العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وجاء المحور الثانى في استراتيجية وزارة التعليم العالى والبحث العلمى 2030 هو توضيح العلاقة بين منظومة التعليم العالى والبحث العلمى وخطة التنمية الشاملة.

الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالى 2030
 

لواء د. سمير فرج

 18 مارس 2023


بدعوة من الأخ الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالى والبحث العلمى، حضرت افتتاح ورشة عمل للوزارة لعرض الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمى «رؤية مصرية 2030»، بحضور عدد كبير من الوزراء المشتركين في هذه الاستراتيجية، لوزارات التربية والتعليم والتخطيط والصحة وغيرهم، وكانت سعادتى بالغة لقيام الدكتور أيمن عاشور بعمل الاستراتيجية الوطنية للتعليم العالى والبحث العلمى.

هي بداية موفقة للسيد الوزير وهو يبدأ أولى خطواته في هذه الوزارة، وأقول بداية موفقة من الناحية العلمية، خاصة لأنها تتماشى مع خطة التنمية الشاملة للدولة، والتى أعدتها وزارة التخطيط لتكون أساس عمل باقى وزارات وأجهزة الدولة حتى عام 2030.

أقول ذلك لأنه خلال دراستى في الولايات المتحدة الأمريكية عندما حصلت على دبلوم في إدارة الأعمال لمدة عام كان أول درس لنا هو ضرورة أن تكون لكل مسؤول خطة تنمية شاملة أو استراتيجية لعمل وزارته أو هيئته أو محافظته، وبالفعل هذا ما نفذته أنا شخصيًّا من أول يوم عند وصولى إلى الأقصر، حيث قمت بإعداد خطة التنمية الشاملة لتطوير الأقصر حتى 2030.

وكانت الأساس الذي حققت به تطوير الأقصر خلال مدة تواجدى هناك، خاصة أنها ارتبطت بخطة التنمية الشاملة للدولة 2030، ولقد فازت هذه الخطة بالمركز الأول في مسابقة العواصم والمدن العربية لعام 2003، وأتذكر أن مدرسى في الولايات المتحدة الأمريكية كان يؤكد أن أي خطة تنمية شاملة أو استراتيجية يجب ألا تزيد مدتها على 25 عامًا لأن المتغيرات كثيرة في عالمنا الحالى.

حيث إن طول المدة لن يستوعب هذه المتغيرات، كما أكدت الدراسات في الولايات المتحدة أنه يجب مراجعة هذه الخطة أو الاستراتيجية كل خمسة أعوام لكى نتأكد أن المتغيرات الجديدة التي تحدث حولنا يتم استيعابها في هذه الخطة، كما أنها يجب أن تكون مترابطة، بل تتماشى مع الخط العام للدولة، فمثلًا خطة التنمية الشاملة للوزارة أو للاستراتيجية يجب أن تتماشى مع فكر ومفاهيم ومراحل خطة الدولة نفسها، ويجب أن تبدأ وتنتهى في نفس مواعيد خطة الدولة.

وهذا ما حققته استراتيجية وزارة التعليم، حيث جاءت لتتماشى مع نفس توقيتات خطة الدولة التي أعدتها وزارة التخطيط، وهى عام 2030، وخلال دراستى في الولايات المتحدة سألت أستاذى هناك في وقت من الأوقات كنا ننفذ في مصر الخطة الخمسية أيام عهد الرئيس عبدالناصر، وكانت إجابته هذا الأسلوب يُنفذ في دول الاتحاد السوفيتى القديم، ونحن نقبله هنا في الاقتصاد الغربى، ولكن ليكون فقط خطة خمسية لموضوع محدد، مثل الخطة الخمسية لتطوير الصناعة أو الخطة الخمسية لتطوير الزراعة، ولكن تظل في إطار خطة الدولة الشاملة.

لذلك كانت بداية الدكتور أيمن عاشور في مشواره في الوزارة هي إعداد هذه الخطة الاستراتيجية للتعليم العالى والبحث العلمى لتكون منهجًا سليمًا لوزارته في الفترة القادمة، وما أسعدنى أن هذه الاستراتيجية تناولت عدة محاور رئيسية، أهمها التحول نحو جامعات الجيل الرابع لتتماشى مع احتياجات سوق العمل، وأعتقد أنها فكرة ذكية.

حيث إن هناك عددًا من الجامعات المصرية حاليًا يتخرج منها الطلاب بشهادات غير مطلوبة في سوق العمل المصرى والعربى، لذلك فإنه بعد إصدار هذه الاستراتيجية، يمكن أن نطمئن أن معظم خريجى الجامعات المصرية في الفترة القادمة سيكون لهم مكان في سوق العمل المصرية وحتى السوق العربية.

وجاء المحور الثانى في استراتيجية وزارة التعليم العالى والبحث العلمى 2030 هو توضيح العلاقة بين منظومة التعليم العالى والبحث العلمى وخطة التنمية الشاملة، حيث إن هناك دائمًا تساؤلات في الشارع المصرى أين نتائج البحوث العلمية في مصر، لماذا لا نرى بحوثًا علمية جديدة لتطوير أنواع جديدة من المحاصيل مثلًا أو في مجال الصناعة أو الكيمياء.

ولماذا لم نرَ اختراعات للأمصال عندما ظهرت جائحة الكورونا، وأين البحوث العلمية الجديدة في مجال التكنولوجيا الحديثة؟!، حيث عرضت هذه الاستراتيجية لأول مرة الاستفادة من التكنولوجيا الحديثة في تحسين البنية التحتية في مصر وبناء البنية التحتية الرقمية والاستفادة من مخرجات البحث والابتكار في تطوير القطاع الصناعى لزيادة معدل الإنتاج من خلال تحقيق أهداف خطة التنمية المستدامة للدولة (رؤية مصر 2030).

وقد وضعت هذه الاستراتيجية مبادئ سبعة، هي التكامل، ويعنى اندماج منظومة التعليم العالى مع مؤسسات الإنتاج في الدولة بهدف سد الفجوة بين برامج التعليم والاحتياجات الفعلية لكل إقليم من أقاليم مصر طبقًا لأنشطته الاقتصادية التي يتميز بها هذا الإقليم. ويجىء العنصر الثانى في التخصصات المتداخلة من خلال حل المشاكل المعقدة داخل المجتمع من خلال تطوير برامج التعليم في الجامعات والمعاهد العليا على أساس تقسيم الكليات إلى قطاعات متجانسة.

أما المبدأ الثالث فهو التواصل، الذي يتم بين الجامعات والصناعة داخل الدولة وعناصر الحكومة، خاصة من حيث مطالب سوق العمل وتطوير التكنولوجيا الحديثة على أساس التعاون الدولى بين المجتمعات العلمية الدولية في أنحاء العالم، ولقد جاءت جائحة كورونا كأساس لبدء فكرة التعليم عن بُعد، وحققت استفادة كبيرة للطلبة من خلال استغلال التقدم التكنولوجى العالمى، وأصبح الطلبة في ريف مصر يستخدمون التابلت لأول مرة.

وجاء مبدأ المشاركة الفعالة في الاستراتيجية على أساس اشتراك المستشفيات الجامعية في خدمة المواطن والمجتمع، كذلك مشاركة الجامعات في الحوار مع بقية أطراف المجتمع والمجتمعات الدولية لخلق بيئة تعليمية جديدة متطورة. وجاء مبدأ الاستدامة للاستفادة من الموارد المتاحة وتقليل فرص الإهدار، وحيث تحقق الاستدامة لوزارة التعليم العالى على أساس البُعد الاقتصادى والاجتماعى والبيئى.

ويجىء مبدأ المرجعية الدولية على أساس أن تصبح مؤسسات التعليم العالى دولية بهدف تحقيق سهولة انتقال الطلاب المصريين عبر الحدود لتحقيق أكبر استفادة بالتعرف على التطورات العلمية في الجامعات في الخارج، كذلك تعرضت هذه الاستراتيجية لمبدأ الابتكار، أما مبدأ ريادة الأعمال فهو يقوم على أساس أن الابتكارات يجب أن تكون لها تنظيمات وتشريعات وقوانين تدعم وتحفز على الابتكار وتكافئ النجاح، بالإضافة إلى توفير الموارد البشرية والمادية لدعم هذه الابتكارات.

وأكدت هذه الدراسة الجديدة بوزارة البحث العلمى ضرورة الربط بين المسار العلمى الأكاديمى للجامعات والبحوث والابتكارات، كذلك وضع وتنمية الطرق الجديدة للتعليم والتدريس، مع تبادل الخبرة ونقل المعرفة بين الجامعات وقطاع الأعمال من خلال عمل ورش بين الجامعات وقطاع الأعمال والصناعة في الدولة عمومًا. لقد سعدت ببدء السيد الدكتور أيمن عاشور هذه البداية العلمية طبقًا للمفاهيم الحديثة.

بل يمكن أن تكون أساس انطلاق عمل الوزارة له ولمَن يجىء من بعده، وأعتقد أننا نحتاج لهذا المفهوم العلمى ليس في وزارة التعليم والبحث العلمى فقط، ولكن يجب أن يكون أساس ومنهج جميع الوزارات في مصر في الفترة القادمة حتى نشعر أن مصر تتقدم للأمام بصورة علمية متميزة نحو عالم جديد.



Email: sfarag.media@outlook.com