العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

كانت الأقصر، فى ذلك الوقت من العام، على درجة عالية من الاستعداد، كعادتها، فى الموسم الشتوي. وما إن وصل الضيوف إلى مقر إقامتهم، حتى أبلغنى مندوب المحافظة، أنه بعد ساعة واحدة، قد تم بيع كل ما هو موجود فى بازارات الفنادق، وما حولها.

«أنا لك على طول»
 

لواء د. سمير فرج

 30 أغسطس 2018


كلما استمعت للأغنية الرومانسية الشهيرة، أنا لك على طول، للراحل عبدالحليم حافظ، يرد إلى ذهنى صورة تلك الفتاة السمراء، التى تسللت إلى قلبه فى فيلم أيام وليالى ... الفنانة المصرية إيمان، التى اعتزلت الفن مبكراً، عندما تزوجت من رجل أعمال ألماني، بعدما أشهر إسلامه، وسافرت معه للخارج.

أذكر عندما اتصل بى صديقى العزيز مفيد فوزي، وأنا محافظ للأقصر، ليبلغنى أن صديقته الفنانة إيمان، تخطط لزيارة الأقصر للاحتفال بعيد ميلاد زوجها، بصحبة أصدقائه من عدد من البلاد الأوروبية، ورأيت ضرورة الاهتمام بهذه الزيارة. وبالفعل اتصلت بى الفنانة إيمان، لتبلغنى بنيتها مفاجأة زوجها بالاحتفال بعيد ميلاده فى الأقصر، ودعوة عدد من أصدقائه من مختلف أنحاء أوروبا. ووفقاً للموعد المحدد، وصل للأقصر 4 طائرات خاصة، من عدة دول أوروبية، تحمل مجموعة من أثرياء أوروبا، بعائلاتهم، وتم حجز فندقين عائمين لرحلة نيلية بين الأقصر وأسوان، ذهاباً وإياباً.

كانت الأقصر، فى ذلك الوقت من العام، على درجة عالية من الاستعداد، كعادتها، فى الموسم الشتوي. وما إن وصل الضيوف إلى مقر إقامتهم، حتى أبلغنى مندوب المحافظة، أنه بعد ساعة واحدة، قد تم بيع كل ما هو موجود فى بازارات الفنادق، وما حولها، حتى إن أصحابها ذهبوا لإعادة شراء أصناف جديدة، من الذهب والكليم والسجاد والمقتنيات الفرعونية والجلاليب والفضة والألباستر، وغيرها. وتكرر ذلك الموقف مرتين خلال الرحلة النيلية.

وفى أول ليلة لهم بالأقصر، كنت حريصا على لقائهم، والترحيب بهم، فحضرت حفل العشاء، وطبقا للبروتوكول، تحدثت للحضور مرحبا بهم، ولاحظت انبهارهم بالحضارة الفرعونية، ونهر النيل، ودفء جو الأقصر الساحر، وعرضت باختصار خطة تطوير الأقصر، لأنى شعرت بشغفهم لسماعها، بعد جولتهم الصباحية فى المعابد والمتاحف والمقابر الفرعونية. وشرحت لهم فكرة بناء البيت النوبي، ليكون مزارا للسائحين، للتعرف على تلك الحضارة المصرية القديمة؛ فقد كنت قد أنشأت لأهالى النوبة، المقيمين فى الأقصر، أول كيان خاص بهم، هو منشية النوبة، بعد تهجيرهم فى أثناء بناء السد العالي. وهذا البيت النوبى الجديد، كان عبارة عن منزل كبير على الطراز النوبي، بألوانه الزاهية، ومعماره المتميز، يوجد فى دوره الأرضى ورش عمل للصناعات النوبية، مثل السجاد، والكليم، والمشغولات الفضية، والأوانى الفخارية، والملابس والإكسسوار الذى يميز المرأة النوبية. أما الدور الثاني، ففيه معارض لبيع هذه المنتجات، وتخصيص أرباحها لصالح أهالى النوبة، فى الأقصر. وإحقاقاً للحق، يرجع الفضل فى تدبير تمويل هذا البيت للوزيرة العظيمة فايزة أبو النجا.

وبعد كلمتي، تحدث رجل الأعمال المهندس ماكس شيلدين، زوج الفنانة إيمان، المقيم حاليا فى النمسا، شاكرا زوجته وأصدقاءه على تنظيم هذا الاحتفال، الذى لن ينساه طوال حياته، بجوار الآثار الفرعونية، على ضفاف النيل الخالد، ثم قرر أن تٌجمع هدايا عيد ميلاده، هذا العام، وتخصص قيمتها لصالح تطوير البيت النوبى فى الأقصر. وبالفعل قامت الفنانة إيمان بجمع كل هذه المبالغ، من اصدقائهم، فور عودتها إلى النمسا، وأرسلتها لى بشيك إلى الأقصر، بعدما حصلت على موافقة السيد الدكتور أحمد نظيف، رئيس مجلس الوزراء أنذاك، لقبول التبرع لمصلحة البيت النوبي. وأعتقد أن القصر، الذى تعيش فيه، حالياً، سمراء النيل، إيمان، فى النمسا يحتوى على العديد من الصور الجميلة للبيت النوبي، فى الأقصر.

من تلك القصة الصغيرة، نتعرف على مفاهيم جميلة وبسيطة، فقد تأكدت أن من شرب من مياه النيل، يظل يدين بحب مصر، مهما ابتعد عنها لمسافات أو لسنوات، وهو ما أثبتته الفنانة إيمان، باختيارها الأقصر للاحتفال بزوجها. أما النقطة الثانية، فتؤكد أن السياحة لا تعتمد على الكم، ولكن تعتمد على الكيف، أى بنوعية السائح. ويكفى أن أشير إلى أن منظم هذه الرحلة، لتلك المجموعة، أكد لى أن أرباحه من تلك الرحلة، فاق كل ما حققه من أرباح فى الموسم الشتوى بكامله. والآن، ونحن نتباكى على السياحة الروسية، يجب أن نلفت الانتباه إلى أن السياحة الروسية تقوم على الأعداد الكبيرة، بنظام All Inclusive، أى إن السائح يحصل على إقامته وجميع وجباته ومشروباته مدفوعة مقدما، فلا يضيف إليها قرشا واحدا إضافيا، علماً بأن من يأتى من الروس إلى مصر هم الطبقات الأقل دخلاً فى روسيا، بأسعار زهيدة، مما قلل من قيمة المنتج السياحى المصري.

بينما يعتمد العالم على نوعية السائح، فتقوم السياحة فى دول العالم على نظام جديد هو البوتيك أوتيل، أى الفنادق الفخمة، ذات أعداد الغرف القليلة، التى تجذب الأثرياء حول العالم. هذا هو التوجه الحديث فى السياحة العالمية، الذى أتمنى أن نتبناه فى قطاع السياحة المصرية مستقبلا، بالاعتماد على النوعية فى اختيار السائح، خاصة من الدول التى تحترم المقاصد السياحية المصرية، مع فتح أسواق جديدة مثل السياحة الهندية إلى مصر، واستعادة السائح اليابانى والصيني، التى تعتبر دولا واعدة لنا. وأعود لأكرر بأن السياحة هى مستقبل هذا البلد، وأهم مصادر دخله، فنحن نمتلك منتجا ومزيجا لا مثيل له بالعالم إلا فى مصر؛ الماء والهواء والآثار، وينقصنا الاستراتيجية التسويقية المتطورة.



Email: sfarag.media@outlook.com