العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وجاءت الانتخابات الرئاسية التركية هذا العام 2023، لتكون الأولى من نوعها في تاريخ تركيا، ولا يتم حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى.

الانتخابات التركية 2023.. رؤية تحليلية
 

لواء د. سمير فرج

 3 يونيو 2023


تابع العالم كله خلال الفترة السابقة الانتخابات التركية عام 2023. وربما ترجع أهمية هذه الانتخابات إلى مكانة وقوة الدولة التركية، التي تُعتبر دولة آسيوية، أوروبية، شرق أوسطية، إسلامية، عضوًا في حلف الناتو، عدد سكانها 85 مليونًا، منهم 15 مليون كردى.

وتُعتبر من القوى الأربع الكبيرة في المنطقة مع مصر وإيران وإسرائيل، ويكفى أنها الدولة الوحيدة في المنطقة، التي توجد فيها قاعدة عسكرية تابعة لأمريكا، يوجد بها عدد 50 قنبلة نووية، ورغم تفكك الاتحاد السوفيتى وحلف وارسو، فمازالت لتركيا نفس الأهمية بين دول حلف الناتو نظرًا لموقعها الجيوستراتيجى بين دول الشرق الأوسط ومواجهة باقى دول العالم.

وجاءت هذه الانتخابات التركية هذا العام 2023 لتكون الانتخابات الرئاسية رقم 13 في تاريخ تركيا وانتخابات البرلمان التركى، والتى تجرى حاليًا طبقًا للدستور التركى الجديد كل خمس سنوات، وجاءت نسبة المشاركة للشعب التركى بنسبة 87% في الجولة الأولى من بين 64 مليون ناخب.

منهم 3 ملايين ناخب خارج تركيا، وهى نسبة عالية الحضور للانتخابات بين معظم دول العالم نظرًا لأن هذه سمة الشعب التركى أنه يُقبل دائمًا على صندوق الانتخابات بكل طوائفه، حتى إن الشاب التركى يكون سعيدًا عندما يصل إلى سن 18 عامًا لأنه ستكون له بطاقة انتخابية.

وجاءت الانتخابات الرئاسية التركية هذا العام 2023، لتكون الأولى من نوعها في تاريخ تركيا، ولا يتم حسم الانتخابات الرئاسية من الجولة الأولى، وتضطر تركيا لإعادة الانتخابات الرئاسية في الجولة الثانية بين رجب طيب أردوغان وكمال كليتشدار أوغلو، حيث حصل رجب أردوغان على 52% وكمال كليتشدار أوغلو على 47.9%. وفى هذه الجولة، كان حضور الناخبين 82% بنسبة أقل بالطبع من الجولة الأولى، التي كانت 87%، وهو أمر شائع في الانتخابات في كل دول العالم، التي تكون فيها نسبة المشاركة للجولة الثانية أقل من الأولى.

ولقد كانت نتائج الانتخابات قد تركزت في أن المدن العلمانية، مثل اسطنبول وإيطاليا وأضنة وأنقرة وديار بكر ومناطق الأكراد كلها، قد صوتت لصالح كليتشدار أوغلو، أما الأغلبية من المدن الإسلامية والمدن التي تعرضت لزلزال قد أعطت أصواتها إلى أردوغان، لذلك كان أهم أسباب فوز رجب طيب أردوغان بالرئاسة هو اعتماده أولًا على أصوات الإسلاميين في تركيا، ثم أصوات المدن التي تعرضت للزلزال بسبب زيارات أردوغان المتكررة لهم.

ومتابعة وصول المعونات التي كانت تصل إليهم من الدول الأخرى. كذلك، ساعدت كاريزما أردوغان على أن تحقق له شعبية كبيرة، خاصة بين الشباب الجدد المسموح لهم بالتصويت، كذلك نجح أردوغان بضم أصوات المرشح سنان، الذي حصل في الجولة الأولى على 5% من الأصوات، لذلك قام معظم مَن صوتوا له في الجولة الأولى بإعطاء أصواتهم لأردوغان في الجولة الثانية.

كذلك حصل حزب الحرية والتنمية الذي يترأسه أردوغان على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية، وهذا أعطى له إضافة في التصويت في الانتخابات في الجولة الثانية، ولعل الشعب التركى يذكر أن أردوغان هو الذي أعاد آية صوفيا، لكى يكون جامعًا مرة أخرى، بل إن أردوغان قام بالصلاة في هذا المسجد يوم الجمعة، وقام ليعلن بعد الصلاة أنه سيدخل الانتخابات الرئاسية القادمة.

أما أسباب خسارة كليتشدار أوغلو، فأعتقد أنه لم يقدم خلال حملته الانتخابية خطة للتنمية الاقتصادية. واكتفى طوال حملته الانتخابية بالهجوم على أردوغان وانتقاده، وكذلك ركز على مشكلة خروج اللاجئين السوريين من تركيا، كما أنه ضم أحزاب المعارضة كلها له في الجولة الثانية، ومنهم مَن كان ضد الأكراد، الأمر الذي منع معظم الأكراد من الإدلاء بأصواتهم في الجولة الثانية لصالح كليتشدار أوغلو.

وتأتى في النهاية كاريزما هذا الرجل، الذي هو أقل بكثير من خصمه أردوغان، لذلك أعتقد أنه لو أن أكرم أوغلو، رئيس بلدية اسطنبول، هذا الذي دخل مرشحًا من الأحزاب الستة في هذه الانتخابات، كان من المحتمل أن يكسب أمام أردوغان، خاصة أنه سبق أن تفوق على خصمه في انتخابات اسطنبول، لدرجة أن أردوغان قام بإعادة فرز الأصوات.

ولما جاءت النتيجة لصالح أكرم أوغلو أعاد الانتخابات مرة أخرى، ولم يحدث هذا من قبل في تاريخ الانتخابات في تركيا. ونجح أكرم أوغلو باكتساح، حتى إن جريدة الجارديان البريطانية علقت على ذلك بأنها كانت صفعة لم يشهدها أردوغان منذ 16 عامًا.

وجاءت انتخابات البرلمان لكى تُحسم من الجولة الأولى على 600 مقعد، حصل فيها حزب العدالة والتنمية على 322 مقعدًا، وأحزاب المعارضة 212. ورغم حصول حزب أردوغان على الأغلبية، فإنه لم يحقق الأغلبية الحاسمة التي تحقق له التصديق والموافقة على مطالب الرئيس، وهذا يعنى ضرورة أن يتحدث مع أحزاب أخرى لضمان الأغلبية الحاسمة.

وكانت المفاجأة هذه المرة حصول 50 سيدة على مقعد من مقاعد حزب العدالة والتنمية، وهى إضافة جديدة ستُحسب للرئيس أردوغان في هذا المجلس، وهنا يتساءل الجميع: ما المطلوب من أردوغان بعد تحقيقه هذا الفوز؟.

وأعتقد أن المهمة الأولى هي محاولة إقناع خمسة ملايين ناخب، قام أصحابها بإعطاء أصواتهم إلى كليتشدار أوغلو، بالطبع هم رافضون لأردوغان، لذلك عليه محاولة استمالتهم حتى لا يحدث تصدع في الشارع التركى. ثانيًا: أن يصل إلى حل مشكلة البرلمان للحصول على أغلبية حاسمة. وثالثًا: وضع خطة اقتصادية لتركيا في الفترة القادمة يحقق فيها ما حققه في ولايته الأولى ليتجنب المشاكل الاقتصادية القادمة.

وعلى المستوى الدولى، نجح أردوغان في الأيام الأولى بعد الاتصال مع الرئيس السيسى على عودة العلاقات الدبلوماسية مع مصر، كذلك نجح في طلب طائرات F16 من الولايات المتحدة، بينما طلب من جو بايدن منه الموافقة على قبول السويد في حلف الأطلنطى.

ويأتى السؤال من الجميع: هل سيظل أردوغان في الفترة القادمة على علاقة متقاربة مع روسيا كما كان في الماضى، وفى هذه الحالة قد يخسر الولايات المتحدة تمامًا في ولايته الجديدة أم سيقوم بإصلاح الأوضاع، ويعود مرة أخرى ليكون عنصرًا فاعلًا في حلف الناتو، ويعتبر روسيا العدو لحلف الناتو؟.

كذلك، ينتظر الأتراك ما سيقدمه للمناطق التي تأثرت بالزلزال، وهل سيستمر في بناء مدن جديدة لهم، أم كانت وعودًا انتخابية لن ترى النور. وتظل مشكلة اللاجئين السوريين عائقًا كبيرًا في المرحلة القادمة، حيث يهدف إلى تهجير مليون لاجئ سورى من خلال بناء مدينة جديدة لهم في شمال سوريا بين أكراد سوريا.

بهدف تغيير الخريطة الديموغرافية لمشكلة سكان سوريا بوضعهم بين الأكراد، الأمر الذي لن يوافق عليه الأكراد ولا سوريا ولا حتى الولايات المتحدة، التي تشجع وجود الأكراد في شمال سوريا، خاصة أنهم ساعدوا أمريكا في القضاء على داعش. عمومًا، ستكون الانتخابات التركية عام 2023 نقطة تحول جديدة في تركيا نحو خمس سنوات قادمة في وجود أردوغان.



Email: sfarag.media@outlook.com