العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

وبعد مرور خمسة أيام من وصول هذه المجموعات إلى مدينة أزمير، المتضررة من جراء الزلزال، وغرب إسطنبول أيضاً، طلبت من المشير طنطاوي، السماح لى بالتوجه إلى المنطقة المنكوبة فى تركيا، بصحبة طاقم من الإعلاميين، صحافة وإذاعة وتليفزيون، لمتابعة عمل قواتنا المصرية هناك.

زلزال فى تركيا
 

لواء د. سمير فرج

 18 أكتوبر 2018


فجأة وقع زلزال كبير فى تركيا فى منطقة أزمير (مرمرة)، مخلفاً وراءه خسائر كبيرة ومروعة؛ فلقد تسبب فى قتل 17000 ألف شخص، وتشريد نحو نصف مليون شخص آخرين ... فتسابقت العديد من دول العالم لتقديم النجدة والعون لتركيا فى مصابها الجلل، خاصة فى ظل الضعف النسبى للإمكانات والقدرات التركية، على التصدي، بمفردها، لمثل تلك الكارثة الإنسانية.

كانت مصر، كعاداتها، فى طليعة المتقدمين لعون الجيران والأشقاء، فأصدر الرئيس حسنى مبارك، آنذاك، قراره بالدفع، فوراً، بمجموعات كبيرة من القوات المسلحة المصرية، لتقديم معاونة فعالة، وليست رمزية، لتركيا. وبالفعل تم الدفع بمستشفى ميدانى كبير، بطاقة 200 سرير، و4 غرف عمليات، ومجموعة كبيرة من الأطباء المتخصصين فى مجالات العظام والعيون والجراحة والباطنة والأطفال وحتى أمراض النساء، وصل عددهم إلى 20 طبيباً، فضلاً عن مجموعات متخصصة فى إزالة الأنقاض، على مستوى عالٍ من الكفاءة والتميز. إضافة إلى الدفع بمخبز ميدانى بطاقة ربع مليون رغيف خبز يومياً.

وبعد مرور خمسة أيام من وصول هذه المجموعات إلى مدينة أزمير، المتضررة من جراء الزلزال، وغرب إسطنبول أيضاً، طلبت من المشير طنطاوي، السماح لى بالتوجه إلى المنطقة المنكوبة فى تركيا، بصحبة طاقم من الإعلاميين، صحافة وإذاعة وتليفزيون، لمتابعة عمل قواتنا المصرية هناك، ولتوثيق المساعدات التى قدمتها مصر لتركيا فى هذه الكارثة. وبموافقة سيادته، أقلعت مع اللواء منصور عايد، رئيس هيئة الإمداد والتموين، الذى تتبعه كل هذه العناصر، على الفور، على متن طائرة نقل حربية ضخمة من طراز (S130)، من مطار شرق القاهرة العسكري؛ يرافقنا نحو 70 إعلامياً مصرياً. أقلعت الطائرة فى السابعة صباحاً، ووصلنا إلى تركيا بعد ساعة وعشر دقائق، وفى التاسعة صباحاً كنا فى منطقة الزلزال.

كانت المجموعة المصرية لإزالة الأنقاض تعمل بهمة ونشاط، محققة معدلات تفوق مثيلاتها من البريطانية والألمانية والفرنسية، بشهادة الأتراك أنفسهم. ثم ذهبنا إلى منطقة المستشفى الميدانى والمخبز، فكانت الصدمة .. لقد وضعتهم السلطات التركية، فى أقصى المدينة المنكوبة، فاستحال معه وصول المواطنين إلى مكان تمركز العناصر المصرية، فى ظل تلك الظروف. إضافة إلى ضعف خدمات الكهرباء والمياه فى تلك المنطقة، فصارت مهمتهم أصعب بكثير، مما هى عليه بالفعل. ونظراً لعلاقاتى السابقة مع السلطات التركية، بعدما قضيت بها ثلاث سنوات، ملحقاً عسكرياً لمصر فيها، فقد توجهت، على الفور، إلى مبنى رئاسة الأركان التركية، وقابلت مساعد رئيس الأركان، وأبلغته بأننى قادم لسحب القوات المصرية، حيث إنها طاقة معطلة، وبدون عمل، وأن الطائرات المصرية ستصل فى ظرف ساعات قليلة، لنقل كامل قواتنا إلى مصر!

وهنا اشتعل الموقف، وسادت حالة من الذعر والقلق، وقام مساعد رئيس الأركان بإجراء العديد من الاتصالات، تقرر، على أثرها، نقل المجموعة المصرية إلى الاستاد الرياضي، وهو مقر مركزى فى وسط المدينة؛ تتوافر به المياه والكهرباء. فأشرفنا على انتقال القوات المصرية إلى هناك، وفى غضون ساعتين كان المستشفى الميدانى المصرى يباشر عمله، وبدأ المخبز فى العمل، على الفور، وفى تمام الساعة الثانية ظهراً، كانت طوابير الأهالى الأتراك، قد وصلت إلى مدى رؤية نصف كيلو متر، أمام المخبز، خاصةً أن الخبز المصرى لم يعرفه الأتراك، من قبل، إلا أنهم استحسنوا مذاقه وجودته عن الخبز التركي.

فى تلك الأثناء، كان المستشفى الميدانى قد اكتظ بمختلف الحالات، وبدأ فى إجراء العمليات الجراحية، التى وصل عددها إلى عشر عمليات، فى نهاية اليوم الأول، واصطفت الطوابير أمام قسم العظام، للكشف وإجراء الأشعة. أما قسم أمراض النساء، فقد تمت به خمس حالات ولادة فى ظرف ساعات معدودة ... وهكذا أصبح الاستاد الرياضي، بوجود القوات المصرية، خلية نحل، وأهم مكان يقصده الأتراك.

وبنهاية اليوم الأول، كان قد تم استهلاك نحو ربع الأدوية الموجودة لدينا، مما دفع الأتراك لتحويل كل المساعدات الطبية، التى كانت قد وصلت لهم من الدول الأخري، إلى المستشفى المصري؛ فكانت باكستان، على سبيل المثال، قد أرسلت مجموعة طبية صغيرة، فتم ضمها إلى المستشفى العسكرى المصري، وطبقاً للتقارير، التى وصلتنا بعد أيام، فإن المستشفى العسكرى المصري، كان يدير، بكفاءة، جميع الوحدات الطبية التى وصلت إلى منطقة الزلزال؛ وبدلاً من 20 طبيبا مصريا، أصبح مدير المستشفى يُدير 50 طبيباً، من مختلف الدول الأوروبية والعربية والآسيوية؛ حتى إن التعليمات وتقسيم العمل فى المستشفي، صارت تكتب جميعاً باللغة الإنجليزية، بدلاً عن العربية، نظراً لتعدد جنسيات الأطباء.

وتلقينا، فيما بعد، تقارير ملحقنا العسكرى فى تركيا، عن إشادة جميع وسائل الإعلام التركية، بكفاءة المستشفى العسكرى المصرى هناك؛ ورغم انضمام وحدات طبية من دول أخرى إليها، فإن الجميع الموجودين، فى المنطقة المنكوبة، أطلقوا عليها اسم (مستشفى مصر). أما المخبز الميداني، فقد كان حديث الأهالى هناك، حتى بعد انتهاء عمل القوات المصرية، وعودتها إلى مصر، صارت كل المخابز، فى هذه البلدة، تصنع الخبز المصرى وليس الخبز التركي؛ وللحق فإن الخبز المصرى أجمل بكثير من الخبز التركي.

والآن عندما أرى أردوغان، وأسمعه، يتطاول على مصر ... لا يسعنى إلا أن أتعجب!



Email: sfarag.media@outlook.com