العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

فاقترح أعضاء الجانب الأمريكي، أن نتوجه إلى أحد المطاعم القريبة من البنتاجون، لتناول الإفطار، بدلاً من عودتى إلى الفندق، وهتف آخر «ولنحتفل بانضمام سمير فرج إلى نادى المشروم (Mushroom Club)! .

«نادى المشروم»
 

لواء د. سمير فرج

 13 سبتمبر 2018


كنت طالبا فى كلية الحرب العليا، بالأكاديمية العسكرية، عندما تم استدعائى إلى مقر وزارة الدفاع، لمقابلة السيد الفريق صفى الدين أبوشناف، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، رحمه الله، الذى وافته المنية، منذ بضعة أشهر، والذى كان من خيرة رجال، وصفوة قادة القوات المسلحة وواحدا من أبناء صعيد مصر، الذى حافظ على أصالته، وعلى طباع أهل الصعيد، وحظى باحترام الجميع، عسكريين ومدنيين، لنبل شخصه، ورفعة علمه، فكان من أكفأ من تولى هذا المنصب الرفيع، فى تاريخ قواتنا المسلحة.

توجهت إلى اللقاء فى الموعد المحدد، فأبلغنى سيادته بترشيحى للانضمام للوفد العسكرى المصري، المُقرر سفره، فى الأسبوع التالي، للولايات المتحدة الأمريكية، لعقد اللقاء العسكرى السنوي، الذى يتم فى ذلك الوقت من كل عام، وتتبادل القاهرة وواشنطن استضافته.

يهدف هذا اللقاء السنوي، بين الجانبين المصرى والأمريكي، إلى بحث مطالب مصر من الأسلحة والمعدات العسكرية، خصما من حساب المعونة العسكرية الأمريكية لمصر، والتى تم إقرارها بواقع 1.3 مليار دولار أمريكي، بعد توقيع مصر على معاهدة السلام فى كامب ديفيد، بينما تم إقرار مبلغ 3 مليارات دولار أمريكى لإسرائيل كمعونة عسكرية.

وجدير بالذكر، أن تلك المبالغ المقررة فى شكل معونات عسكرية، أو حتى الاقتصادية منها، ليست بندا من بنود اتفاقية السلام، وإنما هى دعم من الولايات المتحدة، لكل من مصر وإسرائيل، للحفاظ على اتفاقية السلام الموقعة بينهما، برعاية أمريكية.

كان شرفا لى أن يتم اختيارى عضوا بذلك الوفد، فشاركت بجد واجتهاد، فى اللقاءات التحضيرية التى عقدت بالقاهرة، لمدة أسبوع، قبيل السفر، لتجميع مطالب جميع وحدات القوات المسلحة من الجانب الأمريكي.

وللعلم، فإن مبلغ المعونة العسكرية المقرر، لا يتم تحويل دولار واحد منه إلى الخزانة المصرية، وإنما يتم تخصيصه فقط لحساب مصر، ويبقى فى حساب الخزانة الأمريكية، للخصم منه لحساب الشركات والمصانع الأمريكية المُصنعة، وفقاً لما يتم اعتماده خلال هذه الاجتماعات، بعد طرح مطالبنا من الأسلحة والمعدات الأمريكية الصنع، والتباحث والتفاوض حولها، وعند إقرار الطلب، تخصم قيمته من إجمالى مبلغ المعونة، حتى نفادها.

وهو ما يدحض ادعاءات بعض المضللين، خلال يناير 2011، من أن هناك من يتلقى عمولات من المعونة الأمريكية، فى إساءة صريحة للقوات المسلحة المصرية.

وسافر الوفد العسكرى إلى واشنطن، حاملين معنا كافة مطالب القوات المسلحة المصرية من الأسلحة والمعدات وقطع الغيار والتدريب. كنا، أعضاء الوفد المصري، نلتقى فى تمام السادسة من صباح كل يوم للإفطار، قبل الانطلاق إلى مبنى البنتاجون فى السابعة صباحاً، لبدء المباحثات فى تمام الثامنة صباحا وحتى الخامسة مساءً. يعود بعدها أعضاء الوفد إلى الفندق، وأبقى أنا ومعى أحد الزملاء من الوفد المصري، لتجميع كل ما تم الاتفاق عليه خلال اليوم، ولا نعود إلى الفندق قبل العاشرة مساء، استعدادا لبدء يوم جديد، وموضوعات جديدة، فى صباح الغد.

واستمررنا على ذلك المنوال، لمدة أسبوع، إلا فى اليوم الأخير من المفاوضات، فقد عاد الوفد فى الخامسة مساءً، وبقيت أنا مع الجانب الأمريكي، لتجهيز أوراق الاتفاق، فى نسختين، الإنجليزية والعربية. انتهينا من تجميع وثائق الاتفاقية، التى تعدت 1000 صفحة، فى الرابعة من صباح اليوم التالي. كنا على موعد مع توقيع تلك الاتفاقية، بعد ساعات قليلة، فاقترح أعضاء الجانب الأمريكي، أن نتوجه إلى أحد المطاعم القريبة من البنتاجون، لتناول الإفطار، بدلاً من عودتى إلى الفندق، وهتف آخر «ولنحتفل بانضمام سمير فرج إلى نادى المشروم (Mushroom Club)! .

تساءلت بالطبع عن معنى المصطلح، فعلمت أن المشروم من أغنى النباتات قيمة، لاحتوائه نسبة عالية من البروتين، تفوق تلك الموجودة باللحوم الحمراء، وبالرغم من ذلك، فزراعته تتم فى الظلام ليلاً، فلا يراه أحد عند الزراعة، ويزرع فى أرض طينية جداً، تتطلب ارتداء الأحذية البلاستيكية الطويلة، للتحرك على الأرض الطينية، وكذلك حصاده، فإنه يتم ليلاً، قبل سطوع الشمس، التى قد تقضى على فوائد النبات... وهو ما يشير إلى أن أعضاء هذا النادي، أشخاص رائعون، يعملون فى ظروف صعبة، ولا يراهم أحد، وينهون عملهم بعيداً عن الأضواء، تماماً مثلما لا ترى أى ممن أسهم فى زراعة المشروم، عند تقديمه على مائدة الطعام. وصاح زميل آخر، من الجانب الأمريكي، قائلاً، إن العظماء هم من يصنعون النجاح، بعيدا عن الأضواء، ثم هنأنى بانضمامى إليهم فى نادى المشروم، مثنيا على دورى فى الأيام الماضية، ثم أهدونى شعار المشروم لتثبيته على الجاكيت، قبل أن نعود إلى البنتاجون، لنبدأ مراسم توقيع الاتفاق.

وقبل البدء همس أحد الضباط الأمريكان فى أذن رئيس الأركان الأمريكي، يبلغه بانضمامى إلى «نادى المشروم»، فتقدم لى مهنئا، وتعجب الفريق صفى الدين أبو شناف من هذا المصطلح، فشرح له السيد رئيس الأركان الأمريكى المقصود به، وأنه ناد اعتباري، يجمع العاملين باجتهاد وإخلاص، بعيدا عن الأضواء.

وبالرغم من أن عملى ضمن هذا الوفد العسكرى القدير، كان دورا مكملا لمجهوداتهم، ومباحثاتهم، ومفاوضاتهم البناءة، فإننى قصصت تلك القصة، لأقول إن أماكن أخرى كثيرة تعج بأعضاء «نادى المشروم»، العاملين بجد، متوارين عن الأنظار، ولا يعلم أحد عن مجهوداتهم شيئا، وما إن تضاء الأنوار احتفالاً بعملهم، حتى يظهر أناس آخرون، ألقبهم أنا شخصيا، بأعضاء نادى البراويز، وهم كثر فى هذه الأيام.

وإن كان لى أن أضم عضوا جديدا إلى نادى المشروم، فسأضم اللواء أمير السيد أحمد، مستشار السيد رئيس الجمهورية للبنية التحتية، الذى خطط لشبكة الطرق والكبارى الحديثة، التى يتم تنفيذها حالياً بجميع أنحاء الجمهورية، ومعه فى ذلك فريق من وزارة الدفاع ووزارة النقل



Email: sfarag.media@outlook.com