العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وانطلق القطار فى موعده، فلم نشعر بأى اهتزاز، على الإطلاق، مما دفعنى لسؤال زميلى اليابانى عن السبب، فشرح لى الطريقة العلمية التى تستخدمها اليابان، لتجنب الاهتزازات.

الطلقة... The Bullet
 

لواء د. سمير فرج

 8 نوفمبر 2018


منذ عدة سنوات مضت، قمت بزيارة لليابان، وكان برنامجها يتطلب أن نتحرك من طوكيو، العاصمة، إلى إحدى المدن فى الجنوب؛ وقبلها، فى المساء، أبلغنى المسئول عن الزيارة، بأننا سننطلق إلى وجهتنا، باكر، بالقطار، وهو أحدث تكنولوجيا يابانية، ويسمونه شينكانسن، والتى تعنى باليابانية شبكة قطارات فائقة السرعة، ويطلق عليه الغرب اسم الطلقة، The Bulletإذ تصل سرعته إلى 311 ميل/ ساعة؛ أى إننا سنقطع المسافة فى 35 دقيقة، فقط، بعدما كانت الرحلة نفسها تستغرق ساعتين قبل وجود الطلقة، الذى صار أيقونة اليابان حالياً.

توجهنا فى الصباح، كما هو مقرر، إلى محطة القطار الرئيسية فى طوكيو... ولن أتحدث عن نظام المحطة وانتظامها، فتلك السمات صارت أمورا عادية فى اليابان. ودخلنا القطار الذى يفوق مستوى نظافته الوصف والخيال، ويضاهى فى مقاعده، الدرجة الأولى، فى أفضل شركات الطيران العالمية، ومخصص به شاشة تليفزيونية، لكل مقعد، كما أنه مزود بشبكة واى فاى فائقة السرعة. وانطلق القطار فى موعده، فلم نشعر بأى اهتزاز، على الإطلاق، مما دفعنى لسؤال زميلى اليابانى عن السبب، فشرح لى الطريقة العلمية التى تستخدمها اليابان، لتجنب الاهتزازات، وهى بعيدة عن استخدام الفلنكات الاعتيادية. وما هى إلا دقائق بسيطة، وكانت المضيفة تمر علينا بوجبات الإفطار، قبل أن نصل إلى وجهتنا بعد 35 دقيقة تماما، وفقاُ لما هو محدد سلفاً. فأطلقت لنفسى العنان، متخيلاً أن يكون لدينا، فى يوم من الأيام، هذا القطار الفائق السرعة، فنصل من القاهرة إلى الاسكندرية فى 35 دقيقة فقط!!

وعاد الأمل، مرة أخرى، وأنا أسمع، هذه الأيام، خبر تعاقد مصر مع روسيا، لشراء عربات سكة حديد جديدة، خاصة أن لى تجربة، ليست بالجيدة، على أفضل وصف، مع قطاراتنا المصرية، عندما كنت محافظاً للأقصر. ففور أن توليت منصبي، بدأت خطة لتطوير وتنمية الأقصر، وكان من ضمنها تطوير محطة السكة الحديد بها، والتى أفتخر بأن أقول إنها صارت أجمل محطة سكة حديد، حالياً، فى جمهورية مصر العربية، بفضل من الله، وبفضل التصميم الذى أبدعه المهندس/ أشرف عبدالمحسن، على شكل بهو فرعوني، يستقبلك فى أول لحظة لك فى الأقصر.

كان للأقصر قطارا نوم، يومياً، تعتمد عليهما حركة السياحة إلى المحافظة، كانت، هذه القطارات، تتحرك، من القاهرة، فى نحو السابعة مساء، وتصل إلى الأقصر فى فجر اليوم التالي؛ وغالباً ما يكون معظم الركاب من السياح اليابانيين. ونظراً لعادتى فى الاعتماد على عيني، وليس أذني، فى تقييم الواقع، فقد قررت خوض تجربة السفر بالقطار بنفسي. ولن أتحدث عن تأخر مواعيد إقلاع القطارات، الذى صار، للأسف، أمراً اعتيادياً. ولكن سأتحدث قليلاً عن مستوى جودة الخدمة المقدمة بالقطارات؛ فرائحة كابينة النوم منفرة، وملايات السرير، وإن بدت مكوية، إلا أن آثار الإهلاك تبدو واضحة عليها، أما البطاطين، فلن تحتاج لسؤال نفسك عن نظافتها، إذ تظهر الإجابة جلية عنها، وعلى الرائحة المنبعثة منها. وبعد فترة قُدمت وجبة العشاء، فى صينية، مقسمة لأجزاء، خصص أحدها للأرز البارد، والآخر به قطعة اللحم مع الخضار السوتيه، والتى أتصور أنه حتى القطط الضالة، الموجودة بالفعل معنا فى القطار سترفض أكلها!

ماذا حدث للقطارات، وخدماتها، أين عربات الطعام، التى كنا نراها فى أفلامنا الأبيض والأسود؟ أين ألذ الوجبات التى تقدمها؟ أين أمهر طباخيها، من أهل النوبة، الذين كانوا يعدون أشهى أطباق المكرونة والاسكالوب والبطاطس المحمرة؟ لقد سافرت فى تلك القطارات من قبل، بصحبة والدي، وحتى فى مقتبل شبابي، وكانت جودتها تتفوق على نظيراتها فى الدول الأوروبية.

أقول ذلك ونحن على أعتاب ثورة جديدة فى القطارات المصرية، وحسب معلوماتي، ومن متابعاتي، فأنا أعلم أن السيد المهندس وزير النقل والمواصلات، رجل نشط للغاية، ويجب أن أقر بمجهوداته التى تظهر آثارها للمواطن العادي. ولكننى أناشده الاستعداد لبذل المزيد من الجهد، استعداداً لوصول العربات الجديدة، بدايةً من تدريب السائقين، ورفع كفاءة قضبان السكك الحديدية والفلنكات، لتتمكن من تحمل السرعات العالية، وصولاً إلى خطة الصيانة المنتظرة لهذه العربات الجديدة، وقطع الغيار المطلوبة، لكى نحقق الاكتفاء الذاتى لعدة سنوات، وكذلك مشروع ميكنة المزلقانات. كما أرجو أن يكون من ضمن صفقة عربات السكك الحديدية، عربات نوم وعربات طعام حديثة، لاستغلالها، فى حركة السياحة إلى الأقصر وأسوان، التى تعد وجهات جاذبة للسائح، بعد وصوله إلى القاهرة.

هذا هو الأمل المنشود من أجل السياحة، ومن أجل المواطن المصري، الذى يستحق وسائل مواصلات كريمة ومحترمة، خاصة أن مصر بها أكبر بنية أساسية لخطوط السكك الحديدية فى العالم، وهو الشيء الوحيد الذى استفدنا فيه من الاستعمار البريطانى لمصر، وإن كان قد تم تنفيذها، ضمن خطة المستعمر لتحقيق مصالحه الشخصية، وقت الحرب العالمية الثانية، حيث كانت مصر، آنذاك، مركز المواصلات بين الشرق والغرب، وخاصة لمصلحة الإمبراطورية البريطانية، وخطوط مواصلاتها إلى الهند.

هذه المرة، أكرر سؤالى للسيد وزير النقل والمواصلات، يا ترى لسه الأمانى ممكنة أن يكون لدينا قطار الطلقة المصري، الذى يقطع المسافة من القاهرة إلى الإسكندرية، مثلاً، فى 35 دقيقة فقط؟؟ والله أظن أن الأمانى ممكنة...



Email: sfarag.media@outlook.com