الهيئة الهندسية - ولسه الأمانى ممكنة

فى الثمانينيات كنت مبعوثًا الى الولايات المتحدة الأمريكية للحصول على دبلوم إدارة الأعمال فى ولاية كاليفورنيا، وفى مدينة سان فرانسسكو، حيث كنت دائما أتناول وجبتى المفضلة من الأسماك فى سلسلة أشهر مطاعم الأسماك هناك التى تسمى رد لوبستر (Red Lobster) على خليج سان فرانسسكو، وقد كان أمامى مباشرة الجسر المعلق جولدن جيت (Golden Gate Bridge) أشهر كوبرى معلق فى العالم، بل أطول كوبرى فى العالم حتى عام 1964، والذى يعتبره الأمريكان أحد عجائب الدنيا السبع فى العصر الحديث، وقد أصبح يمثل مزارا سياحيا بالغ الأهمية، حيث بلغ عدد زواره أكثر من 10 ملايين زائر، وفى كل مرة كنت أتناول طعامى هناك.. يراودنى حلم وتعصف بى أمنيات وتساؤلات تتلخص فى كيفية اللحاق بهذا العالم، وهل من الممكن فى الوقت القريب أن يكون لنا فى مصر مثل هذا الكوبرى المعلق الشهير؟

وتمر الأيام وفى التسعينيات أصبحت ملحقا عسكريا فى تركيا، وفى مدينة إسطنبول، حيث كنت أتناول أيضا وجبتى المفضلة من الأسماك فى منطقة ترابيا على خليج البوسفور، حيث جسر البوسفور المعلق والذى يتباهى به الاتراك، والذى يصل بين الجزء الآسيوى والجزء الأوروبى من تركيا، ثم جسر السلطان محمد الفاتح، والذى تم بناؤه عام 1988 وهو حاليا الكوبرى الرابع عشر كأطول جسر معلق فى العالم، وفى كل مرة أتناول وجبتى من الأسماك على مضيق البوسفور أنظر الى هذه الكبارى المعلقة أمامي، وتراودنى الأحلام وتعصف بى الأمنيات والتساؤلات وأقول يا ترى ممكن مصر يكون بها كبارى معلقة، والحقيقة أنها كانت أمانى لى دائما سواء فى الولايات المتحدة أو تركيا، وقد أسعدنى الحظ ورأيت أمنياتى وأحلامى تتحقق على أرض الواقع، حيث أعلنت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة عن موعد افتتاح الكوبرى المعلق تحيا مصر (روض الفرج) ليدخل موسوعة جينيس للأرقام القياسية باعتباره أعرض كوبرى معلق فى العالم، حيث يبلغ عرضه 64٫8 متر، يليه الكوبرى المعلق فى كندا بعرض 64٫2 ، ثم البوسفور التركى 58٫5، وهكذا حققت الهيئة الهندسية للقوات المسلحة الأمانى التى كنت أحلم بها فى سان فرانسسكو وإسطنبول، ولم يتبق سوى استكمال هذا المشروع العظيم بإقامة عدد من مطاعم الأسماك فى منطقة الكوبرى على ضفاف نهر النيل .

أما المحطة الثانية، فكانت بعد انتهاء بعثتى فى إنجلترا وتعيينى مدرسا فى كلية كمبرلى الملكية هناك، ومن راتبى كمدرس بالكلية استطعت شراء سيارة صغيرة، وقررت قيادتها من إنجلترا عبر فرنسا الى إيطاليا، حيث ميناء نابولى حيث توجد السفينة المصرية التى سنستقلها للعودة إلى ميناء الإسكندرية.. وعند مغادرتى إنجلترا وقضاء ليلة فى باريس فى فندق المحاربين القدماء، نصحنى الأصدقاء من الضباط الفرنسيين بأن احترس عند مغادرة باريس فى الطريق الى الجنوب الى ليون، لأن الطريق به 6 حارات، اذا فقدت حارة ليون سوف تحتاج إلى ساعة كاملة للعودة للطريق مرة اخري، وانطلقت بالسيارة مغادرا باريس، و كان الطريق مذهلاً حيث يتكون من 12 حارة ، 6 حارات لليمين و6 حارات لليسار، وتدفق السيارات من باريس إلى مدن الجنوب والوسط وانسيابها أشبه بجريان المياه فى البحار لا يوقفها أو يعوقها شيء، ساعتها أيضا تمنيت أن يكون لنا مثل هذه المخارج من القاهرة، خاصة فى ظل مأساة يعانيها غالبية المصريين اسمها الطريق الزراعى من القاهرة للإسكندرية، وفى الشهر الماضى حققت لى الهيئة الهندسية هذه الأمنية بمدخل ومخرج مدينة القاهرة فى اتجاه السويس 6 حارات يمين و6 حارات يسار فى انسيابية رائعة، ولتحقيق ذلك الحلم تم تغيير شبكات أبراج الكهرباء الهوائية الى كابلات وتم نقل كل اسوار معسكرات الجيش والهيئات وبناء أسوار جديدة وثلاثة كبارى ليكون الطريق الجديد حراً ليس به أى تقاطعات، وفى أثناء عبورى الطريق فى المساء والأضواء ساطعة، والتصميم رائع، تداعت فى ذاكرتى رحلة مغادرة باريس إلى ليون، واستقر فى يقينى أن الهيئة الهندسية حققت لى أمنية طالما تمنيتها وحلمت بها عند مغادرة باريس..

وفى خضم هذه الإنجازات، وتحقيق الأمنيات، كان الامتداد الجديد لكوبرى 6 أكتوبر مخترقا منطقة الجبل الأحمر متجها الى القاهرة الجديدة والتجمع الخامس، حيث يصل الى محور المشير ثم شارع التسعين بطول 8 كم، ثم انشاء اثنين من الكبارى تفادياً لأى تقاطعات موجودة فى منطقة محور المشير ومنطقة مبنى هيئة النقل العام، ولقد اختصر هذا المحور الجديد المسافة من حيث الزمن الى 5 دقائق بدلا من 25 دقيقة يوميا للذهاب أو العودة، وفى سبيل تحقيق هذا الإنجاز تم اختراق منطقة معسكرات الجيش والتى سيعاد استغلالها مستقبلا لتعظيم القيمة الاقتصادية للمنطقة، كما تم نقل العديد من المقابر من أجل التوسعة لهذا المحور الجديد، وأقول إن الهيئة الهندسية بإنشاء هذا المحور الجديد حققت أمانى كل سكان القاهرة الجديدة فى رحلتهم الى وسط القاهرة ، لذلك وجب تقديم التحية للهيئة الهندسية للقوات المسلحة التى حققت هذه المعجزة من الطرق والكبارى والمحاور الجديدة فى مصر، وخصوصا أن هناك من ينسق كل هذه الأعمال السيد اللواء أمير سيد أحمد ، مستشار السيد الرئيس للبنية الأساسية والذى يعرض كل أعمال تطوير الطرق على السيد الرئيس السيسى مباشرة، ولولا ذلك ما تحقق أى انجاز من هذه الإنجازات.

على أى حال شكرا لرجال الهيئة الذين أقنعونى أنه لسه الأمانى ممكنة..