى، بعد أمريكا، منتزعة اللقب ممن اعتادوا عليه من الدول الأوروبية والآسيوية المتقدمة، مثل بريطانيا، وفرنسا، وروسيا، واليابان، فأصبحت بذلك المنافس الحقيقى للاقتصاد الأمريكى، بعدما انتهجت الإنتاج الصناعى طريقاً لتلبية جميع مطالب، واحتياجات، مختلف دول العالم، ونجحت فى غزو الأسواق العالمية بمنتجاتها، بمختلف مستوياتها، وأسست شبكة تجارية كبيرة، فى كل هذه الدول، اعتماداً على تنوع منتجاتها.

ثم وجهت الصين ضربة اقتصادية جديدة، بإعادة فتح طريق الحرير، بعد تطوير الطريق البرى القديم، الذى يصل إلى أوروبا، من خلال خط سكة حديد، لتصبح الصين، من بعده، مركزاً إقليمياً لتجميع كل منتجات دول جنوب شرق آسيا، ونقلها إلى أوروبا، من خلال هذا الطريق، فيما لا يزيد على سبعة أيام، بدلاً من ستة أسابيع، عبر البحار، وقناة السويس. ولعل الدول الأفريقية كانت الأكثر استفادة من التمويلات الصينية، المشروطة باستخدام التكنولوجيا الصينية، لنمو استثماراتها، ولعل أقرب الأمثلة، على ذلك، أن سد النهضة الإثيوبى، يتم تمويله بقروض، معظمها، صينية.

وبتدقيق النظر وجدت الولايات المتحدة، أثناء فترة حكم الرئيس السابق، دونالد ترامب، أن منافسها الحقيقى، هو الصين، التى تحتل مراكز متقدمة على جميع الأصعدة؛ اقتصاديا، وعسكريا، وبشريا، وبإعادة النظر للميزان التجارى بين البلدين، تبين أن الصين تصدر للولايات المتحدة ثلاثة أضعاف ما تصدره الولايات المتحدة للصين، فشن الرئيس الأمريكى، حينها، ترامب، فى مارس 2018، حرباً اقتصادية ضد الصين، بإعلان نيته لفرض رسوم جمركية، تبلغ 50 مليار دولار أمريكى، على السلع الصينية، بموجب المادة (301) من قانون التجارة الأمريكي. وكرد فعل، مساو للفعل فى قوته، فرضت الحكومة الصينية رسوماً جمركية على أكثر من 128 منتجا أمريكيا، أشهرها فول الصويا. واشتعلت حرب التعريفات بين الدولتين، حتى بزوغ نجم "هواوي"، لتصبح واحدة من أكبر شركات تصنيع الهواتف المحمولة فى العالم، وأبرز مطورى تجهيزات الجيل الخامس، لتنافس شركة نوكيا الفنلندية، وإريسكون السويسرية، وتحت ستار اتهام شركة هواوى بالتجسس، أعلن الرئيس ترامب إضافتها إلى قائمة الشركات، المحظور على الحكومة الأمريكية التعامل معها، كونها تشكل خطراً على الأمن القومى الأمريكي. إلا أنه تأكيداً على أن الاقتصاد يعد المحرك الأساسى لموازين القوى فى العالم، قامت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، فى الأسبوع الماضى، بزيارة إلى الصين، لمدة أربعة أيام، بعد أسابيع قليلة من زيارة وزير الخارجية الأمريكى، أنتونى بلينكن، للعاصمة الصينية، وهو ما يؤيد سعى الإدارة الأمريكية الحالية، برئاسة جو بايدن، إلى تحسين العلاقات الفاترة بين أكبر قوتين اقتصاديتين فى العالم، رغم ما يشوبها من توتر سياسى، على خلفية الدعم الأمريكى لتايوان ضد الصين. وخلال قمة العشرين، التى عقدت فى أوساكا اليابانية، فى أواخر الشهر الماضى، أعلن الرئيس الأمريكى خلال مؤتمره الصحفى، أن واشنطن لن تفرض رسوماً جديدة على الصين، ولكنها لن تتراجع عن سابق قراراتها، كما أضاف، عقب لقائه مع الرئيس الصينى، أن الدولتين ستستمران فى التفاوض لأجل التوصل لاتفاق أشمل بشأن التجارة بينهما، وأكد، فى مفاجأة، أنه سيسمح للشركات الأمريكية ببيع منتجاتها لشركة هواوى الصينية، وهو ما لاقى ترحيباً فى الصين.

ولعل تلك التحولات الواضحة فى التوجهات الأمريكية، تكون بادرة أمل نحو تحقيق توافق بين البلدين، بدلاً عن الحرب التجارية التى انعكست آثارها سلبيا على النظام العالمى بأكمله.



Email: sfarag.media@outlook.com