العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وهكذا، تصبح الحرب الروسية الأوكرانية، مصحوبة بتطور الصناعات الحربية فى ألمانيا، سبباً وأساساً لرفع كفاءة قواتها المسلحة.

القوة العسكرية الألمانية قادمة
 

لواء د. سمير فرج

 22 يونيو 2023


انتهت الحرب العالمية الثانية فى الثانى من سبتمبر 1945، بهزيمة قوات المحور؛ ألمانيا واليابان وإيطاليا، بعدما أودت بحياة 85 مليون شخص، وبعدما أُلقيت قنبلتان ذريتان على مدينتى هيروشيما وناجازاكى اليابانيتان. وبانتهاء الحرب، غزت قوات الحلفاء؛ بقيادة بريطانيا العظمى والولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، ألمانيا، وسيطر الاتحاد السوفيتى على الجزء الشرقى منها، بينما استسلم الجزء الغربى منها، استسلاماً غير مشروط، للولايات المتحدة والقوات الأوروبية، فى الثامن من مايو 1945.

أحدثت تلك الحرب، تغييراً شاملاً فى الخريطة السياسية، والعسكرية، فى العالم، ونشأت منظمة الأمم المتحدة، التى يعتبر مجلس الأمن أحد أهم أذرعها، بتشكيله القائم على عضوية دائمة للولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى والصين وإنجلترا وفرنسا، والتى تتمتع، دون غيرها، بحق النقض، المعروف باسم الفيتو، أما باقى أعضاء مجلس الأمن، وعددهم 11 عضواً، فيتم اختيارهم عن طريق الانتخاب، ويشغلون مقاعدهم لمدة عامين.

وعقب الحرب العالمية الثانية، دخل العالم فى مرحلة جديدة، والتى عُرفت باسم الحرب الباردة، بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى، وتراجعت خلالها مكانة القارة الأوروبية، فلم تعد لفرنسا وبريطانيا هيمنتهما على معظم دول العالم، فضلاً عما طال ألمانيا من فرقة وتمزق، بين ألمانيا الشرقية تحت سيطرة السوفيت، وألمانيا الغربية تحت سيطرة أمريكا والحلفاء، حتى هدم السور الفاصل بين الألمانيتين، فى 13 يونيو من عام 1990، وتوحيدهما فى 13 أكتوبر من نفس العام.

وأمام هزيمة ألمانيا، خلال الحرب العالمية الثانية، ووقوعها تحت السيطرة الأمريكية، انتشرت القوات العسكرية الأمريكية داخل الأراضى الألمانية، بل إن القيادة العسكرية الأمريكية للقوات فى أوروبا(EUCOM)، كان موقعها فى القاعدة العسكرية جنوب مدينة شتوتجارت الألمانية، وتم تنظيم وجود القوات الأمريكية على الأراضى الألمانية، طبقاً لاتفاق بين البلدين، عُرف باتفاق وجود القوات الأجنبية فى ألمانيا عام 54، والذى قضى بالسماح لثمانية من أعضاء حلف الناتو بنشرقواتهم العسكرية فى ألمانيا.

كان الهدف، بطبيعة الحال، التصدى للاتحاد السوفيتى، وحلف وارسو، باعتباره العدو الجديد، مع التأكيد على ألا يكون لألمانيا جيش قوى، يعيد أمجاد النازية السابقة. ووصل الحال اليوم لوجود 21 قاعدة عسكرية أمريكية، فى ألمانيا، قوامها 34٫500 جندى، أو 50٫000، باحتساب الإداريين والمدنيين، ولعل أهمها قاعدة رامشتاين الجوية، أكبر القواعد العسكرية الأمريكية، خارج الولايات المتحدة، والتى تعتبر مقر عمليات القوات الجوية الأمريكية، خارج البلاد؛ فمنها تنطلق العمليات فى الشرق الأوسط، والتى تتحكم فيها أمريكا باستخدام الطائرات المسيرة ضد التنظيمات الإرهابية، سواء فى الشرق الأوسط أو إفريقيا.

ورغم عدم السماح لألمانيا بامتلاك الأسلحة النووية، عند هزيمتها فى الحرب العالمية الثانية، فإن أمريكا تخزن بها، حالياً، ما يقرب من 20 قنبلة نووية، فى قاعدة يوشيل الجوية، وكان البوندستاج، أوالبرلمان الألمانى، قد أقر، فى مارس 2010، مطالبة أمريكا والحلفاء بسحب جميع الأسلحة النووية من ألمانيا، إلا أن الطلب لم يُنفذ، وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم فى عام 2014، رأت قوات الحلفاء أهمية، وضرورة، للإبقاء على الأسلحة النووية، للتصدى للتهديدات الروسية لأوروبا.

وفى عام 2020، أمر الرئيس الأمريكى، السابق، دونالد ترامب، بسحب نحو 12 ألفا من جنود بلاده من ألمانيا، نظراً لعدم رفع ألمانيا مساهماتها فى ميزانية حلف شمال الأطلنطى، ورداً على تمسكها بمشروع خط نورد ستريم2 مع روسيا، إلا أن الرئيس الحالى، جو بايدن، أوقف سحب القوات، بل وقرر وزير دفاعه، لويدأوستن، تعزيزها بعدد 500 جندي. وهكذا ظلت ألمانيا، تعتمد فى دفاعها، وأمنها القومى، على الوجود العسكرى الأمريكى، وقوات حلف الناتو، على أراضيها.

وفجأة اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، لتغير الأوضاع والمفاهيم، ولتجد ألمانيا نفسها عُرضة لغزو روسيا، فى يوم من الأيام، فقرر مستشارها، أولافشولتس، تطوير القوة العسكرية للجيش الألمانى، ببناء جيش تقليدى، قوى، بكل أفرعه، البرية، والبحرية، والجوية، ليصبح، فى المستقبل القريب، قادراً على حماية أمن واستقلال ألمانيا، دون الاعتماد على الولايات المتحدة الأمريكية وقوات الناتو. جدير بالذكر أن القوات الألمانية تحتل المرتبة السادسة عشرة ضمن قائمة أفضل جيوش العالم، وفقاً لتصنيف مؤسسة جلوبال فاير باور، بقوات تبلغ 185 ألف جندى، علاوة على ألفين يعملون فى مهام خارجية، وتمتلك القوات الجوية الألمانية 640 طائرة، منها 134 مقاتلة، و287 هيلوكوبتر، أما قواتها البرية فقوامها نحو 266 دبابة، ونحو 9200 مدرعة، 38 قاذفة صواريخ، أما القوات البحرية فتمتلك 80 قطعة بحرية، بينها 12 فرقاطة، و12 كاسحة ألغام، و6 غواصات. كانت ميزانية الدفاع الألمانية تبلغ نحو 50 مليار يورو، تمت مضاعفتها، مع بداية العام الحالى، بتخصيص 100مليار يورو إضافية، لدعم الجيش، ورفع كفاءته، بشراء مقاتلات إف 16 الجديدة، وتطوير جميع الأسلحة والمعدات فى الجيش الألمانى، وهو ما يُنتظر معه أن تشهد القوات العسكرية الألمانية طفرة كبيرة فى المستقبل، فى ظل ما تمتلكه ألمانيا من صناعات عسكرية متطورة، منها الدبابة ليوبارد، التى تعد من أكثر الدبابات تطوراً فى الترسانة العسكرية العالمية، وكذلك الغواصات والفرقاطات، الأحدث فى العالم، الذين قامت مصر بشرائها فى عام 2015.

وهكذا، تصبح الحرب الروسية الأوكرانية، مصحوبة بتطور الصناعات الحربية فى ألمانيا، سبباً وأساساً لرفع كفاءة قواتها المسلحة، التى أتوقع أن تكون ضمن قائمة أقوى عشرة جيوش على مستوى العالم، فى القريب العاجل.



Email: sfarag.media@outlook.com