العودة إلى الفهرس الرئيسي

لتحميل الوثيقة في صورة PDF

من المقــال

يعتبر مجمع مستشفيات كوبرى القبة، ثان أكبر صرح طبى فى الشرق الأوسط، بعد قصر العيني.

الليلة الكبيرة
 

لواء د. سمير فرج

 4 يناير 2018


توجهت، فى الأسبوع الماضي، إلى مستشفى المعادى العسكري، لزيارة أعز قادتى فى القوات المسلحة المصرية، الفريق صفى الدين أبو شناف ... ومن عادتي، كلما كنت فيها، أن ألتقى اللواء طبيب محمود، مدير المستشفي، لتحيته ... فتصادف أن تزامنت زيارتي، هذه المرة، مع اجتماعه الأسبوعى بالعاملين فى المستشفي، ومن كرم أخلاقه، همّ برفع الاجتماع، لاستقبالي، ولكننى أصررت على انتظاره، لحين الانتهاء من الاجتماع، ومستغلاً فرصة وجودى بمكتبه، خلال الاجتماع، لاستعادة ذكريات العمل فى القوات المسلحة المصرية، التى عودتنا على عقد اجتماعات المتابعة الدورية، كل أسبوع.

اجتمع مدير المستشفى مع رؤساء المستشفيات التابعة، والمساعدين، والإداريين ... فالحقيقة أن مستشفى المعادى العسكري، هو مجمع طبى متكامل، يشمل 6 مستشفيات. فى البداية، ناقش، مدير المستشفي، وتابع، ما تم تنفيذه من بنود وقرارات اجتماع الأسبوع السابق، واستمع إلى تقارير الحاضرين، عن تطور وسير الأعمال المنوطين بتنفيذها، ودار النقاش حول مختلف المهام الأخري، مثل احتياجات المستشفى من تجهيزات غرف العمليات، وغرف النزلاء، والأدوية والعقاقير المطلوبة ... وكذلك عقود الأطباء المحليين، وجدول أعمال الخبراء الدوليين، وحتى مشكلات الكهرباء، والتجديدات الداخلية بمجمع المستشفيات. استغرق الاجتماع ساعتين، قبل أن يبدأ مدير المستشفى المرور على وحداتها المختلفة، للتأكد من انتظام العمل بها.

مر أسبوع وكنت فى زيارة شخصية، أخري، إلى مجمع مستشفيات الجلاء، فمررت، أولاً، على مديرها، صديقى اللواء طبيب بهاء، لتحيته، فإذا باليوم يصادف اجتماعه الأسبوعى مع أطباء وإداريى المستشفي، حيث يتناقشون فى كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالمستشفي، وأطبائه، وممرضاته وممرضيه، وخدماته وكيفية تطويرها ... نفس الموضوعات التى شهدت نقاشاتها فى مستشفى المعادى ... فتأكدت من أن أسلوب عمل القوات المسلحة المصرية، القائم على المتابعة الحثيثة، هو سبب نجاحاتها فى جميع أعمالها، حتى فيما يخص المستشفيات ... تماماً كما نجحت فى أن يعتبر مجمع مستشفيات كوبرى القبة، ثان أكبر صرح طبى فى الشرق الأوسط، بعد قصر العيني، ويديره اللواء هارون، وهو ليس طبيباً، ولكنه متلك جميع فنون ومواهب الإدارة. خاصة أن مستشفيات القوات المسلحة، تقدم خدماتها، بنفس التميز، للعسكريين والمدنيين على حد سواء ... وتساعد أصحاب الحالات الإنسانية من المدنيين، بمنتهى الود والكرامة.

استدعت تلك الاجتماعات الأسبوعية التى شهدتها، واستمتعت خلالها بوجبة إدارية رائعة، ذكريات غالية على قلبي، فور تعيينى رئيساً لدار الأوبرا المصرية، والذى حددت فيه يوم الاثنين، من كل أسبوع، موعداً لاجتماعى الأسبوعى بالعاملين فيها، لمتابعة أعمال هذا الصرح العظيم ... ثم تطور الاجتماع ليشمل مناقشة تطوير أداء الأوبرا وتعزيزها بأفكار جديدة، والخروج من القوالب الروتينية، بهدف جذب انتباه عامة الشعب إليها.

اقترحت، من جانبي، فى أحد تلك الاجتماعات تقديم «أوبريت الليلة الكبيرة» بفرقة باليه الأوبرا ... وهنا علا الذهول وجوه جميع الحاضرين، وبدت عليهم ملامح الصدمة، إلا من الدكتورة رتيبة الحفني، رحمها الله، أو الجنرال الألماني، كما كنا نطلق عليها، نسبة إلى أصولها الألمانية، وأدائها الصارم ... فقد رأى الجميع أن فرق الباليه لا تقدم إلا الكلاسيكيات العالمية، مثل «بحيرة البجع»، و«كسارة البندق»، و«سبارتاكوس»، وغيرها، بينما رأيت أنا عكس ذلك، بناء على خبرتى الشخصية، عندما زرت الأوبرا فى نيويورك، على سبيل المثال، وشاهدت عرض «قصة الحى الغربي»، فى استعراض حديث، بعيداً عن كلاسيكيات الأوبرا المتعارف عليها. رأى الجميع أن مثل تلك الأعمال تقدمها فرقة الفنون الشعبية على مسرح البالون، وأنها ليست من اختصاص فرق الباليه على مسارح الأوبرا، بينما رأيت أنا أن الأوبرا مركز ثقافى قومي، يقدم كل الأعمال، باختلاف ألوانها وأذواقها، وهو ما يجب تطويره باستمرار فى الأوبرا. ولتحفيذ الحاضرين، اقترحت قيام فرقة الرقص الحديث بتنفيذ الأوبريت، إن كانت فرقة الباليه لا ترى فى نفسها القدرة على ذلك ... ونجحت خطتى فى تحفيز فرقة الباليه، فوافقت على تنفيذ الفكرة! وإيماناً منى بتلك الفكرة، وحرصاً على الخروج بها عل أكمل وجه، فقد كنت أتابع بنفسى جميع خطوات الإعداد لها، والبروفات عليها، واختيار الملابس، واختبارات الإضاءة والصوت، لتفادى خروج العمل مشوهاً، فأهاجم بأننى «الجنرال اللى مش فاهم فى الفن». وعندما وقع الاختيار على مساعد فرقة الباليه، الفنان مجدى صابر، ليتولى التدريب والتصميم للعمل، لم أعارض ذلك الترشيح، بل تمسكت به بشدة، لإتاحة الفرصة لكوادر الصفوف الثانية لتولى المهام القيادية، ولم يخذلنى الرجل، بل كان غاية فى الموهبة والعزيمة والإصرار، فاختار أروع الديكورات والملابس.

وجاء يوم الافتتاح، والعرض الأول، ولم أجلس فى القاعة، بل فضلت أن أتابع العمل من غرفة «الكنترول» ... وشهدت نجاحه، ليس فقط من تفاعل الحاضرين معه، وتصفيقهم الشديد ... ولكن لما تلا ذلك من أيام عرض صباحية ومسائية، ليصبح بعدها، هذا الاستعراض، الأكبر فى تاريخ الأوبرا من حيث عدد ليالى العرض على مسارحها ... وحمدت الله.

بعد الافتتاح، ونجاح العرض، تسابقت وسائل الإعلام، المرئية والمسموعة والمقروءة، لتهنئة أبطاله، حتى معارضوه صاروا أبطالاً، ينسب كل منهم الفضل لنفسه فيما قام به ... ووقفت، ومعى الدكتورة رتيبة الحفني، نراقب الحوارات الإعلامية التى تدور حولنا، وهى تضحك قائلة «النجاح له مائة أب ... والفشل له أب واحد» ... كان من الممكن أن أكون أنا!

وبانتهاء ليلة العرض الأولي، وفى سيارتي، فى طريق العودة إلى منزلي، بدأت التفكير فى عروض جديدة، لطرحها ومناقشتها خلال الاجتماع الأسبوعى التالي، وتوصلت إلى «على بابا والأربعين حرامي» ... ولكن قُدر لى الانتقال من رئاسة دار الأوبرا، إلى محافظة الأقصر، قبل أن أحقق ذلك الحلم، لأبدأ هناك سلسلة جديدة من المشروعات والأفكار.



Email: sfarag.media@outlook.com