العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

نقدم تحليلاً مختصراً عن الصين، التى صارت العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية، ولعل السبب الرئيسى لذلك، هو تنامى القوة الاقتصادية للصين، واحتلالها المركز الثانى فى ترتيب القوى الاقتصادية فى العالم، الذى تتصدره الولايات المتحدة.

العالم إلى أين عام 2023؟(2)
 

لواء د. سمير فرج

 12 يناير 2023


أتابع اليوم سلسلة مقالاتى لتحليل اتجاهات العالم فى عام 2023، والتى بدأتها، فى الأسبوع الماضى، بتناول الحرب الروسية الأوكرانية، واحتمالات تطورها خلال الفترة القادمة. أما اليوم، فنقدم تحليلاً مختصراً عن الصين، التى صارت العدو الأول للولايات المتحدة الأمريكية، ولعل السبب الرئيسى لذلك، هو تنامى القوة الاقتصادية للصين، واحتلالها المركز الثانى فى ترتيب القوى الاقتصادية فى العالم، الذى تتصدره الولايات المتحدة.

فعلى سبيل المثال، بلغت واردات الولايات المتحدة من الصين، فى العام الماضى، قيمة 500 مليار دولار، بينما بلغ حجم صادراتها للصين ما قيمته 375 مليار دولار، بما يوضح ميل الميزان التجارى، بين الدولتين، ناحية الصين بقيمة 125 مليار دولار. وبنظرة عامة على مؤشرات الاقتصاد الصينى، نجد أن إجمالى الناتج المحلى بلغ، فى العام الماضى، 14٫8 تريليون دولار، محتلة بذلك المركز الثانى بعد الولايات المتحدة بإجمالى 20٫9 تريليون دولار، تليهما اليابان، وألمانيا، بإجمالى ناتج محلى بلغ 4 تريليونات دولار، و3 تريليونات دولار، على التوالي. وقد كانت تلك الفجوة الكبيرة بين مؤشرات الصين، والدول التالية لها فى الترتيب، أحد أسباب غضب الولايات المتحدة.

يضاف لذلك تنفيذ الصين، حالياً، لمبادرة الحزام والطريق، التى أطلقتها عام 2013، لإحياء طريق الحرير القديم، وقد ضخت 900 مليار دولار لإنشاء هذا الطريق، الذى يربط ثلاث قارات؛آسيا وأوروبا وأفريقيا، وهو ما يعد أحد أسباب تخوف الولايات المتحدة، لما يمثله من تحكم الصين فى واردات دول تلك القارات، وما يمثله من فرصة للصين لفتح أسواق جديدة لها فى كل تلك الدول. فضلاً عما سببه ذلك المشروع الضخم من التحالف بين الصين وروسيا، لما يتطلبه من المرور بالأراضى الروسية، والاعتماد على مصادر الطاقة بها، وبما يحقق رغبة الدولتين فى العزل التجارى، التدريجى، للولايات المتحدةعن تلك القارات الثلاث.

وواصلت الصين قفزاتها نحو التقدم الاقتصادى، فبدأت تنفيذ استثمارات، فى مجال البنية التحتية، فى نحو 35 دولة إفريقية، مثل إنشاء الطرق، وخطوط السكك الحديدية، والموانئ البحرية، والجوية، والسدود، ومحطات الكهرباء، فضلاً عن إقامة مناطق استثمارية متكاملة. وقد فتحت الدول الإفريقية ذراعيها للاستثمارات الصينية، لما ارتأته فيها من دعم اقتصادى، منزه عن التدخل العسكرى، رغم أن للصين قاعدة بحرية عسكرية، فى جيبوتى، على بُعد بضعة أميال من القاعدة الأمريكية هناك، وعزمها إقامة أخرى فى غينيا الاستوائية، تضمن لها وجودا عسكريا، دائما، فى المحيط الأطلسى، للمرة الأولى، قبالة السواحل الأمريكية، وهو ما يثير قلق الأخيرة.

وكانت أحدث الضربات الصينية، عقد مؤتمر القمة الصينى السعودى الخليجى العربى، لإعلان الشراكة الاستراتيجية بين الصين والسعودية ودول التعاون الخليجى، من خلال مشاركة الصين فى مبادرة الشرق الأوسط الأخضر، بالإضافة لتوقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، حققت فيها الصين امتيازات كبيرة، خاصة التجارة الحرة، بين دول الخليج والصين، مع ضمان استمرارتدفق النفط الخليجى للصين. واشتدت وطأة العداء بين الدولتين، وفى محاولاتها للتصدى للنمو الاقتصادى الصينى، فقد فرضت الولايات المتحدة الأمريكية قيوداً اقتصادية على الصين، خلال الفترة الماضية، إلا أن أيا منها لم يؤت بثماره، فسعت لمنع حلفائها الأوروبيين من التعامل مع الصين، كمحاولاتها لمنع شركة هواوى الصينية، الرائدة فى مجال تكنولوجيا المعلومات، من تطوير شبكة اتصالات الجيل الخامس فى بريطانيا، بزعم أن ذلك سيتيح لها المجال للتجسس على كل الاتصالات الأوروبية.

وعلى الصعيد العسكرى، احتلت الصين المركز الثالث، بعد أمريكا وروسيا، فى الترتيب العالمى للقوى العسكرية، وفقاً لتقرير مؤسسة جلوبال فاير باور، لعام 2022، كما بدأت فى إنتاج أسلحة جديدة، يتفوق، بعضها، على عدد من الأسلحة الأمريكية، مثل المدفع المغناطيسى، والطائرات المقاتلة من طراز شينجدو جى 2، وهى نسخة من المقاتلات الشبح الأمريكية F16، أكبر مقاتلة عسكرية فى العالم، كما قامت ببناء أضخم حاملة طائرات فى العالم. وفى المجال النووى، فالصين هى الدولة الرابعة، فى النادى النووى، بعدد 207 رءوس نووية.

وعلى المستوى السياسى، حققت الصين استقرارا سياسيا، فى أواخر العام الماضى، بانتخاب الرئيس شى جين بينج، لفترة ولاية ثالثة، لتأكيد استقرار الحكم، وما يشمله من السياسة الخارجية والداخلية للصين، فى الفترة القادمة. ورغم استخدام أزمة تايوان لزعزعة الاستقرار الصينى، بزيارة نانسى بيلوسى، رئيسة مجلس النواب الأمريكى، لتايوان، منذ عدة أشهر، فإن ذلك لم يستفز الصين، رغم قيامها بتدريبات عسكرية، فى بحر الصين، لإظهار قوتها، فإنها لم تتورط فى عمليات عسكرية، حتى لا تتوقف عجلة الاقتصاد، وهو ما يعد قرارا حكيما، يحسب للقيادة السياسية الصينية.

واستمرارا لمسلسل استفزاز الصين، أقر مجلس النواب الأمريكى 10 مليارات دولار، كمساعدة عسكرية لتايوان، لإثارة غضب الصين، وزيادة التنافس العسكرى فى المنطقة، خاصة بعدما أعلنت اليابان زيادة ميزانيتها للدفاع، بقيمة 74 مليار دولار، وهو ما يمثل زيادة تاريخية فى إنفاقها العسكرى بنسبة 26%، من خلال برنامج مدته 5 سنوات، لزيادة قدرتها الأمنية ضد التهديدات العسكرية من الصين، وكوريا الشمالية، وروسيا، وهو القرار الناجم عن مخاوف اليابان نتيجة الأزمة الروسية - الأوكرانية. وبهذا يشتعل الموقف فى خليج تايوان وبحر الصين.

وفى المقال القادم نناقش العلاقات المصرية الأمريكية، والرؤية الخاصة بالقضية الفلسطينية وأبعادها، والتغيرات المنتظرة فى الشرق الأوسط.



Email: sfarag.media@outlook.com